يتحدث الخبير الدولي في التصوف الدكتور محمد بن بريكة عن واقع الزوايا والطرق الصوفية في الجزائر، ويسلط الضوء على الكثير من المغالطات التي تلحق ظلما بهذه المؤسسة الروحية، وعن كل ما يقال حول حقيقة علاقتها بالسلطة السياسية، كما يكشف الكثير من الحقائق المثيرة والمؤلمة عن حقيقة تنظيمات الزوايا وبعض شيوخها الذين حولوها إلى معبر لقضاء المآرب وتحقيق المصالح الخاصة.. بن بريكة، المعروف ببعض مواقفه الحادة والمتصلبة يفتح النار على وزارة الشؤون الدينية ويعتبرها بعيدة عن رغبة الرئيس الرامية لجعل الجزائر عاصمة للحياة الروحية والصوفية في العالم .. عن هذه القضايا وأخرى يتحدث صاحب موسوعة الطرق الصوفية في هذا الحوار الشامل الذي خصنا به. الحوار: الخبير الدولي في التصوف: محمد بن بريكة ماذا يعني التصوف في جزائر القرن 21؟ بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله تسألني عن علم شريف، والمرتبة القصوى من الدين، فالدين كما هو معلوم إسلام، فإيمان فإحسان، والإحسان هو التصوف لأنه علم المراقبة وعلم خشية الله عز وجل. في هذا المقام الإنسان مجرد من جوارحه وينطلق إلى وجود من نوع آخر، هو الوجود الروحاني الذي هو نوع من الاستقامة على طريق الله عز وجل، ولذلك فإن أعظم كرامة عند الصوفية هي الاستقامة. التصوف باق إلى قيام الساعة، لأنه سلام الذين ومنارته، ويمكن الإجابة هنا عبر ثلاثة محاور: الطرق الصوفية الموجودة في الجزائر، آثار التصوف في الحياة اليومية للناس، وثالثا وجود التصوف كعلم شرعي حادث في الملة، مدون في المخطوطات والكتب. في المقام الأول تعلمون أن الجزائر تتوفر على أمهات الطرق الصوفية، فالطريقة التيجانية كأكبر طريقة من حيث عدد الأتباع الذين يصل عددهم حاليا إلى 350 مليون، موزعين عبر القارات الخمس، ومن المفارقات أن الزاوية التيجانية في واشنطن هي إحدى أنشط الزوايا في العالم، ضف إلى ذلك أن الحزام الذي يحيط بنا رؤساؤه كلهم من التيجانية، رئيس موريتانيا تيجاني، والتشادي تيجاني، وكذلك المالي، النيجري والسنيغالي، والرئيس الجديد لنيجيريا تيجاني. وإذ أضفنا إلى الكم الهائل من الأتباع .. ميراثها التاريخي منذ وفاة مؤسسها سيدي أحمد التيجاني في ,1815 فالجزائر تستحوذ على مركز الخلافة العالمية التيجانية في عين ماضي. تم تأتي ثلاثة مراكز أخرى فاس، تماسين بورقلة، ثم قمار بالوادي التي يوجد بها أول زاوية خطط لها سيدي أحمد التيجاني ونفذها سيدي محمود التونسي، ثم تأتي الطريقة الشاذلية نسبة إلى سيدي أبي الحسن الشاذلي هي الطريقة الثانية، وعاصمتها الأزهر الشريف، والذين تداولوا على رئاسة الأزهر الشريف كلهم من الشاذلية، ومفتي الجمهورية المصري شاذلي نقشبندي، وأكثر فروع هذه الطريقة في شمال إفريقيا وفي الجزائر تحديدا، وأكبر فروعها وأنشط فروعها هو الفرع الهبري البلقايدي وشيخه سيدي محمد بلقايد الحسني مؤسس الدروس المحمدية في الجزائر التي تقام كل رمضان بإشراف رئيس الجمهورية، ثم تأتي الطريقة الخلوتية وأشهر فروعها الرحمانية والموجود مقرها بزاوية الهامل وبلاد القبائل وضواحي الجلفة، ثم