حتى اعتلاء الصديق المنبر يوم الثلاثاء للمبايعة، لم يكن أحد من المهاجرين أو الأنصار قد تحدث عن الخلافة، ولم أجد في الروايات سوى ما احتج به عرضا أبو بكر أمام الإبصار بالقول إن العرب تعلم أن هذا الأمر لقريش في إشارة إلى علم المسلمين بنص الحديث الأول: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان" وهو كما قال عنه الحافظ ابن حزم في المحلى: "هذه اللفظة لفظة الخبر أي أنه إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الأمر سيكون في قريش، وقد حصل مع الخلافة الراشدة التي كانت في قريش، ثم مع أمراء بني أمية وبني العباس. والثاني جاء بلفظ "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يأتي الله ملكه من يشاء" واللفظة هنا أيضا إخبارية كما في الحديث الأول، يمكن أن يسري عليها ما قاله ابن حزم في الحديث الأول، ولم يحتج به في المناظرة، ولا عند تدبير خلافة عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم. ومع ذلك فإن الحديثين بلفظهما الإخباري قد منع الأول منهما المسلمين، عرب وأعاجم، من منافسة قريش على الأمر كما فعل الأنصار بعد المناظرة مع عمر وأبو بكر في السقيفة، ومنع الثاني أن يدعي أحدهم "الخلافة الراشدة" لغير الخلفاء الأربع، حتى وإن كان بعضهم قد أجاز إضافة خلافة عمر بن عبد العزيز للخلافة الراشدة، بما يعني تصنيف البقية من حكام المسلمين تحت عناوين استدعيت من الحديث الذي رواه مسلم: "سيكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض" ومثله ما ورد في المستدرك قول عمر بن الخطاب: "إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكا ورحمة، ثم يعود جبرية تكادمون تكادم الحمير أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد". وقد أراد بعض أنصار بني أمية وبني العباس أن يكونا من الصنف الثاني أي "ملك ورحمة" حتى يسلما من القدح المضمر في الصنف الثالث "ملك وجبرية" أو الرابع "ملك عضوض'' ما دام الانتساب للصنف الأول ممتنع، يمنعه حديث "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء" هذا في الجملة كل ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن طبيعة إمارة المسلمين وإدارة شأنهم، وقد جاءت الأحاديث كما ذكر ابن حزم بلفظة إخبارية تنبئ المسلمين بما سيكون، ليس فيها إلزام أو أمر صريح، ولعل ذلك هو ما منع الصحابة وهم يتناظرون داخل سقيفة بني ساعدة من استحضار الحديثين إلا ما كان من إشارة خفيفة في حديث أبي بكر الصديق وهو يخاطب الأنصار وقد جمعوا أمرهم على تقديم سعد بن عبادة حيث قال الصديق رضي الله عنه: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا" ففي هذه العبارة إحالة إلى ما يكون قد رسخ بين العرب من تسليم بالقيادة لقريش.