الجزائر مفخرة عربية وإفريقية وعالمية في النضال.. إذا كان من عدل في العالم فلا بدّ أن يُشيّد للجزائر تمثالا في كل دولة.. إنها مدرسة لتخريج العظماء وتعليم النضال، فاستحقت أن تكون قبلة الشرفاء.. هي عبارات قوية تداولها سياسيون وأساتذة ومجاهدون، أول أمس، من المشاركين في تأبينية المجاهد الراحل جلّول ملايكة، التي نظمتها مؤسسة "الشروق" الإعلامية، بالتعاون مع جامعة الجزائر 3. فعدّد الحضور مناقب الرجل العظيم، التي يجهل عنها جيل الشباب الكثير، لتتحوّل قاعة المحاضرات "نيلسون مانديلا" بالمدرسة العليا للصحافة، إلى منبر علت فيه الخطب الثورية تارة، والإنسانية تارة أخرى، واختلطت فيها دموع رفقاء درب ملايكة مع قصص مشوقة عن حياته، ومنها ما يُكشف لأول مرة من سيرة المناضل الفذّ، الذي أنار درب الحركات التحررية عبر العالم، فتبنّى القضايا العادلة، وعلى رأسها الفلسطينية والصحراوية، مثلما ناهض التمييز العنصري بالقارة السمراء، وذاع صيته في أمريكا اللاتينية، مجسّدا لمبادئ الثورة الجزائرية المساندة للشعوب المضطهدة، إلى درجة أنّ الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يذكره في خطاباته ب "السّي جلول"، ويسأل عنه كلما حط الرحال بالجزائر، ولازم أبا جهاد وأبا نضال. وصوره الكثيرة مع رموز التحرر، من جمال عبد الناصر إلى نيلسون مانديلا، دليل على أدواره النضالية. وقد حضر احتفالية التكريم مستشار رئاسة الجمهورية محمد علي بوغازي، وسفير دولة فلسطينبالجزائر لؤي عيسى، وأول وزير أول للحكومة الصحراوية محمد الأمين أحمد، إضافة إلى عديد الشخصيات من وزراء وسفراء سابقين، ومؤرخين وإعلاميين ومجاهدين، رفقة عائلة المجاهد "ملايكة".
جلول ملايكة.. ثوري من طراز خاص ناضل في الخفاء وتوفي في صمت أمّم ثروة والده وأبى الاسترزاق من دماء الشّهداء عرضت عليه رئاسة البرلمان بعد رابح بيطاط فرفضها بورتريه: عويمر إيمان متواضع رغم مقامه.. كتوم.. يحب الانضباط.. علاقته مع الرئيس هواري بومدين كانت خاصة وحميمية ولم يبخل "الموستاش" في استشارته.. أعلن عن تولي الراحل رابح بيطاط رئاسة أول برلمان في الجزائر.. ورفض توليه بعده.. كما رفض العلاج أثناء مرضه بفرنسا والبرتغال درءا لسمعة الجزائر.. فتح أبواب بيته ببولوغين لسماع انشغالات الجزائريين.. وتجاهل عروض السكن بأرقى أحياء العاصمة لسبب أن أرامل الشهداء كانوا يسكنونها.. عشقه الراحل ياسر عرفات وزعماء القارة الإفريقية بعد أن أخذ على عاتقه المساهمة في تحرير شعوبها.. لقن أولاده أن العلم هو السلاح ولم يكن يخبرهم بمهماته السرية أثناء الثورة التحريرية وبعدها، ويسمعون أخباره في شاشات التلفزيون، هو الذي قال فيه الرئيس بوتفليقة يوما: "يحضرني في هذه القاعة رجل أكن له كل الاحترام والتقدير وله مكانة خاصة في قلبي ووجداني، لأنه يوجد بيننا أسرار في تكوين الدولة الجزائرية، إنه حاضر في القاعة أحب من أحب وكره من كره إنه جلول ملايكة". في بيته العتيق بحي بولوغين بالجزائر العاصمة الذي كان شاهدا على حكايات وأسرار رجل من رجالات الثورة، يروي أبناء المجاهد جلول ملايكة ل"الشروق" مسيرة أبيهم بكل فخر واعتزاز لرجل ترك بصماته من ذهب، لكن لم تأخذ حقها في المعرفة من الأجيال، رغم أنه شكل حقبة تاريخية يشهد لها الصديق والعدو. تواضع وأخلاق جعلا الرؤساء يتهافون للجلوس معه هو المجاهد الراحل جلول ملايكة الذي ولد في 17 سبتمبر 1928، بوادي العلايڤ بالبليدة، من عائلة محافظة ميسورة الحال، ساعدته على حفظ القرآن في سن مبكرة، فوالده كان مالكا لأراض فلاحية خصبة بالمتيجة، ومن التجار الكبار في البليدة، مختص بتصدير الجلود والفواكه بالإضافة إلى