".. لا نعرف رئيس الحكومة ولا أعضاءها.. لم ننتخب يوما ولا نؤمن بالأحزاب السياسية.. كلهم كاذبون ويبحثون عن مصالحهم... الناس يكرهوننا وينفرون منا لأننا انتقمنا من أنفسنا واخترنا الإدمان والانحراف.. لا نعتبر أنفسنا من أبناء الجزائر لأنها لم تمنحنا شيئا سوى الفقر والضياع.. لا نريد مالا ولا جاها.. نريد عملا نستر به أنفسنا ونتخلص به من نظرات الناس القاتلة التي تشعرنا بأننا غير مرغوب فيهم.." * *الناس يكرهوننا لأننا انتقمنا من أنفسنا واخترنا الإدمان والانحراف * * هي عبارات خرجت من قلوب شباب اختاروا الإدمان على المخدرات هروبا من آلام الواقع المرّ الذي يكرهون كل ما فيه، فلا السياسة ولا الاقتصاد ولا الثقافة تهمهم لأنهم لم يستفيدوا منها شيئا، فمشاكلهم اليومية التي باتت حبلا يخنقهم لم يجدوا من يفتكها سوى سموم قاتلة تنسيهم بعض الوقت ليستفيقوا بعدها على عالم أسود سرق شبابهم وحولهم لأشباه أشباح لا ترى من أجسامهم إلا هيكلا يتمايل... * فضلنا مشاركتهم إحدى سهراتهم الصيفية على ضفاف شاطئ كيتاني بالعاصمة الذي عادة ما يهربون إليه ويستأنسون بأمواجه الهادئة علّها تشعرهم بالأمان وبعض الطمأنينة التي افتقدوها وسط أهلهم وجيرانهم.. كان كل واحد منهم يملك كمية متواضعة من المخدرات "الزطلة والكاشيات" وفي يد أحدهم قارورة صغيرة من الخمر، الجلوس معهم لم يكن بالأمر السهل فالمدمن يصعب التنبؤ بما سيفعل، لكن إيماننا بأنهم ضحايا واقع صعب وأن الخير لا زال متأصلا في قلوبهم جعلنا وبهدوء مصحوب بحذر شديد نستأذن في الجلوس معهم كاشفين عن هويتنا ومهمتنا التي تهدف إلى إبراز البعد الإنساني لهذه الشريحة وما هي نظرتها وتقييمها لما يدور حولها، بالإضافة إلى الأسباب والدوافع التي جعلتهم يلجؤون لعالم لا ينجو منه إلا القليل، وفضلنا العمل معهم بأسلوب صحفي يستقصي آراءهم بطريقة الحوار والنقاش حول العديد من القضايا الطاغية على الساحة الإعلامية والوطنية بالإضافة إلى البعد الاجتماعي لحياتهم اليومية. * كريم، محمد، حكيم، عمر وحكيم.. شباب من حي شعبي بالعاصمة كلهم في نهاية العشرينات من العمر، جمعتهم البطالة وقساوة الزمان، فخروجهم المبكر من المدرسة جعلهم يحترفون عالم الشارع وما فيه من تقنيات تبدأ بطاولة لبيع التبغ وامتهان تجارة المناسبات على غرار بيع المفرقعات وألعاب العيد، لكن هذا النوع من التجارة يدر بأموال عادة ما لا يطول بقاؤها فمصاريف السهرات والملاعب عادة ما تفرغ الجيوب مما جعلهم يلجؤون للمزج بين السرقة وبيع المخدرات التي تدر أموالا معتبرة ترتفع أحيانا وتنخفض أحايين أخرى حسب كمية الطلب، وجوههم الشاحبة ونظراتهم الميتة تنبئ بجبال من الهموم والمشاكل العالقة في أعماقهم لا ينسيهم فيها إلا سيجارة مخدرات أو كأس خمر أو سهرة مفتوحة على صخور البحر.. * سألناهم عن بعض القضايا السياسية الراهنة على غرار التغيير الحكومي وتعديل الدستور والشكوك التي تحوم حول صحة الرئيس ففوجئنا بإجابات لم تكن منتظرة.. فكريم ومحمد وحكيم يظنون أن بلخادم هو رئيس الحكومة ويجهلون تماما تعيين أويحيى على رأس الجهاز التنفيذي، معللين إجابتهم أنهم لا يتابعون التلفزيون الجزائري ولا يقرؤون الجرائد وأن شؤون الحكومة لا تهمهم فالكل يبحث عن مصالحه الشخصية ولا يخدم إلا حاشيته، فالمسؤولين - حسبهم - لا يتذكرون المواطن البسيط إلا في الانتخابات وبعض المناسبات الوطنية، وفيما يخص تعديل الدستور والعهدة الثالثة قالوا "إننا لم نسمع بهذا الموضوع ولا نعرف ما معنى الدستور وما هي قوانينه". * * يعشقون الجزائر.. يفكرون في الهجرة.. ويطالبون الرئيس بالتدخل * كانت الهجرة السرية من أكثر المواضيع التي كانت تسيطر على حديثهم وهم على شاطئ البحر، معتبرين إياها السبيل الوحيد لحياة أفضل فقد حاولوا في العديد من المرات الهرب غير أنهم لم يفلحوا.. وفي سؤالنا عما إذا كانت الفكرة لا تزال تسيطر على عقولهم أجابوا "نعم.. لكننا لا نريد أن نموت غرقا في البحر ونعود في صناديق من خشب إلى أهلنا، لا نملك شهادات لنعمل في كبريات الشركات لكننا نحلم بمنصب عمل بسيط يسترنا.. كرهنا المخدرات وعالم الانحراف الذي تحول إلى جهنم تحرقنا، أصبحنا نسرق لنشتري سموما تقتلنا.. نحن نعشق الجزائر ونهوى هواءها وترابها ولن نجد بديلا عنها أينما ذهبنا فقد ولدنا وترعرعنا فيها لكننا لم نجد فيها ما يؤمّن لنا حياة كريمة.. كل واحد منا يتمنى أن يملك منزلا ويتزوج وينجب أطفالا ويحس أن أهله يعتزون به لكن هذا الأمر بات لنا من بين الأحلام التي لا مجال حتى للتفكير فيها.. لم نستطع التخلص من المخدرات لأن الفراغ يدفعنا إليها.. حاولنا الحصول على مناصب شغل دائمة لكن سوابقنا العدلية أثّرت على ذلك فبعضنا دخل السجن والآخر تورّط في قضايا سرقة واعتداءات.. والمؤسسات لا تشغل إلا أصحاب الشهادات والسوابق العدلية النظيفة.. نطالب بوتفليقة بإصدار قانون يساعد أصحاب السوابق العدلية في الحصول عمل".