اقتصرت مواقف الحكومات العربية من الجرائم الصهيونية المرتكبة في الحرم القدسي، على التنديد والاستنكار، فيما يواصل الجيش الإسرائيلي اعتداءاته مطمئنا بأن العرب غير قادرين على بلورة موقف موحد، ناهيك عن اتخاذ قرار قد يغضب تل أبيب. وعلى الرغم من وصول الاعتداءات على "أولى القبلتين وثالث الحرمين" يومها الرابع، واستمرار زعيم الكيان الغاصب، بنيامين نتنياهو، في تبجحه وغطرسته وتهديده بمواجهة المتظاهرين وأطفال الحجارة بمزيد من القسوة، إلا أن مواقف الحكام العرب تبقى دون ما هو منتظر. يحدث هذا، في الوقت الذي توجد فيه العلاقات بين دولة الكيان الصهيوني وكبرى الدول العربية، مصر، تطورا لافتا في الأشهر الأخيرة، ساهمت في عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء، في موقف يطعن في شرف "زعيمة العرب"، التي لطالما رفعت لواء الدفاع عن عزة الأمة. وكان أقصى ما صدر عن الدول العربية بهذا الخصوص هو التصريح الذي أدلى به الملك الأردني، عبد الله الثاني، ولقي ترحيبا من الرئيس المصري، عبد الفتاح السياسي، والذي جاء فيه: "اسمحوا لي، أن أطرح قضية أخيرة، حيث ينتابنا في الأردن القلق والغضب الكبيرين بسبب التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة في القدس، خصوصا في المسجد الأقصى، كنا قد تلقينا تطمينات من إسرائيل بأن هذا لن يحدث، ولكن لسوء الحظ، فإن هذه هي نفس التطمينات التي سمعناها في الماضي". وتملك كل من مصر والأردن علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، ومع ذلك لم تتجرأ أي من الدولتين على إبراز أي توجه من شأنه أن يشعر تل أبيب بجدية الموقف، الذي قد يصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وهو الموقف الذي يعتبر أخشى ما تخشاه دولة الكيان الصهيوني، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقاهرة وعمان، باعتبارهما دول جوار. وفي الوقت الذي كان ينتظر العرب والمسلمون من النظام المصري، أن يقولها معلنا قطع علاقاته الدبلوماسية مع تل أبيب، خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي، مكتفيا بالتنديد بممارسات الجيش الإسرائيلي، في موقف بدا وكأنه مجرد إبراء للذمة، لا يمكن أن ينطلي على ذي أنفة. وما ينطبق على مصر والأردن، ينسحب أيضا على المملكة المغربية، التي تزعم بأنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، لكن التبادل التجاري بينهما شهد أرقاما قياسية خلال العام الجاري، وهي المعلومات التي نشرها مركز الإحصاء الإسرائيلي. وإن كانت جميع الدول العربية والإسلامية وتلك التي تؤمن بالقيم الإنسانية، ومن بينها الجزائر، معنية بالتعاطي مع مأساة الشعب الفلسطيني، إلا أن المسؤولية الأكبر، تقع على الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية بدولة الكيان الغاصب، لأن بيدها ورقة يمكن توظيفها في هذه القضية، على النحو الذي يؤلم تل أبيب، وهي ورقة الحصار والمقاطعة، التي لطالما عانت منها إسرائيل، واستطاعت أن تفلت منها، عبر جر الدول العربية لاتفاقيات أسلو ووادي عربة، بدعم من القوى العظمى. التعاطي البائس لحكومات الدول العربية مع مأساة المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي، وضعها على النقيض من الشارع العربي، الذي بات الصوت الوحيد المعبر عن روح ووجدانها الضائع، في عصر حكام لا يهمهم سوى الحفاظ على عروشهم، ولتذهب القضية الفلسطينية ومقدسات المسلمين بعدها للجحيم.