يبدو أن مصطلح التقشف لم يعد اليوم حبيس الاجتماعات والصالونات مثلما كان قبل أشهر ولم يعد يقتصر فقط على مجرد ترشيد النفقات مثلما كان يتحدث المسؤولون والوزراء قبل أسابيع، فمنحة النفط وانخفاض سعر البرميل إلى 46 دولارا دفع بالعديد من الإدارات والجهات المسؤولة إلى فرض إجراءات "شد الحزام" من الدرجة الأولى وفق اجتهادات شخصية وليس على أساس تعليمات مكتوبة. واقتصرت الإجراءات المكتوبة فقط على الشق المتعلق بالتجهيز حيث تم توقيف استيراد الأثاث الفاخر والسيارات وعمليات الصيانة للوزارات والإدارات العمومية في حين تتواصل عملية التضييق غير المباشر على مستوردي "الشيبس" والعجائن والعلكة وغيرها من الكماليات رغم أن وزير التجارة الجديد بختي بلعايب أكد أن حبس الحاويات في الموانئ الجافة وتعريض سلع بملايير الدولارات للتلف على غرار ما كان سائدا في عصر سابقه عمارة بن يونس لن يكون الحل.
"الشيبس" و"الميلكا" والتفاح الأخضر.. هل دخلت قائمة المحظورات؟ وكانت جولة صغيرة للاطلاع على السلع التي لا تزال محتجزة على مستوى الميناء الجاف بالرويبة بالعاصمة منذ أشهر كفيلة لكشف أن التقشف أصبح اليوم يلامس المواطن البسيط، فالسلع التي تدخل الجزائر بنفس الطريقة التي كانت سائدة سابقا هي القمح، بودرة الحليب، الذرة، الشعير والأدوية غير المنتجة محليا، في حين أن سلعا أخرى على غرار "الشيبس" الذي يباع في العلب والمستورد من إسبانيا وإيطاليا والعصائر المستوردة من إسبانيا وعلب "إيندومي" وشوكلاطه مستوردة من فرنسا والكعك المستورد من تركيا وحلويات "تيتكو" إضافة إلى كعك "conn" المستورد من إسبانيا دون سكر لمرضى السكري وآخر دون ملح لمرضى الضغط ومهووسي الرشاقة و"المايونز" وشكولاطه "ميلكا" وأدوية الراحة وهي الأدوية الممثلة في مكملات غذائية وفيتامينات غير أساسية تخضع لمنطق ادفع أكثر لتستورد. وتلجأ الحكومة منذ شهر ماي الماضي للتضييق على هؤلاء عبر فرض الجريدة التقنية للتمكن من إخراج هذه السلع من الميناء وتأخير منح نتائج التحاليل وهذا بعد تلقيها تقارير مفصلة من الجمارك تفيد بأن التفاح الأخضر على سبيل المثال يكلف الخزينة 110 مليون دولار والذي يتم استقدامه من إسبانيا في حين أن المستوردين باتوا يستقدمون حتى "الحمص المبلل" من الخارج. "الكابة" لاستيراد "الفريدون".. و"الطراباندو" لتمرير العطور الفاخرة اتصلت "الشروق" بأصحاب محلات بيع المواد الغذائية والمساحات التجارية الكبرى رغبة منها في معرفة حقيقة التقشف، فأجاب هؤلاء أن مواد غذائية كمالية شهدت ندرة خلال الفترة الماضية على غرار خلطات إيندومي التي لم تعد متوفرة إلا بداية من الأسبوع الماضي، وحتى بعض الحلويات المستوردة من تركيا والشوكلاطة الأوروبية الفاخرة وعلكة "فريدون" وأضاف هؤلاء أن عملية اقتناء هذا النوع من السلع بات يتم عبر تجارة "الكابة" أي الاقتناء من أشخاص يمررونها إلى السوق بالقطعة أو عبر طريقة "التراباندو" ودون فواتير تفصيلية وهذا بعد العراقيل التي فرضتها الحكومة عبر إجراءات غير مباشرة لتقليص عملية الاستيراد. وأضاف هؤلاء أن عددا معتبرا من السلع باتت تدخل السوق الوطنية بهذه الطريقة على غرار مواد التجميل والعطور الفاخرة المستوردة من فرنسا ودبي والسعودية وهي المواد التي تباع في السوق الجزائرية من دون وثائق.
