أسدلت عشية أول أمس بالمركب الأولمبي"محمد بوضياف" بالجزائر العاصمة، فعاليات الطبعة السادسة عشر للصالون الدولي للكتاب، تحت شعار “الكتاب يحرر”، وهذا بعد أن عرف في الفترة الممتدة من 21 سبتمبر إلى غاية الفاتح من أكتوبر، إقبالا من قبل المواطن الجزائري المتعطش لمتابعة مستجدات النشر الجزائري، العربي والعالمي والإستزادة في تحصيل مختلف العلوم والمعارف، فكان هذا الحدث السنوي المهم في رزنامة المواعيد الثقافية بالجزائر فرصة للتلاقي بين مختلف الأجيال، وعنوانا لأهمية المطالعة في حياة الجزائري الذي ما انفك يتفتح على مختلف ثقافات العالم. "الأمة العربية" تابعت الحدث الذي استضاف 521 ناشر من بينهم 145 ناشر جزائري و376 أجنبي من 32 بلدا، ورصدت لكم أراء المتتبعين والجمهور خلال الصالون الدولي للكتاب في طبعة السادسة عشر، هذا العرس الثقافي الذي يلتحم فيه أبناء الوطن الواحد على اختلاف مشاربهم، والذي كان حسب شهادتهم ثريا من حيث تنوع الإصدارات الفكرية، التاريخية والدينية، وسيئا من حيث المكان الذي لا يليق بمقام دولة جزائرية لها من الإمكانيات والمؤهلات ما يجعلها تضاهي الصالونات الدولية للكتاب أن تعقده بخيمة في المركب الرياضي. الجزائريون يشيدون بأهمية الإصدارات الجديدة التي أتت بها دور النشر العربية والأجنبية عرفت التظاهرة الثقافية للكتاب عشية الإختتام إقبالا هائلا من قبل الجمهور بمختلف شرائحه المجتمعتية، خاصة مع التخفيضات التي وصلت إلى 50-60 بالمائة لبعض دور النشر وتوسيع رقعة الكتب المهداة مجانا على الزوار، كجناح وزارة الشؤون الدينية التي عرفت تدافعا من طرف الزوار للظفر بكتاب. والملاحظ في الساعات القليلة قبل أن تعلن دقات الإختتام، أن أعوان الأمن وجدوا ضالتهم في شراء ما يحتاجونه من كتب بعد أن بدأ الجمهور في الإنسحاب شيأ فشيأ. أما الشباب الباعة الذين كانوا يكسبون قوت يومهم من خلال بيع ما تسنى لهم من الأكياس، الحلويات والشوكلاطة أوقارورات المياه على حواف الطريق المؤدي إلى قبة المهرجان، فلقد خفضوا أسعار بضائعهم لتجنب كسادها، حيث سمعنا أحد الباعة يقول' ماذا سأفعل بهذه الأكياس المتبقية سيموت المكان غدا وسنلتقي العام المقبل'، وآخر لم يبع فطائر الجبن فقرر تقاسمها مع جماعة من الشباب لدى عودتهم إلى ولاية البرج. هي إذن تفاصيل صغيرة لواقع جزائري يحمل الكثير من المرارة والتحدي، فكم كان جميل لوعاد هؤلاء الشباب بكتاب في أيديهم أوفكرة لتكوين مهني يغير مسار حياتهم ويصبحون أصحاب مشاريع. من جهتها، اعتبرت العائلات هذا الحدث السنوي من المواعيد الهامة التي لا تتوانى عن زيارتها لمعرفة جديدها، واقتناء الكتب التي يحتاجها أطفالهم من الكتب المدرسية والشبه المدرسية، معربين عن ارتياحهم بإستحداث أماكن للجلوس والأكل والخيمة النايلية وتخصيص فضاء للعروض البهلوانية الموجه للأطفال. هذا، واستحسن بعض الشباب عودة الدور المصرية بقوة ومشاركة دور نشر جديدة في الصالون، والتي حملت معها أهم ما جادت به قريحة المفكرين العرب والأجانب من علوم وترجمات، مبرزين بأن أهم الكتب التي فرحوا بوجودها على رفوف أجنحة دور النشر هي المؤلفات الأصلية للتراث الإسلامي كمنهاج القاصدين ومفيد الصادقين لإبن الجوزي، وأخرى فكرية تتعلق بمحمد أركون، ودراسات تتناول تحليل الأوضاع في الوطن العربي وفساد الأنظمة العربية، إضافة إلى الكتب الإلكترونية في ميادين شتى كالحقل العلمي واللغوي. غياب التهوية والنظافة في أروقة الصالون أثر نفسيا على الزائر من جهة أخرى، أعابت بعض الفئات الإجتماعية الزائرة للصالون عن ضيق المكان الذي شكل لهم إرهاقا نفسيا وجسديا بالنسبة للمرضى وغيرهم على حد سواء، مضيفين بأن غياب التهوية ورائحة التدخين التي تخيم على المكان وعدم توفر النظافة وكذا الأرضية الغير مستوية والتي أسقطت العديدين أرضا هوأمر غير لائق في صالون دولي للكتاب. قال 'محمد' أحد الغيورين على وطنهم وهوفي طريقه إلى خيمة