هو تحقيق يعدّ الأول من نوعه في إفريقيا والوطن العربي، دام 10 سنوات ودرس الآثار النفسية والجسمية لأطفال المأساة الوطنية في الجزائر، مقدما في ذلك العديد من أساليب العلاج والتكفل بهذه الشريحة التي أكد الدارسون لها أنها يمكن أن تنفجر في أي وقت نظرا لما تعرضت له من صدمات مهولة نتجت عنها آثار عدوانية باتت تهدد كيان المجتمع، خاصة بعدما تقدم للعدالة سنة 2007 أكثر من 15 ألف مراهق منحرف معظمهم من هذه الشريحة. التحقيق شمل في قسمه الأول 400 طفل متمدرس من أبناء بن طلحة، يتراوح سنهم بين 10 و14 سنة، وخلص إلى أن 57 بالمائة منهم كانوا شاهدين على أعمال اغتيال وذبح واغتصاب تعرض لها أحد من أفراد أسرتهم أو جيرانهم، كما شعر 28 بالمائة أنهم تعرضوا للخوف الشديد وللضغط والإهمال، في حين صرح 14 بالمائة أن شعورهم بات ميتا نظرا لما شاهدوه وعاشوه من رعب. وقد أكد أطفال بن طلحة في حديثهم مع الأطباء والمختصين أنهم يعانون من مخلفات نفسية تنتابهم على الأقل مرة في الأسبوع على غرار التعرض لكابوس رعب أثناء النوم والبكاء من غير سبب والإحساس بالخوف المفاجئ، بالإضافة إلى الاستيقاظ المتكرر في الليل، وصرح 70 بالمائة منهم أنهم يتعرضون يوميا لكوابيس وصدمات خوف متقطعة، كما أكد بعضهم أنهم فقدوا الرغبة في اللعب وممارسة هواياتهم، معتقدين أن مستقبلهم مجهول في ظل فقدان أحد من أهلهم أو أصدقائهم وهذا ما نتج عنه سلوكهم العدواني مع أصدقائهم ومعلميهم. وشمل التحقيق في قسمه الثاني 426 طفل متمدرس من سيدي موسى والكاليتوس وبراقي، حيث خلص إلى أن 54 بالمائة من الأطفال بين سن 6 و10 سنوات تعرضوا للصدمة جراء ما شاهدوه وسمعوا عنه من أخبار القتل والانفجارات، حيث شاهد 15 بالمائة منهم جثثا ميتة ومذبوحة وسمع 14 بالمائة أخبارا حزينة أنبأتهم بموت أحد من أسرتهم أو أقربائهم. ومن بين تصريحات الأطفال التي سجلها التحقيق نذكر م ايلي "أنا أتذكر الرعب الذي تعرضت له على شكل كوابيس تأتيني في الأحلام تقريبا كل يوم".. هذا الكلام ردده 42 بالمائة من الأطفال. "حركة بسيطة أو صوت عالٍ قد يخيفني" عبارة رددها 65 بالمائة من الأطفال. كما مسّ التحقيق في قسمه الثالث 2013 طفل من أبناء الحراش، بوروبة، القبة، الجزائر الوسطى، الرويبة، الدارالبيضاء. وأفاد المحققون أن هؤلاء الأطفال كانوا أقل تأثرا وصدمة من أبناء بن طلحة وسيدي موسى، غير أن 24 بالمائة منهم كانوا في أماكن القتل والاعتداءات أثناء حدوثها، كما تعرض قرابة 23 بالمائة لمشاهد الذبح والتفجير والرعب المنقولة عبر التلفزيون. كما مست فوبيا الخوف 14 بالمائة منهم جراء موت أحد أصدقائهم، ولم يجب 37 بالمائة على الأسئلة المطروحة لهم جراء الخوف من تذكر المأساة. وأكد البروفسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام" الذي أشرف على هذا التحقيق الذي دام من سنة 1997 إلى سنة 2007، أن 15 بالمائة من الأطفال الذين تم التكفل بهم رجعوا لحالتهم الطبيعية، في حين يبقى عدد كبير من أطفال المأساة الوطنية الذين لم يتم التكفل بهم قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. فتنامي ظاهرة انحراف القصر في الجزائر التي يدخل في لوائها آلاف المراهقين سنويا هي نتيجة حتمية لإهمال هذه الشريحة المصدومة.. فبعد 10 سنوات تحول أطفال بن طلحة وسيدي موسى الذين شهدوا مجازر رهيبة مراهقين وشبابا باتت تتجدد في ذهنهم صور القتل والاغتصاب على شكل كوابيس وتصرفات عدوانية قلّ من يفهمها، مما يجر هؤلاء الأطفال إلى السجون نتيجة أخطاء فرضت عليهم جراء حالة التوتر والانحراف التي لم يجدوا من يعالجها ويخفف من وطأتها، لذلك وجب على الدولة التكفل بهذه الشريحة وتوفير سبل العلاج والوقاية والتكفل المستمر بها. بلقاسم حوام