رفضت محكمة مصرية، أول أمس، النظر في دعوى قضائية تطالب باعتبار الكيان الصهيوني "دولة" إرهابية بذريعة "عدم الاختصاص"، وكانت المحكمة نفسها قد رفضت أيضاً في 16 أفريل 2014 دعوى مشابهة تطالب بحظر الأنشطة الصهيونية في مصر، وتحكم أيضا ب"عدم الاختصاص". لكن المحكمة ذاتها رأت نفسَها "مختصة" حينما تعلّق الأمر بدعوى قضائية رفعها محام حاقد مأجور ينتمي إلى النظام الانقلابي ضد حركة حماس، وطالب فيها بتصنيفها "منظمة إرهابية"، وقد استجابت له هذه المحكمة في 28 فبراير الماضي. ويأتي هذا الحكم ليقدّم دليلاً إضافياً على أن القضاء المصري قد تخلى تماماً عن حياديته واستقلاليته وتحوّل إلى مجرد أداة طيّعة بيد الانقلابيين يحكمون بواسطته على خصومهم كما يشاؤون، ويبرّئون من يريدون؛ بالأمس برأ قضاءُ الزور والعار الرئيسَ المخلوع مبارك والعادلي وكبار معاونيه من تهمة قتل 866 متظاهر خلال ثورة 25 يناير 2011، وكأن هؤلاء الضحايا قد قتلتهم كائناتٌ مجهولة جاءت من الفضاء وليس رجال أمن، في حين حَكم بالإعدام على الرئيس الشرعي محمد مرسي وعدد كبير من شرفاء مصر دون ذنب اقترفوه.. واليوم يبرّئ هذا القضاء كيان الاحتلال من تهمة ممارسة الإرهاب ضد مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب طيلة 68 سنة، منهم آلاف الأسرى المصريين الذين أُعدموا في حرب 1967 بسيناء، وهي جريمة حرب، في حين يدين حركة حماس التي تقاوم في غزة وتسعى إلى تحرير فلسطين، ويتّهمها ب"الإرهاب".. أليس هذا تطابقاً بين تفكير الانقلابيين وتفكير الصهاينة؟ مؤسس جريدة "المصري اليوم" هشام قاسم عبّر عن هذه الوضعية الغريبة بتصريح أدلى به أمس، لصحيفة "يديعوت" العِبرية، زعم فيه أن "إسرائيل" ليست هي عدوّ مصر، بل إن عدوّها "الحقيقي" هو حماس. وتفاخر قاسم بوصْفِه ب"المُطبّع" عوض أن يرى ذلك الوصف شتيمة ووصمة عار كما كان الأمرُ من قبل؛ أي حينما كانت الهرْولة تُخجِل صاحبها وليست مصدر فخر واعتزاز كما هو الحال اليوم، كما تفاخرَ بحجم "التعاون الأمني العالي" بين الصهاينة والمصريين ووصفه ب"العمل الجيّد"، وأثنى على الدور الكبير للكيان الصهيوني في قبول أمريكا والغرب انقلاب 3 جويلية 2013، ما دفع السيسي بالمقابل إلى إقامة "تعاون استراتيجي كبير" مع الصهاينة اعترافاً ب"جهودهم"، وعلى حساب المستضعفين في غزة ومقاومتها الشريفة. لا شكّ أن الجريمة التي ارتكبها مرسي خلال سنة واحدة فقط من حكمه، هي قيامه بإخراج مصر من الحضن الصهيوني الذي رماها فيه السادات ومبارك طيلة 32 سنة، وإعادتِها إلى التخندق مجدداً في الصف العربي والذود عن قضايا الأمة كما كان الأمر في عهد عبد الناصر، ولذلك سموا تخفيفه الحصار عن غزة "تخابراً مع حماس" يستوجب إعدامه شنقاً، ولو تخابر مع العدوّ الصهيوني، وتآمر معه على المقاومة، وشاركه جريمة حصار غزة، لاعتبرَ ذلك "عملاً وطنياً عظيماً" يستحق عليه الثناء والأوسمة والنياشين. إنه زمن الأنذال وليس زمن الصناديد والرجال، ولذلك يجد مرسي نفسه مهددا بحبل المشنقة، ولا يجد المرجفون حرجاً من الافتخار بالتطبيع والهرْولة وخدمة العدوّ.. إنها علاماتُ آخر الزمن.