الصالون الدولي للكتاب:'كيف للجزائر أن تحتضن حدثا كهذا والزائر يرى من بعيد تلك القمامات المرتفعة والمحيطة بالمكان من كل جانب، والله هذا عيب لصورة الجزائر'. وفي هذا الشأن قدم البعض اقتراحات كضرورة تحسين الأرضية وإيجاد مكيفات هوائية، ومنع التدخين داخل أروقة الصالون وكذا تخصيص سلات للمهملات. شباب يؤكدون: 'توفر عناصر الأمن ليلا قلص السرقة وقلة وسائل النقل أثر على نسبة الإقبال على المحاضرات أكدت نخبة من الشباب للأمة العربية، أن توفر دوريات للشرطة ليلا عند خروجهم من ساحة المركب الرياضي ، جعلهم في مأمن من السرقة والاعتداءات والتحرش بالنسبة للفتيات، متذمرين من قلة وسائل النقل ليلا على مستوى محطة شوفالي، الأمر الذي شكل لهم هاجسا كبيرا وجعلهم لا يستفيدون من مجمل المحاضرات والندوات المنعقدة في الفترة المسائية. وحسب ما أفاد به مصدر مسؤول فلقد وصل عدد أعوان الأمن أكثر من 70 عونا أمنيا وما يفوق 14 كاميرا للمراقبة، قصد حماية سلامة وأمن المواطن، مضيفا بأن عدد الأطفال الضائعين يوميا على مستوى أروقة الصالون لا يتعدى 5 أطفال والذين تم تسليمهم لأوليائهم في ذات اليوم. ندوات تنظيرية وتهميش لاهتمامات المثقف والمواطن الجزائري من جانب أخر، عرف الصالون الدولي للكتاب تنظيم عدة محاضرات ولقاءات عرفت ببعض الكتاب العرب والأجانب، كالكاتب بريتن بريتنج من إفريقيا الجنوبية والناقد المصري جابر عصفور وكذا الممثل الفكاهي الفرنسي سماعين فيروز الذي شهد توافدا قويا على مداخلته التي تناولت سيرته الذاتية بعنوان 'عدت لأبحث عن نفسي'، إضافة إلى الأمسيات الشعرية التي أبحر من خلالها المستمع إلى عوالم الشعر الجزائري، المغاربي واللبناني. إن المتتبع للندوات الثقافية يرى أنه لا يوجد اختيار دقيق لبعض المواضيع التي جاءت سطحية وتنظيرية كالمحاضرة التي تناولت مكانة العلوم الإنسانية والإجتماعية، وكيف يكتب النقد الأدبي، إضافة إلى ذلك كانت هناك ندوات عميقة كتلك التي تناولت الربيع العربي في التناول الروائي العربي، والمداخلة التي جاءت بعنوان 'الصحراء في الرواية الإفريقية لما بعد الإستعمار: روابط أم حدود لمدير مخبر الأبحاث في جامعة مان بفرنسا 'بن عودة لبداعي'، إلى جانب الندوة الدولية عن الصراع العربي في غليان انتفاضة أم ثورات'. ولكن ما يعاب على المنظمين عدم تخصيص فضاءات للتعريف بالمثقفين الجزائريين الشباب حتى يكون هناك تبادل بينهم وبين نظرائهم الأجانب والعرب، كذلك شهدت قاعات المحاضرات غياب الكثير من الوجوه الجزائرية الفاعلة في الحقل الأدبي والأكاديمي ممن كان وجودهم قد يثري النقاشات والمداخلات، بعضهم من زار المعرض ولكنه لم يكلف نفسه عناء حضور ولوجزءا من النشاطات المقامة، في تصرف كان شبيها بمقاطعة معلنة منهم، أوكرد فعل عن ما قد اعتبروه اقصاءا لهم من قبل القائمين على البرامج، وهوما وصفه البعض بعدم التوازن بين الكتاب العرب والجزائريين، وغياب الطرح الذي يرتبط باهتمامات المواطن والمثقف الجزائري. جناح الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي: بوابة للتفتح على ثقافات الأخر تميز جناح الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي المشاركة لأول مرة بالصالون الدولي للكتاب، على خلاف بقية الأجنحة المشاركة بفضاء واسع وديكور منتقى بعناية يريح الزائر إليه، وكانت الفرصة مواتية للتعريف بمهام الوكالة من ترقية الثقافة الجزائرية عبر تثمين ثرائها وتشجيع تيارات التبادل الدولية. ولقد اختتمت أول أمس بجناح الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، المسابقة الأدبية الخاصة بالكتاب الهواة الذين تترواح أعمارهم مابين 20 و40 سنة، حيث بلغ عدد المتسابقين يوم الجمعة الماضي 22 متسابقا من مختلف الأعمار، كانوا قد سحبوا موضوعا بطريقة القرعة ليحرروه في صفحة أوصفحتين في المكان ذاته. وحسب ما ذكره المكلف بالإتصال على مستوى الوكالة 'فيصل بوسبعة'، سيتم اختيار 