أغان وأنغام مر عليها قرن من الزمن أو أكثر.. فنانون من الزمن الجميل منهم من رحلوا في السبعينات وقبلهم آخرون في الخمسينات والأربعينات وحتى الثلاثينات .. عاد عطاؤهم وصوتهم وعزفهم في زمن الماديات والتكنولوجيا، فنافسوا الأحياء من مشاهير الفن العصري عن طريق "اليوتوب" ورنات الهاتف المحمول .. صدحت موسيقاهم وحلقت أغانيهم "نحن عائدون بقوة لننظف آذان الأجيال الصاعدة من كلمات وأنغام فن "السندويتش" و"الواي واي". رنات لأغاني عبد الحليم حافظ، أم كلثوم، ليلى مراد، فريد الأطرش، صباح، فائرة أحمد في أغنيتها "ست الحبايب"، ونغمات موسيقية لأغنية "يا الورقة" للهاشمي ڤروابي، و"الحمام اللي ربيتو" للحاج العنقى، و"يا رايح وين مسافر" لدحمان الحراشي، و"ما زينو نهار اليوم" لعبد الكريم دالي، وغيرها لفنانين كان يقال عنهم" ذهب وقتهم "، عادت بقوة بتحميلها في هواتف نقالة لشباب ولدوا في التسعينات وفي زمن طغت فيه الماديات، فاستحسنوها وأحبوها بعد أن فرضت عليهم فيديوهات لهؤلاء الفنانين عبر التواصل الاجتماعي واليوتوب.
.. شباب دون الثلاثين يتنافسون على رنات أم كلثوم وعبد الحليم الشروق قامت باستطلاع للرأي حول الموضوع، ورصدت في الشارع مدى تأثير رنات الهاتف النقال، و"اليوتوب" على تحسين الذوق الفني في شريحة واسعة من شباب أعمارهم لا تتعدى ال25سنة أحيانا، باتوا يعرفون مشاهير الزمن الجميل ويستمعون إليهم رغم الاختلاف الكبير بين الزمنين. يقول رضا بودالية، 19سنة طالب ثانوي، والذي اختار مقطع موسيقي لأغنية "الأطلال" كرنة لهاتفه النقال" لقد دفعتني هذه النغمة الجميلة لأبحث عن المزيد عنها في الانترنت، ووجدت نفسي أستمع لأغاني أم كلثوم عبر"اليوتوب"، ابتسم ثم أردف قائلا "أصدقائي استهزؤوا بي عندما سمعوا هذه النغمة ولكن صدقيني فيما بعد استحسنتها آذانهم فراحوا يبحثون في "اليوتوب" لتحميل نغمات مميزة لفناني الطرب الأصيل". "أمال. س" 18سنة، تلميذة في ثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة، اختارت نغمة هاتفها أغنية "ست الحبايب" وقالت للشروق، إنها تعرف الكثير عن فائزة أحمد، مضيفة أن شقيقتها الكبرى اختارت رنة لأغنية فريد الأطرش" فوق غصنك يا لمونة". عبد الوهاب شلالي، أكد للشروق، أنه تفاجأ بفتيات يمارسن الرياضة في قاعته بسيدي موسى، يحملن في هواتفهن رنات لأغاني الحاج مريزق، العنقى والهاشمي قروابي، ولأغاني أم كلثوم وليلى مراد، وسعد لهذا الأمر لأنه من بين المهتمين بأغاني الزمن الجميل.
الرقمنة أخرجت النغم القديم للنور وارتقت بالذوق العام أكد الخبير في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، يونس قرار، أن شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة الذكية كسرت حاجز تخزين المعلومات وسمحت بإشراك فئات من مختلف الأعمار في تقسيم هذه المعلومة والنقاش حولها عبر "الفايس بوك" وتحميلها في الهواتف النقالة. وقال إن الأرشيف الفني خرج للنور عبر الأنترنت، وأن فيديوهات الأبيض والأسود تداخلت مع الفيديوهات الجديد لفنانين شباب على مواقع "اليوتوب" و"الفايس بوك" و"التويتر"، مما جعل الشباب يطلعون عليها ويتذوقونها ويحملون أنغامها عبر الهاتف كرنات خالية من الإيقاعات الموسيقية العصرية ويختار الطبيعية منها التي تستعمل فيها الآلات الموسيقية البدائية. أشار الخبير في التكنولوجيا، يوسف قرار، إلى أن المناسبات والأعياد في زمن الرقمنة، كرست ثقافة تبادل رنات وأغان قديمة جدا عبر الانترنت والمحمول، لها دلالة مناسباتية كأغنية عبد الكريم دالي، وأغنية المطربة فايزة أحمد "ست الحابيب" مما جعل مختلف الفئات العمرية يلتفتون إليها.
