- 16 رأسا فجرت فتنة المسلمين الكبرى كثير هي الحقائق التاريخية التي طمست بفعل التقادم الزمني وانحرافات المؤرخين الفكرية وعدم مصداقية التسجيل، ومن ضمن هذه الحقائق موضوع شهداء كربلاء، حتى أن كثيرا من المسلمين يجهل عدد هؤلاء الشهداء وأسماءهم، وظروف وملابسات استشهادهم، وأماكن دفنهم. لكننا في هذا التحقيق حرصنا على العودة إلى تاريخ الوقائع كما حدثت، لنقف عند أشد فتنة ألمت بالمسلمين والتي لا تزال تفتك بهم حتى اليوم، فتنة يستثمرها أعداء الأمة أبشع استغلال من أجل الإبقاء على فرقتنا وتمزقنا بصورة لا تخدم إلا المحتل الغاصب. الطريق إلى رؤوس الشهداء على يمين مدخل المقبرة الرئيسية في باب الصغير توجد مقبرة فرعية صغيرة محاطة بسور تحتضن رؤوس شهداء كربلاء، وفي غرفة كبيرة مرّبعة مبنيّة من الحجر الصخريّ الأبيض والأسود تعلوها قبّة بيضاء، ولها مدخل مبهر، تتوسّطه لوحة رخامية نُقِش عليها ما يلي: "هذا مقام رؤوس الشهداء الستة عشر من أهل العبا، الذين استُشهِدوا يوم طفّ كربلاء مع الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب". وما أن تدخل الغرفة حتى يطلّ عليك قفص مهيب مصنوع من الفضة، يعلوه تاج مطليّ بالذهب نُقشت عليه آيات قرآنية وأبيات من الشعر الحسيني، وقد وضع هذا القفص حديثاً سنة 1414ه من قبل أمير الإسماعيليين البهرة المدعو أبو القائد جوهر محمد برهان الدين الفاطمي، بعدما أُزيل القفص القديم. وداخل القفص أقيم شكل ضريح مغطّى بالقماش صُفّت عليه لفافات صغيرة من القماش الأخضر ترمز إلى رؤوس الشهداء المدفونة تحته وعددها ستة عشر، كما صُفّت أشكال أخرى أصغر منها من قماش أحمر ترمز إلى رؤوس شهداء كربلاء وعددها 72 شهيداً. كربلاء.. الفتنة الإسلامية الكبرى كثيرا ما نسمع عن واقعة كربلاء التي مثلت أكبر صور الفتنة في صفوف المسلمين إبان استشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث انفرد معاوية بن أبي سفيان بحكم الشام، ثم نصب نفسه خليفة للمسلمين، في الوقت الذي بايع فيه أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن رضي الله عنه حفيد النبي صلى الله عليه وسلم وابن علي الأكبر رضي الله عنه. فتنازل الحسن لمعاوية من أجل حقن دماء المسلمين، فضرب أروع الأمثلة في التسامح من أجل الصالح العام للأمة، على أن تكون البيعة للخلافة وفقا للشورى عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعيه، لكن معاوية قبل وفاته نصب ابنه يزيد ليرثه الخلافة، وهنا انتفض الحسين رضي الله عنه رافضا توريث الحكم ومخالفة شرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فثار ضد الظلم والطغيان، ورغم قلة عتاده وعدده إلا أنه آثر التحدي إعلاء لكلمة الله عز وجل، وتحرك رفقة قلة قليلة من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة باتجاه الكوفة بالعراق التي استنصره أهلها، ولكن سبقه إليهم جيش يزيد بن معاوية فألبهم عليه، فرفضوا الانضمام إلى صفوفه، فصمم رضي الله عنه على قتال قوى "الشر" ورفض رفضا قاطعا الاستسلام، ولأن المعركة لم تكن متكافئة، حيث لم يتجاوز فريق الحسين ال 70 رجلا وامرأة في مقابل جيش يفوق عدده الأربعة آلاف، وكانت النتيجة منطقية حيث استشهد الحسين ومعظم رفقائه، ليضرب أروع الأمثلة في الجهاد ضد الظلم، وليصبح سيد شباب أهل الجنة مثلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. من هم أصحاب الرؤوس ال 16؟ هذه الرؤوس ال 16 والمدفونة جماعيا في هذا القبر تعود نسبتها الى عدد من الصحابة وآل البيت، استطعنا أن نعرف من هم. فمن الصحابة: حبيب بن مظاهر رضي الله عنه. ومن آل البيت: علي بن الحسين الأكبر، والقاسم بن الحسن، عبد الله بن الحسن. ومن أبناء علي رضي الله عنه: أبو الفضل العباس، عبد الله بن علي، جعفر بن علي، عثمان بن علي، محمد بن علي، عمر بن علي، أبو بكر بن علي. ومن أولاد عقيل: جعفر بن عقيل، عبد الله بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل رضي الله عنهم. ومن نسل جعفر الطيار: عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر. وللإشارة، فإن صحن المقام يحوي أيضاً مسجداً صغيراً أُعيد بناؤه حديثاً، ويسمى مسجد الإمام زين العابدين، ويُذكَر أن زين العابدين صلّى في هذا المكان بعد دفن الرؤوس. قطع الرؤوس والطواف بالشهداء لكن الحديث عن بقية شهداء معركة كربلاء من الصحابة وآل البيت النبوي قليل، حتى أن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن عدد هؤلاء الشهداء أو حتى أسمائهم. وقد كان الاعتقاد السائد أن الشهداء دفنوا حيث كانت المعركة بالعراق، لكن الحقائق التاريخية تؤكد أن جيش معاوية فصل رؤوس الشهداء عن أجسادهم وحملت جميع هذه الرؤوس في صناديق وأخذت إلى دمشق حيث قصر يزيد بن معاوية، ليتأكد من نهاية "أعدائه" للأبد، وكذلك من أجل الطواف بها في جميع الولايات الإسلامية، ليتأكد المسلمون أن الحكم استتب ليزيد وأولاده وأحفاده، وكانت نهاية المطاف بهذه الرؤوس في إحدى مقابر دمشق، فوصلنا إليها لنقف على الحقيقة. طقوس عجيبة وقصص وهمية وبمجرد أن تطأ قدماك القبر حتى تشعر أن الزمان عاد بك الى الوراء، وتحديدا يوم كربلاء، جوّ من الحزن والأسى، بكاء ونواح من قبل زوار القبر، مشاهد عجيبة ومحيرة تسجلها جميع حواسك وأنت تتابع طقوس النواح التي تتم منذ 14 قرنا وستظل قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويروي لنا المؤلِّف السوري "لبيب بيضون" قصة عجيبة حول هذا القبر، وعلى كل حال هي واحدة من مئات القصص والروايات التي لا تدعمها أدلة منطقية تؤكد صحتها، لكننا نوردها كي نقف على التقديس الرهيب والمبالغ فيه من قبل زوار هذه القبور. قال بيضون: "ذكر لي أحد الثقاة من الذين عاصروا متولّي مقامات أهل البيت في الباب الصغير السيّد سليم مرتضى: تهدم حائط مشهد رؤوس الشهداء فأراد السيّد سليم إصلاحه وتقوية أساسه، فجاء برجل مسيحي ينحت الأحجار، وكان يأتي صباحاً باكراً يعمل حتى العصر حيث يأتي السيّد سليم ويرى عمله، قال السيّد سليم رحمه الله: وفي يوم من الأيام جئت فوجدت المسيحيّ قد جمع أغراضه في السلّة يريد إنهاء عمله، قلت: ما بك؟ قال: إذا أنا أردت الاستمرار في العمل عندكم فأخاف أن أترك ديني وأصير مسلماً! قلت: لماذا؟ قال: البارحة بينما كنت أحفر التراب حول مقام رؤوس الشهداء لأضع الأحجار الجديدة، انفتحت أمامي ثغرة، نظرت منها فإذا بي أرى غرفة فيها عدّة رؤوس بعضها أمرد وبعضها بلحية، وبعضها مغمّض العينين، وأحدها معصّب رأسه. ثم جاء السيّد ونظر في الكوّة فرأى الرؤوس وعددها ستة عشر رأساً، مصفوفة على شكر دائرة، وكأنها مدفونة لساعتها، كل رأس منها بشحمه ولحمه لم يُصبه أي فساد أو بِلى والدماء ظاهرة عليه، ثم سدّ المسيحي الثغرة ورحل"، لم تكن هذه هي القصة الوحيدة التي سمعتها فهناك عديد الروايات التي يتناقلها العامة، الأمر الذي طرح العديد من علامات الاستفهام حول القدسية الرهيبة التي يمنحها بعض المسلمين للقصص والروايات غير موثوقة المصدر. دمشق: ع . وليد