3 فائزين من طرف لجنة تحكيم خاصة تقيم العمل على أساس التخيل وسلامة اللغة والتراكيب، ليستفيدوا من ورشة كتابة مع أدباء جزائريين وأجانب وهذا لمدة ثلاثة أيام بدار عبد اللطيف بالجزائر العاصمة، مضيفا بأن نسبة الإقبال على المحاضرات التي عقدت بالوكالة بلغت 65 بالمائة، ومن بين الندوات التي شهدت توافدا كبيرا من طرف الجمهور، مداخلة رئيس تحرير مجلة 'لير' فيليب دولا روش بعنوان 'استقبال الأدب الجزائري في فرنسا'، وكذا المحاضرة التي تناولت ترقية الأدب الجزائري في الخارج في نظر محترفي صناعة الكتاب. وأشاد 'فيصل' بأن الوكالة ماضية في تحقيق أهدافها المتمثلة في تشجيع المبدعين الجزائريين في الجزائر والخارج وتنظيم تظاهرات ودعم المشاريع الثقافية والفنية من حيث الإبداع أوالترويج أوالتوزيع. ناشرون يجمعون على أن القارئ الجزائري متميز تغيير المكان واختيار التوقيت المناسب لانعقاد الصالون من أهم مقترحات المشاركين أجمع نخبة من الناشرين على أن القارئ الجزائري متميز كونه ينتقي بعناية ما يشتريه من كتب، حيث قال مدير التسويق بمركز الدراسات للوحدة العربية 'حسين برهان الدين حسين':' أن القارئ الجزائري مطلع يحاول تثقيف نفسه رغم قدرته الشرائية المتدنية، مضيفا بأن الكتب التي عرفت أكبر نسبة مبيعات هي تفسير العجز الديمقراطي، يليه العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ويأتي في المقام الثالث كتاب مؤشر الفساد في الأقطار العربية. ووافق الدكتور 'ربيع كسروان' المدير لمنتدى المعارف اللبنانية ما ذهب إليه حسين في كون القارئ الجزائري ليس قارئ صدفة لأنه يعرف ماذا يريد، موضحا بأن الكتب التي استنفذت من رفوف جناحه هي كتب محمد أركون، أما الكتب التي عرفت نسبة مبيعات كبيرة هي 'سوسيولوجية الإتصال'، 'الإبستمولوجيا في ميدان المعرفة'، وكذا 'جمهور صحافة الإثارة في الجزائر- السمات العامة وعادات القراءة'. أما مسؤولوكل من دار الفتح الأردنية ودارالقادري السورية ومؤسسة المختار المصرية فلقد أعربوا عن تقديرهم للقارئ الجزائري الذي يختار أمهات كتب التراث الإسلامي كالصحيح البخاري ومسلم، إضافة إلى كتب العقيدة لمحمد بن عبد الله الشعار 'بر الوالدين وصلة الأرحام'، 'ما يجوز وما لا يجوز في الحياة الزوجية' وغيرها من العناوين القيمة. من جانب أخر، أعاب الكثيرون عدم الإختيار المناسب لتوقيت الصالون الدولي للكتاب بحكم أن فئة الطلبة الجامعيين لم تتلحق بعد بمقاعد الدراسة ولم تعرف بعد التخصصات التي ستتوجه إليها، كذلك عدم وجود متنفس للمواطن الجزائري ليخصص بعض المال لشراء الكتب فبعد رمضان والعيد ، جاء الدخول الإجتماعي الذي أرهق جيب الكثير من العائلات ذوي الدخل المحدود. وعلى هذا الأساس، رفع نخبة من المهتمين بالكتاب الجزائري والناشرين الأجانب مجموعة من اقتراحات للوصاية أهمها، تغيير المكان أوتوفير مستلزمات التهوية والنظافة، إجراء دراسة مسبقة من أجل اختيار التوقيت المناسب الذي يناسب أكبر شريحة من المجتمع لاسيما الطلبة، تقديم تسهيلات للناشرين من حيث رسوم التخليص، وإشراك الشباب في حقل الفعاليات الثقافية. وبهذه الإقتراحات يكون الصالون الدولي للكتاب قد أطفئ شمعته السادسة عشر، معلنا عن بداية التقييم لمواطن الخلل لتلافيها مستقبلا ومكامن القوة لتعزيزها، لا نريد أن نقول أن الصالون كان ناجحا أوفاشلا لأن هذا الكلام مسؤول وله المعايير العلمية والتقنية التي ينبغي أن يستند إليها، ولكن هل فعلا أسسنا في هذا الصالون الدولي للكتاب محطة عطرة نستنشق من خلالها عبق الأفكار النيرة من علمائنا الأجلاء أصحاب العقول الراجحة الذين لا نكاد نراهم في منابرنا والتي تدفع ببلادنا للرقي في ظل الخمول الذي بدأ يدب في المؤسسات الثقافية؟ أريد أن أختم قولي على وقع أجراس الأمل وصورة الأطفال الذين كانوا يتصفحون كتبهم مع أوليائهم قبل الرجوع للمنزل باعتبارها أهم انطلاقة لميلاد ثقافة المقروئية في نفوس الناشئة.