حذر خبراء من أن تقرير بنك الجزائر للثلث الأول من العام الجاري يعد مؤشرا على تعرض الاقتصاد لصدمة خارجية عنيفة، وأن مؤشرات التوازن الاقتصادي الكلي بدأت في الانهيار في ظرف زمني وجيز. وكان بنك الجزائر قد كشف في تقريره حول التوجهات المالية والنقدية خلال الثلث الأول من العام الحالي أن احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة سجل تراجعا حادا، حيث بلغ 159.9 مليار دولار نهاية مارس/آذار الماضي مقابل 179.9 دولارا عند نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014. وعزا البنك أسباب تراجع احتياطي الصرف بعشرين مليار دولار في ظرف ثلاثة أشهر إلى الصدمة الخارجية الناتجة عن التراجع المعتبر في أسعار النفط. وتشير الأرقام التي جاء بها التقرير إلى تراجع ميزان المدفوعات، حيث سجل عجزا قدره 10.7 مليارات دولار. وقفز التضخم من 3.9٪ إلى 5.4٪ وتراجع الميزان التجاري من فائض يزيد على ثلاثة مليارات دولار إلى عجز لامس سبعة مليارات. وفقد الدينار الجزائري 11٪ من قيمته مقابل الدولار، وفقد الصندوق الخاص لضبط الإيرادات خمسة مليارات دولار في ثلاثة أشهر. يحدث هذا في أقل من نصف العام لكون سعر البرميل من النفط تراجع بمقدار 50٪ خلال نفس الفترة. وأكد محافظ البنك المركزي محمد لكساسي أن التراجع بمستواه الحالي يبقي احتياطي الصرف في وضع ملائم لمواجهة الصدمة الخارجية، بسبب المستوى المتدني للدين الخارجي الذي بلغ 3.3 مليارات دولار نهاية مارس 2015.
لعنة الموارد لكن اقتصاديين حذروا من أن استمرار التراجع بمستواه الحالي سيؤدي إلى انهيار سريع للاقتصاد الكلي. ولفت الخبير المالي بريش عبد القادر إلى أن الجزائر تنتظر الاتجاهات الجديدة لأسعار البرنت جراء الاتفاق بين ايران ومجموعة 5+1 المعلن عنه الاثنين الماضي، والذي يسمح لطهران بضخ مليون برميل يوميا في 2016. ولم يستغرب عبد القادر في حديث للجزيرة نت تسجيل هذه الأرقام التي وصفها ب"المرعبة"، وذلك راجع برأيه إلى هشاشة الاقتصاد الجزائري، وتبعيته بنسبة 98٪ للمحروقات. وهذا دليل برأيه على فشل السياسات والبرامج الحكومية على تنويع الاقتصاد وتقليص تبعيته للمحروقات، قائلا إن "لعنة الموارد فعلت فعلتها في الاقتصاد الجزائري". ولفت إلى أن المعطيات السابقة خلطت أوراق الحكومة، وهو ما يلاحظ برأيه في تأخر المصادقة على قانون المالية التكميلي، كما أمرت الحكومة بإلغاء المشاريع المبرمجة والتي لم يشرع فيها بعد. وذكّر بمبادرة الحكومة لتقليص النفقات وتطبيق إجراءات التقشف، وهو التحدي الذي وصفه بالصعب لأن الدولة انتهجت منذ عام 2000 سياسة توسعية في الإنفاق، وتزايد حجم التحويلات الاجتماعية لتقارب ثلاثين مليار دولار، وانتهاج سياسة الأموال السهلة "لشراء السلم الاجتماعي".
غياب المنهجية وانتقد بريش ردة فعل الحكومة تجاه الأزمة التي تفتقد برأيه لمنهجية وخطة واضحة، وتجلى ذلك -حسب رأيه- من خلال التصريحات المتضاربة للمسؤولين وعلى رأسهم الوزير الأول عبد المالك سلال الذي "يصرح أحيانا بأن الوضع المالي للبلاد غير مقلق، وأحيانا يعترف بوجود أزمة". من جانبه، يعتقد الناطق الرسمي لحركة حزب النهضة الإسلامي المعارض أن التقرير يعتبر بمثابة إعلان رسمي عن الإفلاس الاقتصادي "بعد الإفلاس السياسي الذي أدخل البلاد في حالة انسداد". ويرى محمد حديبي أن إعلان بنك الجزائر عن تراجع احتياطي الصرف بنسب عالية رسالة بأن "البلد مقبل على دخول نفق وأن الأسوأ بانتظار الجزائريين". وحمل حديبي الحكومة مسؤولية الوضع، وقال إنها "لم تستمع لنداءات تطالبها باستغلال البحبوحة المالية الناتجة عن الجباية البترولية لخلق تنمية حقيقة، وعرضت مستقبل البلاد للخطر". ورصد عدة أسباب لهذه الأزمة، أهمها "انتشار الفساد في المنظومتين الإدارية والمالية التي وصفها بالمتخلفة جدا، إلى جانب تهريب العملة الأجنبية عن طريق تضخيم فواتير الاستيراد".