لا تزال قضية القطعة الأرضية التي تمتد على مساحة أكثر من هكتارين بمنطقة جبل حلوف بمدينة ڤالمة، تثير الكثير من الجدل، بعد أن عادت إلى واجهة الأحداث، منذ أن دخلت في محيط الوسط العمراني للمدينة. القطعة التي قام بشرائها أحد المستثمرين الخواص من مديرية أملاك الدولة لولاية ڤالمة سنة 1991 من أجل استغلالها في إنشاء مشروع استثماري يتلاءم وطبيعة المنطقة الجبلية في ذلك الوقت، إلا أن المستثمر "ر. ع"، وبعد 18 سنة كاملة من استفادته من القطعة الأرضية، لم يقم بتجسيد مشروعه ميدانيا وفق الشروط المحددة في عقد البيع الصادر عن مديرية أملاك الدولة بالولاية. وقام بالتّصرف في القطعة الأرضية بالبيع إلى شركاء ومستثمرين آخرين من بينهم قاض بمجلس قضاء عنابة. وقد تمت عملية البيع بموجب عقد محرر لدى أحد الموثقين بمدينة ڤالمة. "الشروق اليومي" حاولت التقرب من كل أطراف النزاع لنقل مواقفهم ومعرفة وضعية هذه القطعة الأرضية ومن خلالها الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن..
المستثمر صاحب القطعة الأرضية: تلقيت الضوء الأخضر من كل الجهات قبل بيع العقار قال المستثمر "ر. ع" ل "الشروق" إنه استفاد من القطعة الأرضية الموجودة بجبل حلوف، سنة 1991 من أجل استغلالها في إنشاء وحدة لنحت الحجارة، وكان ذلك بحسب المستثمر بالعقد الإداري المشهر بالمحافظة العقارية سنة 1992، مضيفا أنه وبعد إتمامه لإجراءات شراء القطعة الأرضية، واجه جملة من العراقيل الميدانية التي حالت دون تنفيذه المشروع المبرمج، خاصة منها موقع القطعة الأرضية الموجودة في منطقة جبلية معزولة، كان يصعب حتى الوصول إليها مطلع التسعينيات بسبب انعدام شبكة الطرقات من جهة وكذا الأوضاع الأمنية التي عاشتها الجزائر في ذلك الوقت، ناهيك عن تكاليف إنجاز المشروع في منطقة غابية تفتقد إلى أبسط الوسائل والمكملات الضرورية التي عجزت السلطات في ذلك الوقت عن توفيرها، خاصة ما يتعلق منها بشبكة الطرقات وتوصيل الماء والكهرباء وغير ذلك من مختلف الضروريات الأخرى لإتمام إنجاز هذا المشروع الذي ظل معطلا على مدار أكثر من 15 سنة كاملة، فضلا عن انهيار أسعار الدينار والارتفاع المكلف للعتاد والتجهيزات التي كان من المقرر اقتناؤها. مضيفا أنه وفي ظل تماطل السلطات المعنية في تهيئة محيط المكان وقتها ليتمكن من إنجاز مشروعه الاستثماري، عجز عن الشروع في الأشغال، شأنه في ذلك شأن كل المستثمرين الذين استفادوا في ذلك الوقت من مشاريع استثمارية في تخصصات أخرى، معترفا في ذات السياق بأنه لم يقم بإنجاز المشروع في آجاله المحددة بالنظر إلى الظروف سالفة الذكر. وقال المستثمر إنه تحصّل على عقد ملكية القطعة الأرضية وبذلك أصبح من حقه التصرف فيها بعد صدور التعليمة الوزارية الصادرة عن وزارة المالية في 15 أوت 2000 تحت رقم 4382 المتعلقة برفع الشرط الفاسخ الذي تضمنه عقد البيع، في إطار المادة 151 من قانون المالية لسنة 1984. وزيادة على ذلك، يضيف المستثمر، أنه وقبل الإعلان عن بيع القطعة الأرضية التي يحوز عقد ملكيتها توجه إلى مختلف الجهات الإدارية المعنية في ذلك الوقت للاستفسار عن الوضعية القانونية للقطعة الأرضية وهل بإمكانه التّصرف فيها بالبيع، وقد تلقى ردا إيجابيا استنادا إلى التعليمة الوزارية رقم 4382. وخلص المستثمر أن عملية البيع التي قام بها إلى ثلاثة شركاء من بينهم قاض بمجلس قضاء عنابة، في إطار قوانين الجمهورية، نافيا أن تكون له نية في التحايل على الدولة أو استنزاف عقاراتها.
