لحوم على الهواء.. "الرخى يدهش".. اللحم الطازج ب400 دج للكليوغرام الواحد.. ولحم الديك الرومي ب230 دج للكليوغرام الواحد فقط.. أصوات تتعالى ونحن على بعد عشرات الكيلومترات عن "مقطع خيرة".. ولكن بالمقابل جيش عرمرم من المراهقين المدججين بالسيوف والخناجر يعترضون طريقنا ويهددونا بالقتل في حال أن التقطنا أي صورة عن السوق.. ف "المنطقة محظورة. يمنع على الصحافة والأمن دخولها.. كيف تجرؤون" على حد تعبير أحد المراهقين الجزارين.. "الشروق اليومي" تجرأت ودخلت السوق الفوضوي لبيع لحم الماشية بمقطع خيرة في أول أيام رمضان وصورت وكشفت ما وراء انخفاض أسعار اللحوم بسوق "مقطع خيرة".. * معارك بالسيوف والخناجر للسيطرة على ساحات العرض * * "نعاج" تذبح وتسلخ على طول حافة الطريق السريع الرابط بين بوفاريك القليعة في مذبح مفتوح على الهواء الطلق.. فبين كل كيلومتر وآخر مجموعة من الشباب المراهقين الذين لا يتعدى سنهم العشرين احتلوا أراضي فلاحية وحولوها إلى مذابح وأسواق لبيع الديك الرومي ولحم الماشية.. فالسوق الفوضوي ل"مقطع خيرة" توسع بطريقة مفاجئة لثلاث كليومترات إضافية صبيحة أمس استعدادا للحشود من المواطنين الذين يحجون إليه بحلول شهر رمضان.. * * شباب حي "قبايل".. رمضان فرصتنا لملء "الشكارة" * * الساعة العاشرة صباحا من أول أيام شهر رمضان.. الوجهة إلى السوق الفوضوي لبيع لحم الماشية والديك الرومي بمقطع خيرة.. مفترق الطرق الذي حوله الجزارون المراهقون الفوضيون لأكبر سوق لبيع لحم الماشية والديك الرومي.. وقبل أن نتجاوز مدخل مدينة دواودة نلمح طوابير سيارات مصطفة على طول الطريق السريع الرابط بين بوفاريك والقليعة.. وتجمعات في مناطق متفرقة.. إنها شبه بأسواق لبيع لحم الديك الرومي أنشئت عشية رمضان خصيصا لتخفيف الضغط الكبير الذي يشهده السوق الفوضوي لمقطع خيرة الذي أصبح أشهر من نار على علم بسبب الأسعار المتدنية للحم الماشية بهذا السوق.. مشهد علق عليه أحد الباعة بالامتداد الموسمي لسوق "مقطع خيرة" لثلاثة كليومترات إضافية.. وأغلب باعة هذه الأسواق الصغيرة هم شباب منحدر من حي "القبايل" أعلى الجبل المحاذي للطريق السريع.. شباب استطعنا أن نبدد مخاوفهم ونحاورهم لحداثة عهدهم بالسوق ليصارحونا "نحن كلنا شباب بطال من حي "قبايل" ولا يوجد في هذه الأسواق، أي بائع غريب عن المنطقة ولا نسمح بوجوده.. رمضان فرصتنا لملء الشكارة.. بطالون 11 شهرا في السنة وفي رمضان يجب أن نكسب أكبر قدر من المال ببيع الديك الرومي..". * * كثبان من ريش الدواجن.. وأراض تغطيها دماء الماشية * * وإن كانت طاولات الباعة تمثل الواجهة المقابلة للطريق السريع فإن ما تخفيه الأشجار خلفهم أعظم وأخطر.. كثبان من الريش الأبيض للديك الرومي وأنهار من الدماء ورؤوس الدواجن يتوسطها أطفال لا يتعدى سنهم 11 سنة يمتهنون مهنة ذبح الديك الرومي ونزع الريش مقابل 35 دج عن كل ديك رومي مذبوح و"مريش".. أطفال يفترض أنهم يستعدون للدخول المدرسي الذي لا يفصلنا عنه إلا 10 أيام.. إلا أن سعيد ومحمد ويونس ذس العشر سنين جميعهم تخلوا عن الدراسة وهربوا إلى أحضان كثبان الريش لربح بعض الدنانير قصد مساعدة أهاليهم في قفة رمضان ومصاريفه وملابس العيد وضرائبه.. وليس بعيدا عن هذه المنطقة الغابية مستنقعات للدماء لم تجف بعد، أوضح لنا الباعة أن تجار لحم الماشية بالسوق الفوضوي الكبير ب"مقطع خيرة" هم من خلّفها، حيث يبكرون إلى هذه المنطقة الغابية لذبح النعاج بين الأشجار ويرحلون لبيعها تاركين وراءهم بؤر المرض في مستنقعات الدم. * * * أكثر من 2000 ديك رومي يباع يوميا بمقطع خيرة * * ورغم هذه الكثبان من الريش ومستنقعات دماء الماشية فإن العشرات من المواطنين يركنون سياراتهم على حافة الطريق السريع الرابط بين بوفاريك والقليعة لاقتناء "أنثى" ديك رومي، فجميع ما يباع بهذه الأسواق الفوضوية هو نعاج وأنثى الديك الرومي الذي يعتبر أسوأ نوعية في لحم الديك الرومي.. إلا أن الإقبال المنقطع النظير الذي تشهده هذه الأسواق الفوضوية بمقطع خيرة يعكس درجة عدم وعي الجزائري في ظل تدهور القدرة الشرائية، حيث أكد لنا أحد باعة الديك الرومي الفوضويين أنه يبيع أكثر من 100 ديك رومي في اليوم، خاصة في الأيام الأولى لشهر رمضان، مضيفا أن تراجع البيع يبدأ ابتداء من الأسبوع الثاني لرمضان، ويرتفع البيع بهذه الأسواق الفوضوية عشية عيد الفطر.. وبعملية حسابية بسيطة فإن حجم ما يبيعه الباعة الفوضويون بسوق مقطع خيرة في يوم واحد يتجاوز 2000 ديك رومي و500 نعجة خاصة الأيام الأولى من رمضان. * * * حرب بالسيوف والخناجر بين الباعة.. وحظر تجول على الأمن والصحافة * * وما هذه الكثبان من الريش والمستنقعات من دماء الماشية وشبه الأسواق المنتشرة على طول الطريق السريع الرابط بين بوفاريك والقليعة إلا مدخلا للسوق الفوضوي الكبير عند مفترق الطرق بمقطع خيرة وهو السوق الفوضوي القار طيلة السنة، وما هذه الأسواق الفوضوية الصغيرة إلا أسواق موسمية بمناسبة رمضان.. ازدحام خانق في حركة السير عند مفترق الطرق بمحاذاة السوق بسبب ركن المئات من المواطنين سياراتهم على حافة الطريق السريع، فاليوم هو الفاتح من رمضان والجميع يسعى لاقتناء ديك رومي يمضي به رمضان أو كيلوغرامات من اللحم الغنمي بعد أن تجاوز سعره ال500 دج في القصابات.. أكثر من ثلاثين بائعا يحتلون المنطقة المحاذية لمفترق طرق مقطع خيرة، وبين من يعرض سلعته من ديك رومي وماشية فوق عربات تجرها الحمير، وبين من يخفيها في شاحنات صغيرة، تتم عملية التفاوض بين الباعة والمواطنين.. وبين الفينة والأخرى تنفجر مشادات بين الباعة، فطيلة تواجدنا بالسوق لمدة زمنية تقارب الساعتين شهدنا أربع مشادات تعدت إلى العراك بالأسلحة البيضاء المتوفرة بالسوق.. فالجميع جزارين ومدججين بالساطور والخناجر والسيوف التي تعددت استعمالاتها عند هؤلاء الجزارين المراهقين الفوضويين الذين حاولوا أن يعتدوا علينا بسكاكين من الحجم الكبير وتهشيم آلة تصوير زميلي المصور الذي هددوه بالقتل إن نشر أي صورة عن المقطع ومستنقعات الدماء والقاذروات التي تذبح فيها النعاج والماشية والديك الرومي بالمقطع، قائلين "هذه منطقة محظورة على الأمن والصحافة ويمنع التصوير بقوة السيف والخنجر.."، والواقع يؤكد كلامهم في ظل الغياب التام لقوى الأمن في سوق فوضوي تسيره سيوف وخناجر الجزارين المراهقين الفوضويين. * * * الفائدة في الديك الرومي الواحد من 400 إلى 500 دج * * وعن الأسعار بسوق مقطع خيرة الفوضوي، فإن سعر الكيلوغرام الواحد من الديك الرومي يتراوح بين 230 و300 دج حسب نوعية الديك الرومي والكمية، في حين قدر سعر الماشية بمقطع خيرة التي تذبح أمام الملأ وفي الهواء الطلق فوق التراب والغبار وفي بعض الأحيان تترك الماشية المذبوحة والتي أغلبها نعاج تتخبط في دمائها ونصف أعضائها الداخلية ملقاة على الأرض،بينما ينشغل الجزار الفوضوي في الشجار مع غيره من الباعة حول مكانه.. أما الفائدة التي يجنيها الباعة من الديك الرومي الواحد فتتراوح بين 400 دج و500 دج، حيث يشتري الباعة الديك الرومي حيا من الخم ب180 دج إلى 200 دج وبعد ذبحه يباع ب230 دج للكيلوغرام الواحد كأقل ثمن. * * * سوق بلدي منظم لبيع الديك الرومي.. على بعد أمتار فقط..! * * وعلى بعد أمتار من السوق الفوضوي لمقطع خيرة لبيع لحم الماشية والديك الرومي، يفتح السوق البلدي المنظم بمقطع خيرة لبيع الديك الرومي أبوابه أمام الزبائن ابتداء من الساعة الثامنة، حيث يوفر أكثر من 15 بائعا بالسوق 1500 ديك رومي يوميا مذبوحا في المذبحة المغطاة والمتوفرة على شروط النظافة والسلامة.. واختلاف الأسعار بين السوقين لا يتعدى 50 دج، إلا أن الفارق بين حجم الإقبال بين السوق الفوضوي والمنظم يبقى واضحا، فرغم كثرة الزبائن بالسوق البلدي المنظم، إلا أنه لا يماثل تعداد الزبائن بالسوق الفوضوي.