أعرب المفوض العام لحقوق الإنسان بدولة "الأردن" موسى بريزات عن أمله في أن يخرج النقاش الذي يجري في الجزائر حول موضوع "التخلي عن عقوبة الإعدام"، بتوصيات تخدم الصالح العام للمجتمعات العربية، وانتقد في هذا الحوار الذي أجرته معه "الشروق أون لاين" على هامش أشغال "ندوة الخبراء حول التخلي عن عقوبة الإعدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" المنعقدة الثلاثاء، والأربعاء في جلسات مغلقة بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة، تغييب أو غياب "الفقهاء" و"علماء الشريعة" عن هذا النقاش، الذي "ينبغي أن تشارك فيه كل الفعاليات المجتمعية، نظرا لأهميته وحساسيته". أين تكمن أهمية هذا النقاش الذي تشاركون فيه حول "إلغاء عقوبة الإعدام"؟ اسمحلي بداية أن أعبر عن سروري وسعادتي لوجودي في الجزائر، أنا المفوض العام لحقوق الإنسان في الأردن، وهذه هي المرة الثانية التي أزور فيها الجزائر، في إطار دعوات من اللجنة الاستشارية الجزائرية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وفي كل مرة أزور هذا البلد أجد تقدما في مجال حقوق الإنسان، حقيقة هناك تقدم مميز في النقاش والحوار، وحتى في الجانب الحضري والعمراني، والاقتصادي. وأعتقد أن الجزائر من الدول التي تتجه نحو عصرنة قوانينها وجعلها تتماشى مع القانون الدولي، لاسيما في مجال حقوق الإنسان، وأهمية النقاش الذي طرحته لجنة حقوق الإنسان الجزائرية، تكمن في الوصول إلى قناعات مشتركة سواء في المجتمع الجزائري أو في باقي المجتمعات العربية، بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام الذي بات يفرض نفسه، منذ اعتماد أول قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2007، ويقضي بتعليق عقوبة الإعدام وجعل منها استثناء يطبق فقط كجزاء لأشد الجرائم خطورة. يتضح من كلامك ومن خلال المداخلات التي استمعنا إليها في جلسة الافتتاح، أن الجميع هنا يؤيد "إلغاء الإعدام"، أين هو الرأي الآخر؟ عن سؤالكم هذا أقول بأمانة، الجواب ليس ب"نعم" أو "لا" هذا سؤال تدخل فيه الاعتبارات القانونية، فالقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان لا يلغي بالمطلق "القصاص" بعقوبة الإعدام، وهنالك حتى في النصوص الدولية ما يسمى ب"التقاطعات"، وهنالك من زاوية قانونية بحتة أيضا ما يعرف ب "التعرضات" فالحق في الحياة مكفول للضحية التي قتلت ظلما واضطهادا وتعسفا من قاتل، كما هو أيضا مكفول للشخص الذي قتل، فأيهما يجب أن نحفظ هل حقوق الضحية أم حقوق المجرم، فهذا موضوع وسؤال كبير، ولذلك الموضوع يظل بحاجة إلى نقاش عميق، فالقانون الدولي برمته لا يلغي القصاص بعقوبة "الإعدام" وإنما هناك اجتهاد لأجل أن لا تكون هذه العقوبة تعسفية وبشكل مناف لحقوق الإنسان، وعلى رأسها "الحق في الحياة". تناقشون اليوم مسألة حسم فيها الدين الإسلامي، وتتعلق بمبدأ "القصاص"، لماذا غاب إذا الفقهاء ورجال الدين عن هذا الملتقى؟ أنا لأول مرة أشارك في ندوة كهذه، ولكن من الأسماء ومن الكلمات الافتتاحية وجدت أن هناك نظرة موضوعية وعميقة تأخذ بكل المعطيات والاتجاهات المحيطة بالقضية، سواء مع أو ضد، والجزائر معروفة بحرصها على تهيئة الظروف من أجل نقاش أعمق وأوسع، ونتمنى أن تخرج الندوة بتوصيات الجزائر في صالح مجتمعاتنا وأوطاننا العربية، وفي خدمة المجتمع الإنساني والإنسان بشكل عام. وحقيقة لم أجد فقهاء ورجال دين وعلماء في الشريعة حاضرون في هذا الملتقى، وكنت أتمنى أن يكونوا موجودين، حتى يكون النقاش أعمق وأوسع، لأنه من المهم جدا مشاركة كل الأطراف، ولا أعرف لماذا غاب الفقهاء عن هذا اللقاء، ولذلك أمل أن تعرف اللقاءات المستقبلية مشاركة رجال الدين حتى يكن النقاش أعمق. هناك كثير من المهتمين يرون بأن "إلغاء عقوبة الإعدام" قد يزيد من انتشار الجريمة، وخاصة جريمة القتل، ما رأيكم؟ أحيانا القضاء لا يستطيع أن يصل إلى المجرم وإلى القاتل الحقيقي، وقد يُقتل أبرياء باسم القانون والعدالة، والواقع لا توجد إحصائية أو دراسة علمية دقيقة تثبت أن هنالك علاقة سببية إيجابية بين فرض عقوبة الإعدام وتناقص الجرائم الكبرى في المجتمع، لكن الحاصل في المجتمعات العربية هو أن الجريمة ترتفع كلما زادت مظاهر الفقر والبطالة ومختلف الاضطرابات، وقد يكون عدم تطبيق الإعدام سبب في جرائم أخرى، لكن العالم يتوجه إلى التخلص من هذه العقوبة، من منطلق أن البشرية تعبر عن رغبتها الجماعية في الحق في الحياة. وفي ديننا الحنيف نحن المسلمين من الآيات العديدة في القرآن الكريم التي تحث على "العفو" فنحن أمام قضية ليس فيها جواب "أبيض" أو "أسود"، جواب "نعم" أو "لا"، وهي قضية تدخل فيها عدة ظروف واعتبارات أخلاقية، بالإضافة إلى العوامل الثقافية والحضارية للمجتمعات، وأنا كناشط في حقل حقوق الإنسان أقول "أؤيد تقلص هذه العقوبة إلى الحد الأدنى، الأدنى الممكن، ولكن يجب أن يكون قرار الإلغاء من عدمه، بعد حوار وطني واسع وبقرار من المجتمع، والقرار الدقيق يعتمد على الأسس الديمقراطية الفعلية في المجتمع". ماذا تتوقعونه من توصيات لهذا الملتقى؟
توقعاتي أن يكون النقاش موضوعي وجيد، وأنا وعدد من الزملاء مصرون على أن يكون النقاش موضوعي، وعميق يخدم الفكرة الأساسية، وهي أن لا تطبق عقوبة الإعدام، إلا في الحد الأدنى، وان تكون هناك أدوات قانونية تساعد المجتمع على الرقي والتقدم.