مرة أخرى تصنع الدراما العربية الحدث في رمضان في تسابق محموم بين عشرات المسلسلات وكأننا أمام سوق عكاظ جديد أو محرقة تبحث عن ملء ساعات البث الطويلة وإلهاء الناس عن صومهم أو تبديد ساعاته * والحقيقة أن كثيرا من المتلقين من المحيط إلى الخليج أضحوا يرون في متابعة المسلسلات وسيلة لا غاية، يهدفون من ورائها إلى نسيان جوعهم أو إحياء سهراتهم فتحول بذلك رمضان من شهر الطاعات إلى شهر المسلسلات! * الكلام عن الدراما سيجرّنا حتما إلى الكلام عن طغيان ثقافة الاستهلاك غير المضبوط في رمضان، فكما أن الناس يتلهفون إلى ملء موائدهم بكل ما لذّ وطاب، إلى درجة الاعتقاد أنّ أذان المغرب هو آخر عهدهم بالأكل والشراب، فهم أيضا أصبحوا يتلهفون ويتسابقون على مشاهدة أكبر عدد من المسلسلات، وكأننا بصدد امتحان سيُسألون عنه بعد نهاية الشهر الفضيل! * الدراما العربية في رمضان ليست فقط ممثلين وأبطال ومخرجين، ولكنها أيضا مال وسياسة ومصالح دول، وقد رأينا كيف أن الديوان الملكي السعودي تدخل بنفسه في اليوم الأول من رمضان لمنع عرض مسلسل فنجان الدم، على غرار دولة الكويت مع مسلسل آخر في رمضان العام الماضي، ومثلما تم أيضا عند بث مسلسل الطريق إلى كابول، وقبله فارس بلا جواد، ومسلسلات أخرى، بما يكشف أن الحكومات أصبحت مرعوبة من المسلسلات، رغم أن كثيرا منها يساهم في إنتاج تلك الأعمال وتسويقها بحثا عن إلهاء الناس! * ما يلفت الانتباه أيضا أن هذه المسلسلات أضحت أقوى من الدول والحكومات، حيث يفضّل كثير من العرب ملامسة واقعهم وتاريخهم عبرها، فنحن لم نشهد نقاشا شعبيا حول الملكية في مصر وغيرها إلا بعد "الملك فاروق"، كما أن "باب الحارة" فعل في العرب ما لم يستطع فعله أي حاكم عربي، وأصبح مشاهدوه يلتفون حول التلفزيون ويؤخرون مشاغل حياتهم وحتى صلاة تراويحهم لأجله، وكأننا بصدد تكرار ما فعلته يوما أم كلثوم بالعرب خلال الستينيات والسبعينيات، وكانت نتيجته مزيدا من الخمول والنكسات! * رمضان تحوّل إلى محرقة للمسلسلات، بعدما كان فقط لسنوات مجرد محرقة لجيوب الناس، كما أن الإنتاج الغزير للدراما من خلال تقديم 100 عمل هذه السنة بين سوري ومصري وخليجي، دليل آخر على أن العرب لا ينتجون إلا الفانتازيا، حتى أصبحنا في نهاية الأمر شعوبا خيالية وأمة من الفانتازيا!