العائلة الافتراضية رسخت ثقافة احترام الأذواق وأوضح قرار، أن العالم الافتراضي للفن والموسيقى سمح بتبادل النقاش بين أجيال مختلفة ومعرفة المزيد عن مشاهير الزمن الجميل، وكتاب الكلمات والموسيقيين حيث دعا لتحفيز الذين يملكون صورا وأغاني وحفلات نادرة لمطربي الزمن الجميل قصد رقمنتها. من جهته، قال رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب عبد القادر دعماش إن التكنولوجيا خدمت الفن القديم من خلال رقمنة أرشيف أشرطة وديوهات وحفلات ورسائل وصور قديمة وتوزيعه عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتحميله في الهواتف النقالة، وطالب وزارة الثقافة بتنظيم مسابقات شبابية تحفزهم على جمع أرشيف الزمن الجميل، وأكد مفاجأته بشباب ولدوا في زمن الماديات يتفاعلون مع أغان وأنغام قديمة جدا ويعلقون عليها عبر "الفايس بوك" كما يحملون أغاني وموسيقى مر عليها قرابة 100سنة في هاتفهم النقالة دون أي حرج. دعماش نبه لنقطة مهمة، وهي أن التفات الشباب للنغم القديم يجعل الفنانين مجبرين على تحسين أدائهم باختيارهم للكلمات والموسيقى، حيث حضر الفن الجميل للواجهة ليصبحوا غربال الرداءة في زمن همش فيه الفن الأصيل.
شعراء الجاهلية يغردون عبر تويتر يرى الشاعر والفنان بلقاسم زيطوط، أن حياة الصخب والفوضى التي تفرضها علينا الحياة الحالية، جعلت الشباب يملونها فيهربون للهدوء، ووجدوه من خلال كلمات وأغاني وموسيقى الزمن الجميل متنفسا رغم اختلاف الأذواق، حيث يقول إن عودة الفن الجميل يأخذ وقتا طويلا، وقد فكر في إعداد مشروع فني من خلال استعمال التكنولوجيا، قصد تحسين بعض الكلمات وتعويد الشباب على استعمالها في يومياتهم، وعن طريقها يتعودون على فن الزمن الجميل، كما اتفق حسب تصريحه للشروق، مع عدة وزارات وفنانين كزكية محمد لتسجيل مقطوعات فنية ورقمنتها لتصبح رنات هاتف محمول تدعو للسلام. قال زيطوط إن التكنولوجيا قدمت هدية اسمها الفن الجميل، خاصة وأن شعراء من العصر الجاهلي والعباسي كجرير والشنفرى والفرزدق والمتنبي أصبحت أشعارهم تنشر على "اليوتوب" والتويتر، وسميت مواقع إلكترونية بأسمائهم. وقال الممثل التلفزيوني والشاعر زيطوط، إن الكثير من الفنانين الجزائريين للزمن الجميل غير معروفين ولم ترقمن أغانيهم كعلي معاشي وخليفي أحمد، وأن أغلب الرنات ومقاطع الفيديو للطرب الأصيل غير جزائري مطالبا وسائل الأعلام للمساهمة في جمع الأرشيف ورقمنته.
علم الاجتماع: الافتراضي بدأ يدخل في النسق القيمي للشباب من جهته، أوضح المختص في علم الاجتماع، يوسف حنطابلي، أن التفاعل مع الرنات ومقاطع الفيديو للفن القديم والأبيض والأسود وتبادلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي غير مفروض على الشباب وهو اختياري وربما يكون في البداية غير مقبول، وغير مضبوط أخلاقيا، ونتيجة هذا التفاعل تنتج ثقافة أو اكتشاف مستحسن يتعامل معه بطريقة عادية. أكد حنطابلي، أن الأخلاق والقيم لديها علاقة مباشرة مع السلوكيات والحياة اليومية، ومع مرور الزمن تؤثر التكنولوجيا وتدخل في تغيير بعض الطبائع، وأن العالم الافتراضي بدأ يدخل في النسق القيمي ولكنه يأخذ وقتا ليدخل في المنطق القيمي المباشر.