* نسبه هو أبو عبد الله حذيفة بن حُسَيْل اليمان من بني عبس، جاء حذيفة هو وأخوه ووالدهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنقوا الإسلام، وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد نما في ظل هذا الدين، وكانت له موهبة في قراءة الوجوه والسرائر، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن، ومسالك الشرور ليتقيها. لقد كان في إيمانه وولائه قويًّا، فها هو يرى والده يُقتل خطأً يوم أُحد بأيدي مسلمة، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه: أبي! أبي! إنه أبي!. ولكن أمر الله تعالى قد نفذ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، لكنه نظر إليهم إشفاقًا وقال: (يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين). ثم إنطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة، وبعد إنتهاء المعركة علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمر بالدية عن والد حذيفة حسيل بن جابر رضي الله عنهما، ولكن تصدَّق بها حذيفة على المسلمين، فازداد الرسول له حبًّا وتقديرًا. * من مواقف حذيفة بن اليمان مع الرسول - حذيفة بن اليمان يسأل عن الشر عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن). قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعْتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). - قم يا حذيفة عن بلال العبسي، عن حذيفة بن اليمان أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جاثٍ من البرد، وقال: (يا إبْن اليمان، قم فإنطلق إلى عسكر الأحزاب، فإنظر إلى حالهم). قلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياءً منك من البرد. قال: (فإبرز الحَرَّة وبرد الصبح، انطلق يإبن اليمان، ولا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إليَّ). فإنطلق حذيفة إلى معسكرهم وعرف أخبارهم، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: (ابن اليمان اقعد، ما الخبر؟) قلت: يا رسول الله، تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار، قد صبَّ الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا، ولكنَّا نرجو من الله ما لا يرجو. - صاحب سر رسول الله عن زاذان، عن حذيفة قال: قالوا: يا رسول الله، لو استخلفت. قال: (إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرءوه). وعن زيد بن وهب في قوله تعالى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ)، (التوبة: 12) قال: كنا عند حذيفة، فقال: (ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة). فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟! قال: (أولئك الفساق، أَجَلْ، لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير، لو شرب الماء البارد لما وجد برده). * من أحاديث حذيفة بن اليمان عن النبي عن مسلم بن نذير، عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله، إني رجل ذَرِب اللسان، وإن عامة ذلك على أهلي. قال: (فأين أنت من الاستغفار، إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة). عن حذيفة قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفاه الله فيه، فقلت: يا رسول الله، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي؟! فردَّ عليَّ بما شاء الله، ثم قال: (يا حذيفة، ادْنُ منِّي). فدنوتُ من تلقاء وجههِ، قال: (يا حُذيفة، إنه من ختم الله به بصومِ يومٍ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة، ومن أطعم جائعًا أراد به الله، أدخله الله الجنة، ومن كسا عاريًا أراد به الله، أدخله الله الجنة). فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. * يوم أحد لقد كان حذيفة في إيمانه وولائه قوياً، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه: (أبي، أبي، إنه أبي!) ولكن أمر الله قد نفذ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، لكنه نظر إليهم إشفاقاً وقال: (يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين) ثم إنطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة وبعد انتهاء المعركة علم الرسول بذلك، فأمر بالدية عن والد حذيفة (حسيل بن جابر) لكن حذيفة تصدق بها على المسلمين، فازداد الرسول له حباً وتقديراً. * قصته بغزوة الخندق قال حذيفة: صلى بنا الرسول ثم إلتفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر مافعل القوم، ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة)؟ فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد، دعاني، فلم يكن لي بد من القيام، فقال: (ياحذيفة! إذهب فإدخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا). فذهبت فدخلت فيهم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء. فقال أبو سفيان: (لينظر امرؤ من جليسه)، فأخذت بيد الرجل الذي كان جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يامعشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فإرتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل، فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط ثم ركع وسجد وإني لفيه ولما أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قريش فإنشمروا راجعين إلى بلادهم. * معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث إحتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفًا، إختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة النعمان بن مُقَرِّن، ثم كتب إلى حذيفة أن يسير إليه على رأس جيش من الكوفة، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول: (إذا إجتمع المسلمون، فليكن كل أمير على جيشه، وليكن أمير الجيوش جميعًا النعمان بن مقرن، فإذا إستشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة، فإذا إستشهد فجرير بن عبد الله..). وهكذا إستمر يختار قوّاد المعركة حتى سمى منهم سبعة. وإلتقى الجيشان ونشب قتال قوي، وسقط القائد النعمان شهيدًا، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليًا، وأوصى بألاَّ يذاع نبأ إستشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة، ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه النعمان تكريمًا له، ثم هجم على الفرس صائحًا: (الله أكبر، صدق وعده، الله أكبر، نصر جنده) ثم نادى المسلمين قائلاً: (يا أتباع محمد، ها هي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم، فلا تطيلوا عليها الإنتظار). وإنتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس، وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده، وشهد فتح الجزيرة ونزل نَصِيبين، وتزوّج فيها * فضل حذيفة بن اليمان قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي قبلي إلا قد أعطي سبعة نُجباء رفقاء، وأعطيتُ أنا أربعة عشر، سبعة من قريش: عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال) رضوان الله عليهم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأصحابه: (تمنّوا). فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله، فقال عمر: (لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله تعالى). * من أقوال حذيفة بن اليمان لحذيفة بن اليمان أقوال بليغة كثيرة، فقد كان واسع الذكاء والخبرة، ومن ذلك قوله للمسلمين: (ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه). * توليه على المدائن خرج أهل المدائن لإستقبال الوالي الذي إختاره عمر لهم، فأبصروا أمامهم رجلاً يركب حماره على ظهره أكاف قديم، وأمسك بيديه رغيفاً وملحاً، وهو يأكل ويمضغ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم: (إياكم ومواقف الفتن). قالوا: (وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟) قال: (أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي، فيصدقه بالكذب، ويمتدحه بما ليس فيه) فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد، ومنهجه في الولاية. * وفاة حذيفة بن اليمان مَا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً، فقيل: (ما يبكيك؟) فقال: (ما أبكي أسفاً على الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ). ودخل عليه بعض أصحابه، فسألهم: (أجئتم معكم بأكفان؟) قالوا: (نعم) قال: (أرونيها) فوجدها جديدة فارهة، فإبتسم وقال لهم: (ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر الا قليلاً، حتى أبدل خيراً منهما، أو شراً منهما) ثم تمتم بكلمات: (مرحباً بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم) وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن، وذلك بعد مَقْتلِ عثمان بن عفان بأربعين ليلة.