تأتي الطريقة القادرية التي يتركز نشاطها في أقصى الجنوب، وكنت مستشارا لهذه الطريقة في الجزائر ومالي والنيجر بين 2003 و,2005 القوتيون في أقصى الجنوب الجزائري هم ذرية سيدنا عقبة بن نافع، وقد انتشروا في النيجر ومالي وحدود بوركينافاسوا، وسموا بالطريقة القوتية لأنهم صدّروها للبلدان الإفريقية من خلال المعاملات التجارية، ومؤسسها سيدي المختار القوتي صاحب زوال الإلباس، والكثير يجهل أن لهذه الطريقة أثر كبير في الاستقرار الذي نعيشه اليوم والثبات الكبير لجنوبنا الكبير على وطنيته وعلى إسلامه. كيف ذلك؟ البعض يؤولها بتأويلات مختلفة لكن عند التحقيق نجد أنها لمت شمل الإخوان القوتيين بأقصى الجنوب الجزائري، وجعلت منه درعا واقيا لحدودنا الجنوبية، إضافة إلى أن هذه الطريقة جمعت لنا الميراث العلمي للقادريين باعتبارها فرعا عن الطريقة القادرية الأم. الطريقة الثانية التي توفي شيخها للأسف، هي الطريقة القادرية البودشيشية وتتقاسمها مدينة تلمسان ومدينة وجدة المغربية، بعد ذلك تأتي الفروع الأخرى للطريقة القادرية كالعمرواية بالجلفة، والهاشمية بوادي سوف، هنا إضافة أننا إذا نظرنا في قلب الطرق الأخرى كالطريقة الطيبية أو الطريقة الرفاعية القادمة من العراق والكويت، أو كالطريقة النقشبندية التي يتبعها أغلب سكان الشام، نجد أن الانفتاح الحاصل سيفسح المجال أمامنا واسعا على أساس أن هناك نوعا من التلاقح بين الشعوب، هذا من حيث الانتشار الطرقي من حيث الواقع، وهو الوجه الثاني للحياة الصوفية، إذ لا تكاد تجد عالما أو سياسيا إلا وله اهتمام بطريقة من الطرق، وهذا أمر لم يكن في السابق بهذا الحجم . لماذا برأيكم هذا التطور؟ لأن ظاهرة العنف في العالم الإسلامي أفرزت رغبة في العودة إلى صورة الإسلام المتسامح ووحدة هذه الصورة في التصوف الإسلامي، وعند مشايخ الطرق. ثانيا الدول الكبرى والدول المتسلطة على العالم بحثت عن صورة مغايرة عن الصورة التي رسمها بعض الغلاة عن الإسلام، فوجدت أن البديل هو الإسلام الصوفي، ضف إلى ذلك لا يكاد يخلو بيت من البيوت أو مكتبة من المكتبات من مخطوط أو كتاب في التصوف. مسألة أخرى مهمة هي عودة اهتمام بعض الباحثين في السنوات الأخيرة به نظرا لاكتشاف العرب والمسلمين في الضفة الأخرى ميشال شوسفيفكس مثلا أو التيارات الروحانية الأمريكية التي أصبحت تشتغل على التصوف الإسلامي. على ذكرك اهتمام الغرب بالتصوف الإسلامي ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الأخير في إحداث التقارب بين الشرق والغرب؟ في الحقيقة أن الغرب له من الذكاء ما يكفي لمعرفة التصوف والزوايا ومشايخ الزوايا على حقيقتهم، فأنت تعلم أن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر كان صوفيا، عبد الكريم الخطابي الثائر في المغرب كان صوفيا، عمر المختار السنوسي في ليبيا كان صوفيا، المهدي السوداني كان صوفيا كذلك، فكل هؤلاء الذين قادوا الجهاد كانوا صوفيين، حتى أن دولة الشيشان هي دولة صوفية أسسها نضال حاجي القادري الكونتي. فتاريخ الجهاد في كل بلاد المسلمين هو تاريخ صوفي ولا أحد يستطيع إنكار هذا، فالغرب