مدير أملاك الدولة بولاية ڤالمة: المستثمر خالف القانون ببيعه للقطعة الأرضية والقضية ما زالت مطروحة على العدالة لمعرفة تفاصيل أكثر حول ملف القضية، اتصلنا بمدير أملاك الدولة لولاية ڤالمة، بصفتها الجهة المالكة الأصلية للقطعة الأرضية، لمعرفة رأيه، فذكر السيد بوزاهر عبد الغني، أن المستثمر استفاد في إطار المادة 151 من القانون رقم 84 / 21 المحدد لشروط وكيفيات التنازل عن الأراضي الجرداء، التابعة للدولة من قطعة الأرض بغرض استغلالها في إنشاء وحدة لنحت الحجر والمربعات، بموجب قرار صادر عن والي ولاية ڤالمة في 13 / 11 / 1991 تحت رقم 729 / 91، مضيفا أن هاته الاستفادة تم تكريسها بالعقد الإداري الصادر عن مديرية أملاك الدولة، في 26 أفريل 1992، والمشهر بالمحافظة العقارية في 28 سبتمبر 1992، وهو عقد مبني على شرط فاسخ حسبه يتمثل في التنفيذ المطابق لبرنامج الاستثمار المعتمد في المدة الممنوحة، واللازمة لإنجاز المشروع الاستثماري، ولا يتم رفع الشرط الفاسخ يضيف مدير أملاك الدولة إلا بتقديم المستثمر المشتري لشهادة المطابقة للمشروع وهو ما لم يقم المستثمر بمراعاته، بعد إقدامه على بيع القطعة الأرضية للشركاء الثلاثة، بموجب العقد المحرر بمكتب أحد الموثقين بمدينة ڤالمة في 11 ماي 2009 وهو العقد المشهر بالمحافظة العقارية بتاريخ 17 نوفمبر 2009. مؤكدا في ذات السياق، أن التصرف بالبيع الذي قام به المستثمر أمام الموثق غير قانوني ولا يمكن لمصالح مديرية أملاك الدولة العلم به أو الاطلاع عليه كونه تم بين محرر العقد "الموثق" والمحافظة العقارية، والتي كان من المفروض حسيب مدير أملاك الدولة بالولاية أن تعترض على عملية البيع وترفض إشهار العقد لعدم رفع الشرط الفاسخ من طرف المستثمر. وأكد مدير املاك الدولة بالولاية أن مصالحه وفور علمها بعملية البيع مطلع سنة 2012 أي بعد حوالي 20 سنة كاملة، من تحرير عقد البيع لفائدة المستثمر سارعت بتاريخ 26 فيفري 2012 إلى رفع دعوى قضائية ضده مع إدخال المشترين الثلاثة والذين يوجد من بينهم القاضي في الخصام، بغرض استرجاع القطعة الأرضية. وهي الشكوى التي فصلت فيها المحكمة الإدارية بڤالمة بحكم صادر في 29 جانفي 2013 يقضي بفسخ العقد المحرر من طرف مديرية أملاك الدولة في 26 أفريل 1992، وهو الحكم الذي تم استئنافه من طرف (المشتري رباشي عزيز)، أمام مجلس الدولة الذي أصدر بتاريخ 27 نوفمبر 2014 قرارا نهائيا تحوز الشروق اليومي على نسخة منه، يقضي بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء من جديد برفض الدعوى لعدم التأسيس، إلا أن ذلك لم يمنع مديرية أملاك الدولة من تجديد مسعاها لاسترجاع القطعة الأرضية وإيداع شكوى أخرى بنفس الوقائع في الخامس من شهر جانفي 2015 لدى المحكمة الإدارية بڤالمة، ضد المستثمر والمشترين من أجل إلغاء العقد التوثيقي المبرم بينهم في 11 ماي 2009 وهي القضية التي ما زالت محل نظر في انتظار الفصل فيها من طرف المحكمة الإدارية بمحكمة ڤالمة.
محامي الشركاء ل "الشروق": الملف كله مجرد زوبعة في فنجان الطرف الثالث في المعادلة، وهم الشركاء الثلاثة، الذين يوجد من بينهم قاض بالمجلس القضائي بعنابة، الذي يمنعه منصبه الحساس وواجب التحفظ من الإدلاء بأي تصريح إلى الصحافة، قبل أن يتراجع أمام إصرارنا لمعرفة كل الحقيقة ومعها موقفه من الاتهامات الموجهة إليه في هذا الملف، الذي تم تداوله على أكثر من صعيد، فأوكل المهمة إلى محامي الدفاع عنه وعن شريكيه في القطعة الأرضية، الأستاذ المحامي نواري نبيل، الذي استهل تصريحه بأن موكليه، ومن بينهم القاضي، اشتروا القطعة الأرضية التي كانت في الأساس ملكا لأحد الخواص بطريقة قانونية ولا تشوبها أي شبهة في الإجراءات، مضيفا أن المستثمر الذي باعهم القطعة الأرضية يملك عقدا بالبيع لصالحه من طرف مديرية أملاك الدولة للقطعة الأرضية، التي تحصل عليها طبقا للمادة 151 من قانون المالية لسنة 1984، وقد تم تقييد عملية البيع بشرط فاسخ وهو ضرورة تقديم شهادة المطابقة