"الصحوة التاريخية" التي شهدنا بعض فصولها خلال الأشهر القليلة الماضية، ولانزال نشهد تداعياتها إلى اليوم، كان يمكن أن تكون أدعى إلى القبول والاستفادة.. * لولا ظروف بروز الشهادات التاريخية وارتباطها بمواسم انتخابية أو بحسابات سياسية. * لقد أصبحنا نسير في الجزائر فوق حقل ألغام، حيث تتحول أبسط القضايا التي يعيشها المواطن إلى مادة خصبة لدعاية سياسية ما، تصب في صالح حزب ما، أو مرشح ما، أو تيار ما، ناهيك عن القضايا التاريخية التي لايزال يلفها غموض كثير، بدءا بتاريخ الثورة والصراع بين الفصائل الوطنية التي تراشقت تهم الخيانة بينها، ثم تهميش الخط النضالي المفعم بقيم العروبة والإسلام، واتهامه بالتخاذل والتقاعس عن حمل السلاح، إلى مفاوضات إيفيان وتفاصيل الكواليس التي تمخضت عن منح الشعب الجزائري الحق في تقرير مصيره، دون أن نعرف الثمن الحقيقي لهذه الاتفاقيات، بعيدا عن دماء الشهداء التي لا يعدلها ثمن في مزاد القيم ولا في ميدان الكفاح والنضال. * كان يمكن لشهادات المناضلين والمجاهدين أن تحظى بقدر أكبر من الاهتمام والتنويه، لولا التناقض الصارخ الذي تكشفه تفاصيلها، بين شخصيات وطنية كانت على رأس هرم الدولة، تقرر حقائق يصفها غيرهم بالأكاذيب، ويفندون معطيات يعتبرها غيرهم حقائق، خاصة وأن التاريخ عندنا، كغيره، يُستعمل مطية لتصفية حسابات سياسية أكثر من استغلاله للتوصل إلى الحقيقة التي يجب على الشعب الجزائري أن يعرفها، سواء تعلق الأمر بسنوات الكفاح ضد المحتل الفرنسي، أو مرحلة ما بعد الاستقلال وما حدث فيها من صراع بين النخب التي كانت تتحرك بدوافع أيديولوجية أو جهوية أو مصلحية. * من حق الشعب الجزائري أن يعرف الحقائق المتعلقة بتاريخه بكل موضوعية وشفافية، ومن واجبه أن يستمع لكل الأطراف، ليعرف المسار الذي أخذته الدولة الجزائرية منذ ولادتها في أحضان الحركات الوطنية والدينية، إلى الآن، بعيدا عن التزييف الذي يشوّه الحقائق، أو التحوير الذي يميّعها. * نقول من حق الشعب الجزائري أن يعرف تاريخه، لكنّ هذا ليس هو الحق الوحيد الذي ينبغي أن يحظى به هذا الشعب، فخلف التاريخ وحقائقه وألاعيبه التي يكتبها المنتصرون غالبا، هناك الحق في العيش الكريم، والحق في الاستفادة من ثروات البلاد التي لا ينتفع منها أغلب الناس، والحق في العيش الآمن، والحق في الدفاع عن قناعاته وأفكاره وإعلانها بكل صراحة وجرأة، والحق في اختيار من يراه أهلا لتمثيله.. وإذا نال الشعب هذه الحقوق التي ستتحول بفعل الزمن والوعي إلى واجبات وثوابت ومسلَّمات، فإنه سيميّز حينها بين حقائق التاريخ وبين ألاعيب السياسة. *