عندما يدرس هذا التاريخ يخشى هذه الوطنية والشهامة الموجودة عند الصوفية، لكنه يجد بالمقابل لونا من المسالمة والوسطية، فبعد 11 سبتمبر هناك بحث معمق لدى العالم الغربي حول التصوف، وقد أثبتت اللقاءات الكثيرة التي حضرتها أن الحوار يجب أن يكون بين الحضارات، والذي بدوره له لون آخر هو حوار الأديان، والإسلام لم يمنع يوما الحوار لا مع المتدين ولا مع الملحد بشرط الحجة والبيان. وآخر ما حضرت من هذه اللقاءات هو منتدى الدوحة لحوار الأديان منذ أكثر من أسبوعين، والحقيقة أنني أجد في كل مرة بعض العقلاء في الضفة الأخرى يعطون صورة مشتركة عن حضارتهم في مواجهة الأصولية اليهودية والنصرانية، غير أن السياسة البوشية في الولاياتالمتحدةالأمريكية أعطت صورة مغايرة، يعارضها أغلب الأمريكيين بشدة. أما الحكام فقد اتجه أغلبهم إلى الطرق الصوفية لأن الإدارة الأمريكية أفرزت واقعا سياسيا معينا، وهناك بعض الحكام العرب وهم قلة نشأوا في فضاءات صوفية ووجدوا الفرصة مواتية للعودة هذا الفضاء الرحب. لو تتكلم عن علاقة التصوف بالسياسة كيف تراها، وهل هي بالضرورة علاقة تضاد في كل الحالات؟ أولا : الصوفي هو من لبس الصوف على الصفا، وأطعم إطعام الجفا وترك الدنيا خلف القفا وسلك سبيل المصطفى، وانطلاقا من هذا التعريف للمتصوف نجد أنه رجل صافي السريرة نقي المظهر والمخبر يعيش لربه في كل حين، أما إذا نظرنا إلى عالم السياسة وجدناه عالما مليئا بالمناوات والألاعيب والأكاذيب، ومحاولة الجمع بينهما هو محاولة الجمع بين المقدس وغير المقدس، بين حقل الصفاء وحقل الدهاء بين حقل الحياة الصوفية الطاهرة وبين حقل الحياة المادية المتشبعة، وباختصار فإننا أن نجمع بين الماء والنار ولكن يمكن للصوفي أن يكون عنصر خير في عالم السياسة، ويمكن للمتصوف أن يكون نموذجا للحياة السياسية المستقيمة، ولكن هذا الأمر مستعبد وما نجده الآن من ولاء من طرف الزوايا في العالم الإسلامي لبعض الأنظمة السياسية إنما هو إفراز أملته بعض الظروف والأحداث، وغالبا نجد التأييد والولاء الذي يعطيه هؤلاء أملته ضرورة أو مصلحة وطنية عليا، وقد تطور الأمر في بعض الحالات إلى أن أصبح نوعا من أنواع الترف السياسي إلى درجة أن كل المترشحين في المحليات والتشريعيات يستغلون هذه الطريق لكسب أصوات المؤيدين والأتباع. هل هذا يعني أنه على رجال الزوايا الابتعاد كليا عن السياسة؟ جل رجال الزوايا يجب عليهم الابتعاد عن السياسة، ولكن البعض القليل يحب أن لا يبتعدوا كليا لأن المصلحة الوطنية قد تقتضي حضورهم كما تحدثنا عن الطريقة الكونتية في الجنوب، أو في محاربة بعض الظواهر التي تهدد مصلحة الوطن كالتنصير مثلا، أو في الاستحقاقات الكبرى كالرئاسيات والأصل أن يمارس الصوفي السياسية استثناء. اتهمت في تصريحات لك دوائر قلت بأنها على صلة بملف التنصير بالعمل على زعزعة استقرار الزوايا واختلاق الأزمات على غرار أزمة الطريقة القادرية مؤخرا كيف ذلك؟ صحيح ذلك، للأمانة وإن كنت لا أريد العودة إلى موضوع الطريقة القادرية لأنه زوبعة مفتعلة، لأنني ما كنت أتصور أن أترك التعليم العالي والجامعة والعلم الأكاديمي لأجلس في زاوية في أقصى الصحراء، عندي معلومات مضبوطة بخصوص ضلوع جهات تنصيرية في هذا الموضوع، أنت لو فكرت في من سيقف في وجه التنصير سواء في بلاد القبائل أو في محور تميمون أدرار لوجدت أن الزوايا هي التي ستقف حصنا منيعا، لأنه لا وجود لكيان سياسي أو بشري أو حتى المجتمع المدني المنقسم على نفسه يمكنه الوقوف في وجهه هذه الحملات، ولذلك فإن هذه الدوائر لما دخلت الصحراء بدأت تتغلغل في الأوساط الصوفية من أجل زعزعتها وتحييدها، فأنت عندما تتحدث عن ورقلة فإنك تتحدث عن عاصمة النفط، وعندما تتحدث عن تمنراست فإنك تتحدث عن بوابة إفريقيا التي تأتينا منها 36 جنسية إفريقية، وعندما تتحدث أيضا عن بلاد القبائل فإنك تتحدث عن منطقة تتربع على أكبر عدد من الزوايا والمساجد تاريخيا. ألا ترى أن ربط كل الشقاقات الموجودة في بعض الزوايا بنظرية المؤامرة فيه نوع من المبالغة؟ بلغني الليلة الماضية فقط (الحوار أجري قبل أسبوعين) أن بعض الطرق الصوفية حصلت فيها بعض الشقاقات الخطيرة التي كنت أعلم ببعض تفاصيلها، ولكنها بلغت مستويات جد خطيرة، وهو شيء يؤسف له، فوجود هذه الكيانات، زيادة على دخول بعض رؤساء التنظيمات الصوفية من الاتحاد والجمعية والمرصد وما إليها مع تسلل بعض الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالتصوف أفرز نوعا من الخطاب الذي فتح الباب واسعا أمام هذه الجماعات من أجل تحقيق مخططاتها الشيطانية الرامية لضرب الوحدة الوطنية عن طريق خلق أقلية دينية. أما عن الإحصائيات فهناك تضخيم مقصود من هذه الجهات بالقول إن هناك 50 ألف مسيحي بروسيناتي، في حين أن عددهم لا يتجاوز 10 آلاف شخص مع بعض المتعاطفين الذين يفعلون ذلك بسبب التأشيرة وبعض المزايا المادية، لكن هذا لا يعفينا من أخذ الأمر بجدية، لأن المناخ الحالي مع الظروف الاجتماعية والفشل السياسي في تحقيق الرغبات الواسعة للجماهير قد يخدم هذه الجماعات بطريقة مباشرة. لو نتكلم عن ظاهرة العنف والتطرف والغلو التي أخذت أبعادا جد خطيرة في الآونة الأخيرة في أوساط الشباب تحديدا، ما هو تشريحكم للظاهرة وكيف يمكن للزاوية والمتصوف أن يلعبا دورهما في نشر ثقافة الوسطية والتسامح؟ أعتقد أن هذه الموجة لم تكن لتكون لولا أن أرضية معينة سمحت بظهورها، هناك فجوة كبيرة بين خطاب الرئيس واهتماماته وبين أداء الفريق الحكومي، فالرئيس صراحة بقامته السياسية الكبيرة يعمل مع فريق حكومي لا قامة له، الأكثر منهم يتكلم ويحوم حول شعارات جوفاء. وأصبحت الجزائر تتحدث عن أسعار الشعير والبطاطا فهذه الإخفاقات للجهاز التنفيذي والولاة تحتم برأيي اللجوء إلى حكومة تكنوقراط هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنا من الذين يتكلمون عن المؤامرة الخارجية التي ضربت كل الدول التي كانت سائرة في طريق النمو والجزائر كانت دوما مستهدفة من قوى معروفة زيادة على اليد الخارجية. هناك أحزاب للأسف تتكلم وفق أطروحات خارجية، حتى أن الأرضية المتعفنة بالأيادي الخارجية وغياب التكفل بانشغالات المواطن اليومية من بعض المسؤولين أفرز هذا العنف الذي أدمى قلوبنا ونتمنى أن لا يتكرر مرة أخرى. كيف تفسر عودة بعض الجهات إلى اللعب على وتر الطائفية على غرار ما حدث في بريان بغرداية؟ والله للأمانة كنا بصدد تحضير رفقة بعض الزملاء الملتقى بغرداية بعنوان '' التصوف كوعاء للتقارب المذهبي '' لكننا اضطررنا لتأجيله بسبب اندلاع أحداث بريان المؤلمة، وأعتقد أن ماحدث في بريان حدث في الشلف وفي مناطق أخرى. المهم أن هناك عنفا مارسته أطراف على أطراف آمنة ومسالمة. أما من جهة الطائفية أنا لا أصدق ولا أحبذ هذا الطرح، فالقوم تعايشوا لقرون فما معنى أن نأتي في هذه الأيام لنتحدث عن هذا العنف وبهذا الطرح، مع أن هذا القول لا يعفينا من ضرورة التكفل بانشغالات الجماهير ومعالجة الأمور بعمق وبجد حتى لا تتكرر هذه الأمور البعيدة عن ثقافتنا وقيمنا. وضعية الزوايا حاليا تطرح أكثر من سؤال، التنظيمات التي تمثل هذه المؤسسة بقداستها تسيء كثيرا إليها، كيف يرى بن بريكة عملية تطهير الوسط الصوفي من هؤلاء الدخلاء؟ ؟هناك حل لا أرى له بديلا، هو اجتماع مشايخ الطرق الكبرى في جلسات وطنية خاصة من أجل تشكيل مجلس أعلى للطرق الصوفية على أن يكون للانخراط فيه شرطان إما أن المنخرط فيه شيخ طريقة أو منتسب مزكى من شيخ طريقة وإلا فتحنا الباب أمام الكثير من الناس كما هو حاصل اليوم، هذا مقاول وهذا راغب في منصب وهناك حتى من هو تارك صلاة يترأس تنظيما ويتحدث باسم الزوايا والطرق الصوفية وهذه من الإساءات التي نقدمها بالمجان. وقد حضرت مبادرة في هذا الإطار لنقل التجربة المصرية التي اعتبرها رائدة في هذا المجال، حضر فيها أكثر من 30 حركة إسلامية، بالإضافة إلى الإخوان والطرق الصوفية، ورغم ذلك حافظت على توازنها واستقرارها، وكل ذلك يعود إلى إسهامات المجلس الأعلى للطرق الصوفية النابع من الزوايا والطرق الصوفية وتخاطب بمرونة كبيرة مع الأقباط على مر الحقب التاريخية. وفي الجزائر يجب أن يؤسس مثل هذا المجلس وسيعود المئات من الدخلاء إلى بيوتهم لأنهم لا علاقة لهم بالحقل الصوفي. كم طريقة صوفية في الجزائر؟ عالميا هناك 6 طرق كبرى، هي التيجانية والقادرية والنقشبندية، والخلوتية والرفاعية والشاذلية، القادرية لوحدها لها 47 فرعا، المجموع هو 320 طريقة في سنة 2008 وهي فروع للطرق الست الكبرى، الجزائر تتربع على أكثر من 70 طريقة من فروع القادرية والشاذلية والعيساوية، هذا إضافة إلى بعض الطرق الموجودة في المغرب والجزائر وتونس لأن هناك تلاقح بين هذه الفروع. هل هذا الثراء الصوفي الكبير مستغل بشكل جيد؟ والله هذا السؤال يوجه لوزارة الشؤون الدينية، فهي مازالت بعيدة عن الزوايا ولا وجود لمديرية على مستوى الوزارة مخصصة للعلاقة مع الزوايا والطرق الصوفية، فهي كمؤسسة رسمية تشرف على دور العبادة وهي المساجد 16000 مسجد، وكذلك على الزوايا كدور عبادة حرة، فالتعاون بين المؤسستين سيؤدي إلى كثير من الانسجام، لكن للأسف الشديد الوزارة مازالت بعيدة عن وضع الطرق الصوفية مهما كان نوع الخطاب الذي تحاول أن تروج له في المدة الأخيرة. إذاً أنت تقول بأن الزوايا لا تحظى بالعناية الرسمية؟ لا، بالنسبة للخطاب الرسمي الذي يمثله رئيس الجمهورية فهو جيد ويعد مكسبا على اعتبار أنه يرغب في أن تتحول الجزائر إلى عاصمة للحياة الروحية في العالم بحكم هذا الزخم وهذا الميراث، لكن وزارة الشؤون الدينية في اعتقادي بعيدة جدا عن هذا الخطاب وهذه الرغبة، زيادة على ذلك هناك بعض المستغلين الذين يعملون على استغلال الزوايا في مآرب أخرى، في استحقاقات توزيع الريوع على بعض الزوايا الموالية لهم، وتوظيف بعض تنظيمات الزوايا لصالحهم، كما دعا أحد وزراء الحكومة الحالية من تيبازة يقول '' أدعوا بقية التنظيمات للانضمام إلى الاتحاد الوطني للزوايا '' هذا غير معقول من المفروض أن لا يقال، وليس من حقه كوزير في الحكومة التفوه بمثل هذا الكلام. ماذا عن قضية استرجاع مشيخة بعض الطرق الصوفية التي توجد فروعها بالجزائر؟ أقول: الكثير من المشايخ للأسف الشديد لا علاقة لهم بالمشيخة سوى بالاسم، وهذا من الواقع المؤسف المريد في الجزائر، فهم لا علاقة لهم بأبجديات التصوف ولا التدين ولا تتوفر فيهم مواصفات المشيخة ولا يعرفون حتى سلوك الطريقة نفسها، أما عن استرجاع مشيخة الطرق الكبرى من الخارج هذا أمر من قبيل لا يستقيم الظل والعود أعوج، لا نستطيع الحديث عن هذا الموضوع وحالنا على ماهو عليه، وإن كنت آمل كثيرا في مثل هذه الاستعادة لأنها مفيدة جدا. هل يؤيد بن بريكة توريث المشيخة؟ هذا باب واسع، أنا مع مبدأ التوريث إذا كان الوارث كفؤا، وورثها بالطريقة المتعارف عليها عند الشيوخ الأوائل للطرق الصوفية، أما التوريث لمجرد التوريث فهذا خطأ، وهناك من يرث المشيخة ليس حبا فيها ولكن لأجل الحصول على الريع وتحقيق المصالح الشخصية والكثير من الطرق زالت لأنها لم تسر على النهج الرباني. هل تنكر أن تصدر خطاب الزوايا والطرقية للساحة، هو وليد رغبة سياسة وإرادة السلطة خاصة منذ مجيء الرئيس بوتفليقة؟ ؟حقيقة رئيس الجمهورية يولي أهمية قصوى للزوايا والطرق الصوفية وكان هذا التوجه بدرجة أقل عند الرئيس الشاذلي بن جديد، فالرئيس بوتفليقة فتح الباب على مصراعيه لكن الذين فتح لهم الباب أساءوا استعمال الأمر، وفهموا أن فتح الباب كان للثراء ونيل الريع وحصلت كوارث يندى لها الجبين. ما هو أقرب تيار فكري للصوفية؟ لا وجود لقريب ولا لبعيد، فالمتصوف يشارك مذاهب المسلمين وطوائفهم ما هو محل اتفاق، وكل الفرق والمذاهب ما يجمعها أكثر مما يفرقها ولكن الجهال حين يتحدثون باسم هذه الفرق يأخذون الشاذ ويصورونه على أنه هو الأصل فيلوثون عقول الناس.. والمتصوف محب لكل الناس بل ومحب لكل ذرات هذا الوجود ولا يرى فيه سوى مظهرا من مظاهر الجمال. ماذا عن مشاريعك المستقبلية زيادة على الندوات والملتقيات الدولية؟ لدي 10 مجلدات هي محل تفاوض مع دار الحكمة لنشرها كمجلدات متممة لموسوعة الطرق الصوفية التي نشرت في ثمانية أجزاء ولدي 3 كتب مستقلة، وسأشرع في ترجمة قاموس المصطلحات الصوفية إلى لغتين أجنبيتين. كلمة أخيرة اللهم صلي على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وقوت الأرواح وغذائها وبهجة النفوس وانشراحها وأسس العقول وصلاحها وعلى آله وصحبه أجمعين.. آمين.