600 سيارة نفعية و100 مركبة للمهنيين تعود إلى المصنع وبالنسبة لاستيراد السيارات والمركبات، لا يزال الجدل قائما، فرغم أن وزير التجارة وقبله وزير الصناعة أكدا أنه لا وجود لمنع لاستيراد السيارات وإنما يوجد معايير محددة يجب الإلتزام بها في الاستيراد إلا أن الردود التي تم مراسلة بها معظم الوكلاء تثبت أنه فعلا ممنوع استيراد السيارات إلى غاية نهاية السنة وحتى سنة 2016 ولمباحثة الملف اطلعت "الشروق" على مراسلات البنوك لوكلاء السيارات المعتمدين منها المراسلة الموجهة للشركة ذات المسؤولية المحدودة "سودي فام" والتي توقف استيراد 600 سيارة نفعية "فولكساغن" و100 سيارة فيات للمهنيين في ظرف ساعتين وهي مركبات عادت للمصنع.
لا أثاث فاخر للإطارات .. ولا زيادات أجور بالجوية الجزائرية وفي الإدارات لم يكن الوضع مختلف كثيرا.. فالتعليمات المتعلقة بوقف مناقصات التأثيث قد انطلقت وحتى عمليات التجهيز بالسيارات والمركبات تم تأجيلها ودراسات زيادات الأجور. وخلال اتصالنا بعدد من المؤسسات العمومية لمعرفة الوضع عن كثب، أكدت مصادرنا بالجوية الجزائرية أن المدير العام محمد عبدو بودربالة قد أوقف عمل مكتب الدراسات المكلف بدراسة زيادات أجور الموظفين الذي يشتغل منذ سنوات والمتمثل في مكتب "سيتيك" بحجة أن أرباح الشركة لم تتجاوز 100 مليار سنتيم خلال سنة 2014 وأن المبالغ ستوجه للاستثمار وليس لأغراض أخرى، في حين تلقت البنوك تعليمات تأمر بعدم تجاوز القروض الموجهة للمستوردين رأسمال المقترض بحجة التقشف. وفي سوناطراك يدرس المجمع تقليص الاستثمارات التي كانت محددة سابقا ب90 مليار دولار خلال الخماسي الجاري إلى 60 مليار دولار وبقطاع الفلاحة تم تخفيض اعتمادات الصناديق الخاصة بالاستثمار الفلاحي والمتعلقة بنقل المياه الصالحة للري ودعم النشاطات الفلاحية المرتبطة بمعاهد التكوين في المجال الفلاحي.
علي باي ناصري: الميزان التجاري في أسوأ حالاته منذ 20 سنة أكد رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين علي باي ناصري ل"الشروق" أن الوضع الإقتصادي العام الذي تشهده الساحة خلال هذه الأيام لا يبشر بالخير في ظل العجز الكبير الذي يشهده الميزان التجاري وهو ما يفرض إلزامية التقشف وتشديد إجراءات شد الحزام خلال المرحلة المقبلة من خلال تشجيع الإنتاج والإستهلاك المحلي وتخفيض فاتورة الواردات التي تبقى مرتفعة رغم كل ما تتحدث عنه الحكومة من إجراءات لشد الحزام. وأضاف ناصري أن فاتورة استيراد الشاحنات تكلف الخزينة العمومية سنويا 2 مليار دولار وهي الفاتورة الضخمة الذي قال أنه يجب مراجعتها ولا يجب أن يكون التضييق فقط على وكلاء السيارات النفعية وإنما يجب أن يشمل أيضا الحافلات والشاحنات الكبرى مطالبا باستغلال أزمة النفط لتخفيض الواردات وبناء صناعة وطنية قوية وقادرة على منح الدعم للإقتصاد الوطني مشددا على أن العجز في الميزان التجاري الذي تشهده الجزائر خلال سنة 2015 يعتبر الأسوأ على الإطلاق منذ 20 سنة ما يدعو إلى اتخاذ إجراءات جدية بدل مجرد الحلول الترقيعية.