قادة بن عمار يعكس استمرار حصار وتجويع أزيد من مليون ونصف مليون من سكان غزة مقدمة وشيكة لما يمكن أن نسميه انتفاضة ثالثة لا تحتمل التأجيل، بل إنها انتفاضة مكتملة العناصر والمثيرات ومدعّمة بكامل الأسباب والمبررات، وما وصول المقاومة أول أمس إلى شمال القدس وقضائها على جندي إسرائيلي وإصابة زميله إلا الشرارة التي يتوقع المتابعون للوضع إشعالها لفتيل المقاومة مجددا! لقد أُصيبت القضية الفلسطينية بعد تصفية رمزها الأول ياسر عرفات بالشلل التام، حيث تراجعت العمليات الاستشهادية العام الفارط في داخل الكيان المحتل إلى عملية واحدة يتيمة، فيما نشطت عمليات الاقتتال الداخلي واستيقظت شهوة السلطة لدى الإسلاميين المتمسكين بالانتصار في الانتخابات للبقاء في الحكم، وبين الفتحاويين الذين أخرجوا مرة أخرى لعبتهم القديمة متمثلة في الاستقواء بالأجنبي على أبناء بلدهم الباحثين عن سلبهم السلطة والنفوذ، فوجدنا أنفسنا بين شرعيتين متصادمتين، الأولى انتخابية فقهية، والثانية ثورية واقعية، لكن المقاومة ضاعت بينهما ولم يعد هنالك إلا التبجّح باختطاف الجندي شاليط الذي يمثل بقاءه مختفيا دون تبادل ناجح للأسرى حتى الآن حملا ثقيلا على خاطفيه أكثر منه انتصارا لطرف على آخر! حصار غزة لا يمكن التقليل من سلبياته وآثاره الكارثية على الإنسان مهما عدّدناها، لكنه من وجهة نظر محايدة يمثل سببا مباشرا لاستعادة القضية من خاطفيها، سواء تعلق الأمر بفتح أو بحماس، ذلك أن الخبز في كثير من الأحيان يكون دافعا للثورة أكثر من القتل المباشر بالطائرات والمدفعية، كما أن إهدار الكرامة واستباحة الشرف الفلسطيني في المعابر والحواجز هو أبشع وأفظع من التصفية المباشرة للشهداء، ولا نزكي في ذلك على الله أحدا! عيب كبير أن يستمر الرئيس الفلسطيني وعصبته الحاكمة في المنطقة السوداء برام الله في التلذذ بمنافع السلطة المجزّأة وهو يعلم يقينا أن أكثر من مليون فلسطيني يتضورون جوعا ويعيشون في الظلمات بغزة، كما أنه من المعيب جدّا على رئيس حكومته أن يلتقط الصور ويضم وزيرة خارجية أمريكا بالأحضان في دافوس، وهو يدرك أن الحصار قتل حتى الآن حوالي 80 مريضا في القطاع بسبب فقدان الدواء، وذلك في الوقت الذي يطالب فيه أمين جامعة الدول العربية من عباس وقف تقبيله لزميله ايهود اولمرت كشكل جديد للمقاومة أو المقاطعة، ويلجأ المصريون إلى الإمساك بالعصا من الوسط، من خلال دفعهم السكان إلى فك حصارهم بالقوة، ثم إحكام القبضة عليهم في حصار أشد بأسا بعد ما تركوهم يحملون مؤونة لا تكف سوى لأيام معدودات! غزة لن تتحرر من حصارها إلا عبر تحرير القضية من خاطفيها الفلسطينيين في السلطة أولا ومن أصحاب المبادرات العربية الفاشلة ثانيا، ومن ثم يجوز التفكير في مواجهة العدو الظاهر، لأن هذا الأخير لم يمنح الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن إلا الجوع والموت والحصار، أما السلطويون الجدد بعد الثورة، وفي أعقاب الانتفاضتين الأولى والثانية فقد منحوا لأبناء بلدهم الموت البطيء وحرب التصفيات والاقتتال إضافة إلى المهانة والذل من تلذذهم بالحرب في شوارع مغلقة، وذلك كلّه أشد من حصار العدو لو كانوا تعلمون!