مما لا شك فيه أن عمر بن الخطاب أثبت مدى حكمته حتى وهو على فراش الموت، عندما أرسى القاعدة الأساسية في الحكم، والتي دعا الإسلام إليها على أساس مبدأ الشورى، وقد رأى في اغتياله استهدافا للخلافة أكثر منه استهدافا لشخصه، لذا حرص على إنفاق ما بقي له من العمر لحسم أمر الخلافة من بعده. كان عمر يفكر في البداية في أبو عبيدة بن الجراح أو سالم مولى أبي حذيفة ولكنهما توفيا قبله وقال: "لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيًا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أنه أمين هذه الأمة"، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أن سالمًا شديد الحب لله"، فقال له أحد المسلمين: "استخلف ابنك عبد الله". فقال: "قاتلك الله، والله ما أردت الله بذلك، ويحك لا إرب لنا في أموركم، ما حمدتها لنفسي فأرغبها لواحد من أهل بيتي، إن كان خيرًا فقد أصبنا منه، وإن كان شرًا فحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمة محمد . لقد أجهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت لا عليَّ ولا لي، فإني إذا لسعيد". هكذا كان عمر رضي الله عنه، حاضر البال لا يخدعه المتملقون وهو القائل: "أنا الخب والخب لا يخدعني" بناءً على هذا أوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ورفض تسمية أحدهم بنفسه، وقد كان أعلم بسريرة إخوانه من الصحابة رضوان الله عليهم، ما لهم وما عليهم، وقد روي عنه أنه قال: "واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك، مع أنّك رجلُ حربٍ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضى، كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته وكِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك! وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها! وإنّك أحرى القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم على الحقّ المبين، والصراط المستقيم". ولم يذكر عمر بن الخطاب في الشورى، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رغم أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وذلك لكونه ابن عمه. كما أمر بحضور ابنه عبد الله مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئا، ثم أوصى صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى. مات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 ه، الموافقة لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق ورسول الله صلوات الله عليه وسلم، وكان عمره خمسًا وستين سنة، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة. وباغتياله يكون قد كسر الباب الذي كان يمنع أطلال الفتنة برأسها على المسلمين، ليكون اغتيال الخليفة عثمان رضي الله عنه على يد من وصفهم المؤرخون ب "الثوار" بداية تنفيذ الجزء الثاني من مسار هدم الخلافة الراشدة، ويكون اغتيال الخليفة علي رضي الله عنه الحدث الذي سينهي حقبة الخلافة الراشدة والانتقال بإمارة المسلمين من سعة الحكم بالشورى، إلى ضيق الملك العضوض الذي فقد مع الإجهاز على الشورى، وشرط رضا المسلمين بمن يتولى أمرهم، يكون قد أفقد المسلمين واحدا من أهم شروط المناعة والتحصين من الفتن.