مبدئيا وحتى لا يساء فهمي أنبه أن كلامي عن الحجم الذي تحتله كرة القدم في بلادي وليس الرياضة ككل لا يعني في أي حال من الأحوال أنني ضد الرياضة في المطلق، والتشكيك في أهميتها القصوى صحيا وفكريا ونفسيا يعد جريمة. الرياضة التي تبرمج منذ الصغر في المرحلة التعليمية الأولى في البلدان المتحضرة يدل على أن مقاربتها بيداغوجيا يعدا أمرا ثقافيا من منظور مفهوم الثقافة الشامل الذي يعني طريقة عيش تغطي كافة جوانب الحياة. وبهذا المعنى، يمكن التحدث عن الثقافة حينما يثار النقاش حول كيفية ممارسة الرياضة وطبيعة موقعها ونوعيتها في مجتمع ما. في البلدان المتخلفة والمسيرة شعبويا وعشوائيا، تعد المقاربة الرياضية حلقة من حلقات الغياب الكلي لاستراتيجية تكوين المواطن فكريا وبدنيا ونفسيا من منظور الرؤية الشاملة والمتوازنة، والعارف بأمور الرياضة في الجزائر يدرك أننا في صلب هذا الغياب التراجيدي الذي مازال يؤثر سلبا على المردود المنتظر من ممارسة حضارية تطبع سلوك المواطن العادي وغير العادي في البلدان المتقدمة. في الجزائر لا تعد كرم القدم مخدرا نفسيا بامتياز فحسب، بل وسيلة مثلى لتكريس التخلف السياسي والثقافي ولامتصاص الاحتقان الاجتماعي وتحقيق مصالح خاصة تجسيدا لفساد عام في علاقته بالمنظومة الحاكمة ككل، ورغم كل الإهتمام الشكلي الذي يتخذ من المال والإعلام والسياسة مرتكزات أساسية يبقى المردود الرياضي بائسا مثله مثل الشأن الثقافي. بدأت مقدمة تعليقي اليوم من منطلق عدم الفصل بين الرياضة والثقافة من منطلق النظرة الشاملة للأمور والجدلية التي تربطهما متأثرا بمشاهد السويسريين الذين يجرون في الحدائق والشوارع ممارسين رياضة أثبت الإختصاصيون أهميتها القصوى وفي صالون الكتاب ايضا طمعا في حياة متوازنة وممتعة ومثمرة مادامت تستند على معايير الإستفادة العقلية والبدنية. في عاصمة البلد الأوروبي البديع الصغير، تحتل القراءة حيزا كبير في حياة المواطنين وجريهم الرياضي يعد جريا ثقافيا ينم عن وعي حضاري شامل وهو الوعي الذي يدفعهم إلى الجري ايضا وراء صالونات الكتب ومعارض الفنون التشكيلية والقاعات السينمائية والمسارح والمتاحف الأمر الذي يفسر لزائر العاصمة السويسرية كثرة الإشهار لعشرات التظاهرات الفنية الوطنية والعالمية. في صالون جنيف للكتاب الذي قامت بتغطيته الشروق، قارنت وأنا أتجول سعيدا وحزينا في ذات الوقت عبر الأجنحة قبل وصولي إلى جناح الثقافات العربية بين كيفية مقاربة الرياضة والثقافة في البلد الاوروبي العجيب وبين مثيلتها في بلادي بعد ان اطلعت على تغطية الصحف للتظاهرة الثقافية وشهدت على قوة الإقبال عليها. لقد كان الجري الرياضي هو نفسه الجري الثقافي عبر صحف وملاحق وإذاعات خصصت وقتا كبيرا لتغطية صالون الكتاب وللإحتفاء بكتابها الاجانب والأفارقة الذين صنعوا الحدث كما جاء في تغطيتنا. وخلافا لما يحدث عندنا لم تكن الرياضة وحدها المسيطرة في الصحف التي تباع في قارعة الطريق في صناديق لا يجرؤ المواطن فتحها لأخذ جريدة ما دون دفع ثمنها رغم إن إمكانية السرقة قائمة في غياب رجال الأمن والدرك والحرس البلدي. خرجت من صالون الكتاب محطما نفسيا رفقة رضا صديقي الجزائري الذي "كركرته" عنوة من باب النضال الثقافي رغم عدم اهتمامه بالكتاب، ورفقة صديقي المجنون بكرة القدم كمعظم الجزائريين حزنت أكثر في الحافلة التي تربط الصالون بوسط جنيف أمام عشرات السويسريين الذين عادوا محملين بالكتب وهم السويسريون الذين يركضون في الهواء الطلق ممارسين الرياضة بمنهجية حياة متوازنة عقليا وبدنيا. ورفقة صديقي المذكور أضا ندبت حظ انتمائي لبلد كان الغائب الاكبر في صالون جنيف مقارنة بالتونسيين والمغاربة وبعض الخليجيين الذين قال عنهم الكاتب الأمين الزاوي اليساري إنهم بصدد الخروج من ثقافة الخيمة استعدادا لفترة ما بعد البترول. نحن مازلنا نمول فضائح وفساد ثقافة الخيمة بمال الريع النفطي رغم إنذار صندوق النقد الدولي. مدينة عبد الحميد بن باديس كانت شاهدة على ذلك ولم أتطاول على السلطة تحت وطأة مخيلتي الخصبة.