من أجل إمكانية إعادة التنازل لصالح الغير عن القطعة الأرضية مع تقيد المستفيد بضرورة إنجاز مشروعه في ظرف ثلاث سنوات على أقصى حد من تاريخ إبرام العقد، وفي حالة عدم قيامه بالإنجاز توجه إليه مديرية أملاك الدولة بصفتها الجهة المالكة الأصلية للقطعة الأرضية ثلاثة إنذارات وتباشر ضده في إجراءات دعوى الفسخ القضائي، وهي الإجراءات التي لم تقم بها مديرية أملاك الدولة وقتها. وأضاف المحامي نواري نبيل أنه وفي ظل الظروف الصعبة التي كانت سائدة وقتها، والتي تعذر فيها على أغلبية المستفيدين من القطع الأرضية في إطار المادة 151 من قانون المالية لسنة 1984، والذين سددوا ثمنها بسعر السوق آنذاك، أصدرت المديرية العامة للأملاك الوطنية تعليمة وزارية تحمل رقم 4382 مؤرخة في 15 أوت 2000، مفادها أن كل هؤلاء بإمكانهم إعادة التنازل عن عقاراتهم والتصرف فيها بحرية، مع رفع الشرط الفاسخ من العقود المحتمل إبرامها مستقبلا. القاضي اشترى القطعة الأرضية بصفته مواطنا لا قاضيا وقال محامي الدفاع عن المشترين الثلاثة إن المستثمر وبعد نحو تسع سنوات من صدور هاته التعليمة، قام بعرض قطعته للبيع عن طريق نشر وتعليق إعلانات، شأنه في ذلك شأن العديد من المستثمرين الذين استفادوا في إطار نفس القانون، عبر مختلف ولايات القطر الوطني، وأن موكليه تقدموا من أحد الموثقين للاستفسار عن إمكانية شراء القطعة الأرضية، فتلقوا الرد الإيجابي من المستثمر البائع مع تأكيد الموثق على إمكانية نقل الملكية في إطار القوانين السارية. وفعلا، يضيف المحامي، لقد تم التعاقد بالبيع بين المستثمر وموكليه بموجب عقد توثيقي تم إشهاره فيما بعد بالمحافظة العقارية، بتاريخ 17 نوفمبر 2009، وبعدها تحصل موكلوه على الدفتر العقاري بصفة عادية بعد عملية المسح التي مست العقار. وقد تفاجأ المشترون مطلع سنة 2012 بدعوى مديرية أملاك الدولة لدى المحكمة الإدارية بڤالمة، للمطالبة بفسخ عقد البيع المحرر لفائدة المستثمر وبالتبعية فسخ العقد المحرر بينه وبين المشترين الثلاثة، على أساس عدم احترام الشرط الفاسخ والتصرف في العقار دون تقديم شهادة المطابقة. واتهم المحامي مديرية أملاك الدولة بتحريف مضمون التعليمة الوزارية رقم 4382. وفعلا صدر حكم عن المحكمة الإدارية بڤالمة في 29 جانفي 2013 يقضي بفسخ العقد المحرر من طرف مديرية أملاك الدولة لولاية ڤالمة لفائدة المستثمر مع رفض إدخال المشترين والموثق في الخصام. وهو الحكم الذي كان محل استئناف من طرف المستثمر أمام مجلس الدولة الذي أصدر قرارا نهائيا في 27 نوفمبر 2014 يقضي بإلغاء حكم المحكمة الإدارية بڤالمة ورفض الدعوى لعدم التأسيس، بل أكثر من ذلك فإن القرار النهائي، الذي تحوز "الشروق اليومي" نسخة منه، تضمن ردا صريحا وواضحا من طرف المدير العام للأملاك الوطنية الذي أجاب بنفسه عن عريضة الاستئناف المرفوعة ضده من طرف المستثمر لدى مجلس الدولة واعتبر أن مديرية أملاك الدولة بڤالمة تأخرت كثيرا في رفع دعوى فسخ عقد البيع المحرر لفائدة المستثمر مما يعني سقوط حقها في المطالبة بإلغاء البيع عن طريق التقادم بمرور 20 سنة كاملة من تاريخ إبرام عقد البيع، خاصة أن نص المادة 101 من القانون المدني المعدلة بموجب المادة 30 من القانون 05/ 10 يحدد مدة حق طلب الفسخ بخمس سنوات فقط، إلا أنه وفي هذه الحالة لقد أصبح العقار محل عقد البيع ملكا خالصا لصاحبه بعد مرور نحو 20 سنة كاملة من تحصله عليه. وخلص محامي الدفاع عن الشركاء الثلاثة الذين اشتروا هذه القطعة الأرضية إلى حد التأكيد بأن كل ما يجري هو مجرد زوبعة في فنجان، أرادت بعض الأطراف من خلالها استغلال ورود اسم القاضي بصفته أحد مشتري هذا العقار، لخلق البلبلة وشغل الرأي العام المحلي بمعلومات مغلوطة لتغطية العديد من التجاوزات الخطيرة والمفضوحة لنهب العقار بمنطقة جبل حلوف، مؤكدا أن أكبر دليل على عدم استغلال موكله القاضي لنفوذه أو سلطته في هذا الملف هو أن أغلبية الأحكام التي صدرت على مستوى محاكم ڤالمة لم تكن لصالحه.