انتشرت مؤخرا ظاهرة تحميل رنّات الانتظار في الجوال لأشهر المنشدين ومقرئي القرآن الكريم، بترويج من متعاملي الهاتف النقال بواسطة إرسال رسائل قصيرة مقابل دفع مبالغ معينة من باب التسويق لتشنيف مسامع الناس، وهو الأمر الذي استهجنه المختصون في الدين وصنّفوه ضمن خانة شبه المحظور في مقاصد الإسلام. كثيرة هي تلك المقاطع القرآنية والأدعية التي تقع على مسامعنا، كلما اتصلنا بشخص عبر الجهاز الخلوي. إلى هنا الأمر عادي، غير أن الشيء الملفت للانتباه هو التركيز على اختيار رنّات تحمل مقاطع لأغاني دينية أو أدعية أو أجزاء من آيات قرآنية لأشهر المقرئين والمنشدين الذين لمعوا في مجال الترتيل وتجويد القرآن الكريم، على غرار السديسي وعبد الباسط عبد الصمد وغيرهم ممن تركوا بصمتهم على الساحة العربية والإسلامية، إلا أن اختيار مثل هذه الرنّات لم يأت من عدم وإنما راجع لعدة أسباب ودوافع. وفي هذا الشأن ارتأت “الفجر” أن تستطلع آراء المواطنين حول الموضوع. الابتعاد عن المخالفات الشرعية سر عزوف البعض عن الأغاني الماجنة مع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل الاتصال الحديثة التي تتسم بالأناقة والرفاهية التي تتلاءم والحياة العصرية، جعلت الكثيرين يتمتعون بحرية اختيار وانتقاء كل ما يجول بخاطرهم من مزايا ورنّات على حسب ذوق كل شخص، فلفت انتباه الغير وتفادي الأغاني الهابطة أو الماجنة واستبدالها بنغمات متزنة لا تحتوي على مخالفات شرعية هي جملة من المعطيات التي ارتكز عليها البعض في اختيار رنّات الانتظار في هواتفهم النقالة، عن طريق تحميل مقاطع قرآنية وأدعية تستند على كلمات قرآنية في مجملها مرتلة. وفي هذا الإطار، قال سمير موظف بإحدى الشركات العمومية بأنه يفضل الأغاني المهذبة والهادئة، مشيرا إلى أنه يرتاح كثيرا لسماع القرآن وعليه انتقى رنّة انتظار تحوي آيات قرآنية. نفس الرأي لمسناه عند حياة طالبة بجامعة الحقوق، فهي اختارت رنّة تحتوي على دعاء، لكي تنتفع هي ومن يتصل بها ويبعد الهم والغم عن قلوب الجميع. المتاجرة بكلام الله مخالف للشرع يتخذ في الآونة الأخيرة بعض متعاملي الهاتف النقال وسيلة لترويج منتوجاتهم بطريقة محنّكة دعادت عليهم بالربح الوفير، عن طريق تزويد خدماتهم بمزايا ونغمات تحتوي على آيات ونصوص قرآنية لكسب ثقة الزبائن من جهة ولمنافسة أصحاب المهنة من جهة أخرى، وذلك ببعث رسائل قصيرة لعناوين المشتركين تطلب منهم اختيار نغمة أو مقطع قرآني كرنّة انتظار، وهو الأمر الذي لقي استحسانا واستهجانا في نفس الوقت عند البعض. وهو ما أكده لنا السيد (ب.ي)، أستاذ بمعهد العلوم الشرعية بالجزائر “بأنه لا بأس من سماع تلك النغمات والأناشيد الدينية على الهواتف النقالة، ولكن استخدام مقاطع لآيات قرآنية هو اللامقبول لأن القرآن الكريم محفوظ والمتاجرة به يعد مخالفا للشريعة الإسلامية”. من جهته، أفاد عبد الكريم ليشاني، إمام وأستاذ ورئيس مكتب التعليم والثقافة الإسلامية بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر العاصمة بالقول “إن استعمال بعض الأدعية ومقاطع لأغاني دينية لمختلف المنشدين واستعمالها كرنّات للهواتف النقالة هي من الأمور المستحسنة والمحمودة على أساس أنها إحدى وسائل الدعوة إلى الله، من خلال هذه الوصلات الداعية إلى العفة والمحبة والعفو والتسامح”، مشيرا إلى “أنه إذا كان هذا الأمر من منطلق الترويج لهذه الرنّات فهو دافع إنساني فهي مطلوبة ومرغب فيها، أما إذا كانت تحمل هذه الرنّات آيات ونصوص قرآنية بدوافع تجارية محضة والهدف منها هو كسب المال دون مراعاة الجوانب التي ذكرناها آنفا فإن هذا يدخل في باب المتاجرة بكلام الله عز وجل، وذلك من خلال طلب إرسال رسائل قصيرة إلى عناوين معلومة ومذكورة حتى ترسل هذه الرنّات في الهواتف مقابل مبالغ مالية، أي ما يصطلح بالبيع والشراء، ونحن نعلم أن من مقاصد الإسلام أن القرآن يهدى ولا يباع فهذا يعتبر تجاوز ومخالف للشرع قد يجعل الإنسان يقع في شبه المحظور”.