كل المؤشرات والدلائل في اليمن تشير إلى تلك المحاولات الجادة، التي تبذلها الحكومة اليمنية للخروج من تراكمات الخلافات الداخلية، مصحوبة بمحاولة لإثبات الوجود، وذلك من خلال المشاركة في القضايا القومية كمحاولتها حل الخلافات بين حماس وفتح، أو مساهمتها في القضايا الدولية مثل التحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لمحاربة الإرهاب. * غير أن تلك المحاولات لم تحل دون وقوع مصادمات داخلية محدودة الآن، لها جذورها في تراث العنف اليمني خلال السنوات الماضية، حيث الاحتماء بالسلاح وبالمناطق الجبلية، ولها أيضا مقومات تمدها بالحياة في بيئة منفّرة للمصالحة، ودافعة لمزيد من التأزم على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية. * ولنا أن نضرب مثلا بالعمليات التي وقعت بين الحوثيين والجيش، صحيح أنها توقّفت حاليا، إلا أنها مؤهلة للتحول في المستقبل المنظور إلى حرب أهلية شاملة، قد تعبّد الطريق وتفتح المجال أمام قوى مختلفة للتحرّك على الصعيد السياسي، كما هي الحال بالنسبة للأحزاب المعارضة المشروعة، التي تراهن على المطالب الاجتماعية لتحقيق أجندتها السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب الوحدة الوطنيّة. * إلا أن تلك الأحزاب خاصة المتقاطعة مع شعارات يرفعها أهل الجنوب من أجل المساواة في الحقوق مع سكان الشمال، ليست على درجة الخطورة التي شكلتها جماعة الحوثيين خلال الفترة السابقة، كما أن هذه الأخيرة على درجة أقل من تلك من الخطورة التي تأتي من الأعمال الإرهابية التي تقوم بها القاعدة، آخرها العملية التي وقعت الجمعة الماضية في مدينة سيؤن شرق اليمن. * الواضح أن اليمن يواجه جملة من المخاطر، تتطلب حلولا عاجلة، أخطرها في نظر المراقبين العلميات الإرهابية التي تقوم بها القاعدة وتجد مؤازرة من بعض القبائل، يضاف إليها الشعور بالغبن لدى سكّان بعض المناطق، خاصة في الجنوب، وإن كانت الحكومة ترى أن الحل للمشكلات الراهنة يبدأ من تكامل دور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في تنفيذ سياسة جنائية تأخذ في الحسبان التشريع وتشديد العقوبات، بالإضافة إلى دور المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام، بحيث يكون هذا الأخير عونا للسلطة التنفيذية في أداء مهمتها. * ويبدو أن الحكومة اليمنية تضع أعمال العنف المسلّح والاحتجاجات السلمية في سلّة واحدة، وتتخذ الموقف نفسه منهما، فالحكومة كما جاء في تصريحات سابقة للدكتور علي محمد مجّور، رئيس مجلس الوزراء اليمني: »واجهت الأعمال التخريبية والإرهابية خلال الفترة الماضية بعدد من الإجراءات الحازمة، أدت إلى ضبط أعداد كبيرة من العناصر الإرهابية، وأحالتها إلى النيابة، كما يجرى إعداد ملفات لبقية تلك العناصر تمهيدا لتقديمها إلى النيابة العامة«. * وكان يقصد هنا أعمال العنف والتخريب التي وقعت في محافظة »صعدة«، ومحاولة نقل الأعمال التخريبية، كما تسميها الحكومة، إلى مناطق أخرى مثل تلك التي ارتكبت في مديرية »بني حشيش«. * وقد نتج عن تلك الأعمال الإرهابية والتخريبية، حسب تصريحات المسؤولين اليمنيين، تحديات واجهتها الأجهزة الأمنية بقوة، تمثلت في أعمال الحرابة والاختطاف، وغيرها من الجرائم ذات الخطورة الاجتماعية الكبيرة، ولا شك أن تلك الجرائم الإرهابية والأفعال الجنائية تتطلب إجراءات أمنية حازمة وصارمة، وهو ما اتخذته الحكومة اليمنية، اعتقاداَ منها بأن ذلك يمثل الحل الأمثل. * غير أن انتشار ظاهرة السلاح، وعدم البتّ في قضية التعديل القانوني المعروض على مجلس النواب، بالإضافة إلى انتشار الأسلحة المتوسطة في أيدي المواطنين يجعل من مهمة الأمن غاية في الصعوبة. * وإذا كانت الاحتجاجات وأعمال التخريب قد توقّفت في محافظة صعدة بإعلان الرئيس اليمنى »علي عبدالله صالح« قراره إيقاف العمليات العسكرية وبدء مرحلة التنمية والإعمار، فإن الأعمال الإرهابية الأخرى، لاتزال تهدد استقرار الدولة اليمنية وعلاقتها الدولية وتأثيرها في محيطها، وهو ما تخشاه الحكومة كما جاء على لسان عدد من مسؤوليها. * ويرى المراقبون أن إزالة بؤر التوتر يتطلب الاستجابة إلى مطالب المعارضة، من ذلك إنهاء التضييق على حرية الرأي والتعبير، ووقف عسكرة الحياة السياسية، ووقف الاعتقالات والمحاكمات ضد ناشطي النضال السلمي، من ذلك المحاكمات التي يتعرض لها قادة الحراك الشعبي والسياسي في بعض محافظات الجنوب، حيث ترى أحزاب اللقاء المشترك أنها محاكمات »سياسية«، وكذلك ترى المنظمات الحقوقية، كما جاء واضحا في تصريحات صحفية للمدير العام لمنظمة هود للدفاع عن الحقوق والحريات المحامي »خالد الآنسي« بقوله: »أن المحاكمات سياسية وصورية، القصد منها التنكيل بالخصوم السياسيين والمعارضين أكثر مما تهدف إلى تطبيق القانون، كما أنها تنظر أمام قضاء استثنائي، في ظل عدم وجود سلطة قضائية مستقلة، في حين تؤكد المصادر الحكومية أن الإجراءات المتخذة قانونية«. * على العموم، فإن المدخل لمصالحة شاملة في اليمن تبدأ من مد جسور بين أحزاب المعارضة اليمنية المنضوية تحت اللقاء المشترك وبين السلطة وحزب المؤتمر الحاكم بهدف إزالة التوتر المستمر بينهما، وتوقيف المحاكمات التي يتعرض لها قادة الحراك الشعبي والسياسي في بعض محافظات جنوب اليمن. * لهذا يأمل كثير من اليمنيين، خصوصا المهتمين بالشأن السياسي، في إعلان مبادرة رئاسية بالعفو عن معتقلي المعارضة في إطار تصفية المناخ السياسي المحتقن منذ أشهر طويلة، وتزامنا مع إعلان إيقاف الحرب في صعدة، والعفو عن المتمردين الحوثيين. * مهما تكن السبل والطرق والمناهج المتبعة للخروج من أزمة متشعّبة في اليمن، فإن الطريق إلى جنوب اليمن لجهة قبول أهله بقدر الوحدة دون الشعور بالغبن، قد بدأ من صعدة، وعلى روح التعايش والحكمة اليمنية القديمة، ولغة الحوار وميراث السلاح والّدم يمكن بناء وحدة لا يؤثر فيها تغير السياسات، واتساع المصالح وطغيان المطامح.