اعتبر الخبير الدولي في التصوف والناطق الرسمي المكلف بالعلاقات الخارجية للطريقة القادرية للجزائر وعموم إفريقيا، الدكتور محمد بن بريكة، أن التنصير الذي يهدد وحدة الجزائر هو الذي ينشط على ثلاتة محاور هي خط تمنراست- تيميمون ثم خط المنيعة- ورقلة ثم خط بجاية- تيزي وزو. وحسبه، فإن هذا الخط هو أضعف الخطوط الثلاثة، كما كشف بن بريكة في حوار ل "الشروق اليومي" أن المدينة التيجانية بإمكانها أن تجلب للجزائر ثلاثمائة وخمسين مليون سائح. وانتقد بن بريكة بشدة ما سماهم بالدخلاء الذين سيطروا على تنظيمات الزوايا، ونشروا الغسيل الوسخ على صفحات الجرائد والزوايا منه براء. محمد بن بريكة، مؤلف أول موسوعة للطرق الصوفية في العالم، والمعجم الصوفي وموسوعة الحبيب للدراسات الصوفية، يستعد هذه الأيام لإصدار الكتاب الكبير في الثناء على النبي البشير صلى الله عليه وسلم، تحدث عن عدة قضايا في هذا اللقاء. الشروق اليومي: لماذا تخلفت الزوايا عن المساهمة في مواجهة التطرف فكرا وسلوكا؟ - إن عدم تورط أي منتسب إلى الزوايا والطرق الصوفية في موجة العنف التي يعرفها الجميع، هو في حد ذاته لون من ألوان المساهمة في ترسيخ سلوك السلم ونشره بين الناس، وقد كان لبعض التنظيمات التي تزعم الحديث باسم الزوايا أسوأ الأثر في كبت صوتها خلال العشرية التسعينية. الشروق اليومي: لماذا لم تفكر الزوايا في السياحة الدينية؟ - هذا التفكير قائم منذ مدة طويلة وقد كتبت شخصيا وحاضرت حول تأسيس المدينة التيجانية بعين ماضي، العاصمة العالمية لثلاثمائة وخمسين مليون تجاني، وعلى القائمين على تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة الإسلامية 2009 " أن يقوموا بإحصاء المزارات والزوايا والاعتناء الخاص بها لتثبيت هذا اللون من السياحة بما يخدم الجزائر روحيا وماديا، ولا يرقى إلى منافسة الجزائر في جانب الثراء الروحي إلا دولتا العراق ومصر الشقيقتان. الشروق اليومي: أين دور الزوايا والطرق الصوفية في أفريقيا وأوروبا وشمال أمريكا؟ - هذا الدور رائد ولكنه غير مغطى من الناحيتين الإعلامية والثقافية، وقد بدأ يتضاعف منذ أوساط التسعينيات، ردا على مظاهر العنف التي لا صلة لها بالسلوك الديني، فبالإضافة إلى التيجانية والقادرية، هناك مد معتبر للعلاوية والرحمانية والهبرية البلقايدية. الشروق اليومي: لماذا بقي دور الزوايا محصورا في بيانات المساندة واجتنبت الخوض في مشاكل الشباب والأوقاف؟ - إن كنت تقصد مساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فهذا من باب رد الجميل، إذ يعرف الخاص والعام نسبته الصوفية، وفتحه أبواب العمل البنّاء للزوايا والطرق، ولكن الدخلاء سيطروا على تنظيمات الزوايا ونشر الغسيل الوسخ على صفحات الجرائد، والزوايا منه براء. أما العناية بمشاكل الشباب، فهي تقوم بها على قدر الوسائل المتاحة، بدليل أن الشريحة الأكثر ارتيادا للزوايا والدراسة بها هي هذه الفئة، وأصارحك أن ملف الأوقاف ثقيل جدا، ويحتاج إلى عمل دولة لا إلى جهد فرد. الشروق اليومي: لماذا أهملت الزوايا دور المشيختين القادرية والتيجانية؟ - هذا ليس صحيحا على الإطلاق، فالمشيخة القادرية والتيجانية في الجزائر تحوز النيابة على عموم إفريقيا، وقد أثر الوضع الصحي لشيخها العام بورقلة على كثير من نشاطاتها، أما التيجانية فلها ثقل دولي كبير بالإضافة إلى حجمها الوطني، وهي تسعى جاهدة إلى القيام بالدور الثقيل المنوط بها داخليا وخارجيا، من النواحي الروحية والاستراتيجية والدبلوماسية. الشروق اليومي: لماذا ظلت علاقة الزوايا بالإعلام باهتة؟ - لم يقصّر الإعلام الجزائري في مرحلة التعددية في الاعتناء بالحديث الصوفي والتعريف بالزوايا والطرق، وبفضل هذا الإعلام، ومن بينه جريدة "الشروق"، تعرّف الناس على جيل جديد من الباحثين في التصوف، مثل عبد المنعم القاسمي الحسني وسعيد جاب الخير، وتبينت للناس الأكاذيب والأباطيل التي روّج لها أعداؤه، ومع ذلك فإن العلاقة بين الإعلام والزاوية بحاجة إلى آليات أخرى للتعارف والتفاعل. الشروق اليومي: لماذا لم تتحرك الزوايا لمواجهة حملات التنصير؟ - لقد هدد الأسقف هنري تيسيي على صفحات "الشروق" منذ يومين فقط باستعادة الكنائس التي حولت إلى مساجد، وهذا كلام غريب جدا من رجل يوصف بالاعتدال، فكيف بسلوك الإنجيليين الذين وجدوا في الظروف التي يعرفها العالم، في ضوء الأحادية، فضاء لتكثيف نشاطاتهم؟ إن التنصير ينشط على ثلاثة محاور هي خط تمنراست- تيميمون ثم خط المنيعة- ورقلة ثم خط بجاية- تيزي وزو، وهو أضعف الخطوط الثلاثة في تقديري والمراهنة عليه خاسرة لأنه يقع في منطقة بها أكبر عدد من الزوايا والمساجد على المستوى الوطني، ولها تاريخ عريق في نشر الإسلام والدفاع عنه، وتلعب الزوايا في أقصى الجنوب، وفي أوسطه دورا رائدا في بث الوعي بين الناس، بل صارت هي الدرع الواقي من هذه الآفة، ومما يؤسف له أنني لما تنبّهت إلى هذا الخطر في وقت سابق، ذكر وزير الشؤون الدينية الحالي نقيض ذلك، وقد تبين اليوم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. الشروق اليومي: ما موقف الزوايا من الخلافات من بين المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف؟ - أرجو أن تعفيني من هذا السؤال، ولكن أقول لك رأيي الشخصي، وهو أنه حين يدب الخلاف في المؤسسات الدينية الرسمية للدولة، فإن المستفيد هو المشكك في تدين الدولة، والناس جميعا يعرفون كل موسم حقيقة أوضاع الحجاج الجزائريين، وتنامي وجود الغلاة اللامذهبيين في المساجد وعلى المنابر، والسلبيات الكثيرة للصندوق الذي سمي صندوق الزكاة، والزحف الهادئ والخطير لتيارات تهدد في الصميم المرجعية الدينية، وهي مرجعية ممثلة في العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف الإحساني التزكوي. الشروق اليومي: لماذا تغيب الزوايا عن الساحة الثقافية؟ - لوحظ هذا الغياب في فعاليات "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، وسببه تقصير التنظيمات لا الوزارة، بدليل أن أضخم عمل مطبوع خلال التظاهرة هو"موسوعة الطرق الصوفية"، الذي تفضلتم بالكتابة عنه، وإن خُلق الإنصاف يدعونا إلى مراجعة النفس قبل محاسبة الغير. الشروق اليومي: تغيب أدبيات التصوف عن الجامعة الجزائرية، لماذا؟ - يجب إحياء اللجنة الوطنية لمراجعة برامج التعليم العالي التي وُئدت سنة 1996 بعد سنة واحدة من تشكيلها، وعندئذ يأخذ التصوف مكانه كمادة علمية في أكثر التخصصات اتصالا به. الشروق اليومي: ستكون الجزائر سنة 2009 عاصمة للثقافة الإسلامية، كيف تتصورونها؟ - الجزائر الحبيبة هي عروس البلدان، وستستفيد من تجربة السنة الماضية وتجربة السنة الثقافية بفرنسا، لتجمع الكفاءات وأرباب النوايا الصادقة من أجل نجاح الفرصة المستقبلة في حاضرة العلم والذوق تلمسان. الشروق اليومي: كلمة أخيرة؟ - أسأل الله أن يجمع الجزائريين على الحب والإخاء، فليس بعد المحن إلا المنح كما تقول الحكمة الصوفية. التقاه: محمد بغداد