امتلاكه محلات تجارية وساهم في تأميم ثروة أبيه لاحقا. ملايكة ومنذ نعومة أظافره، كان متواضعا، وبأخلاق إنسانية كبيرة ونضج سياسي رفيع وبشهادة من عاشروه، فلم يبلغ 16 سنة حتى كان معروفا لدى السلطات الفرنسية، ففي عام 1944 وهو شاب في مقتبل العمر، كانت لديه اتصالات مع عدة مناضلين ومن بينهم أحمد يحياوي من البليدة، وكذا مرافق أحمد بودا، وبلوزداد من بلكور، ألا وهو المرحوم تازير باشا الذي وافته المنية مؤخرا. شاب هادئ يتاجر صباحا.. وكاتب على الجدران للمطالبة بالاستقلال ليلا مجازر 8 ماي 1945 أثرت في المجاهد جلول ملايكة وجعلته ينخرط ضمن حزب الشعب الجزائري في سرية، ففي النهار كان ذلك التاجر الشاب الهادئ بطبعه، أما في الليل فيقوم بتوزيع المنشورات والكتابة على جدران المدينة العبارات المناوئة للاستعمار والمنشدة للحرية والاستقلال. ولم يتوقف الأمر على هذا النحو، إذ فور اعتراف السلطات الفرنسية بالوجود القانوني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية "MTLD"، انخرط المجاهد الراحل ملايكة ليكون على رأس قائمة المترشحين للانتخابات المحلية ببلدية وادي العلايڤ. وبدأت الشرطة الاستعمارية بمراقبة تحركاته بعد أن فتحت له ملفا لدى شرطة البحث والتحري، ولقد تم توقيفه واعتقاله عدة مرات بعد الانتخابات المحلية، وكان يطلق سراحه كل مرة، لأن مرافعات محامي الراحل حميد ڤسوم كانت مؤسسة قانونا لكون ملايكة كان يناضل ضمن حزب معتمد ومعترف به قانونا. تأثر بروح البريطانيين في بناء وطنهم بعد الحرب العالمية عند سفره إلى بريطانيا عام 1949م كان يقوم جلول ملايكة بتصدير تجارته، إذ تأثر بالروح الوطنية التي كانت لدى البريطانيين في إعادة بناء وطنهم بعد دمار الحرب العالمية الثانية. وأدرك حسب شهادات أولاده أن الاحتلال الفرنسي لن تقتلع جذوره إلا بالقوة، واستمر في نضاله إلى أن اندلعت ثورة نوفمبر، التي كان يقول الراحل جلول ملايكة "أن أول نوفمبر 1954 كان كوقع هزة أرضية، أربك قوات الاحتلال الفرنسي". وفي خضم هذه الاعتداءات تم اعتقال جلول ملايكة عام 1955، بتهمة المساس بالأمن القومي الفرنسي، رفقة سعد دحلب وتم نقلهما إلى فيلا محي الدين بالجزائر العاصمة، ولقد التقيا هناك بالمناضلين الذين تم اعتقالهم على المستوى الوطني ومن بينهم أحمد بودا ويحياوي وغيرهم. ومن بين ما ذكر المرحوم ملايكة أنه خضع رفقة دحلب إلى عملية استنطاق ليل نهار من طرف ضباط الاحتلال وهما "توران" و"كازناك" وتم إطلاق سراحهما بعد يومين. وفي بداية 1955 اتصل المجاهد الراحل سويداني بوجمعة بالراحل جلول ملايكة، وأصبح مسؤولا عن قسم من إقليم متيجة إلى جانب كل من مختار كريتلي المدعو الشيخ بن يوسف، وشرع في استقدام المناضلين السياسيين الشباب والفدائيين بالبليدة وما جاورها من مناطق، وهو ما جعل الراحل جلول ملايكة يقظا في تحركاته ولا ينام بمنزل والده إلى أن تم إخباره أنه محل بحث لدى السلطات العسكرية الفرنسية، مستكملا نشاطه السري باستقدام عناصر الفدائيين في كل إقليم البليدة والمتيحة، وكان لا ينام مرتين في مكان واحد. واستطاع الصعود إلى جبهات القتال عدة مرات للتنسيق وتبادل المعلومات مع المجاهد العقيد أوعمران والمجاهد عبد الكريم المدعو مونفرير. ولقد تم تصعيد العمليات العسكرية بعد أن تم تنظيم وهيكلة البليدة، التي كانت تتميز بوعي سياسي ناضج، وقام كل من جلول ملايكة، عابد محمد بلقاسم، القائد أحمد لينتران، الأخوين دايدي، وعدة مناضلين جميعهم بعمليات عسكرية ضد ضباط فرنسيين، بوضع قنابل في المطاعم. وما ميز مسيرة جلول ملايكة هو حنكته وسرعة التنسيق المتواصل مع المجاهدين والمناضلين الآخرين، ولم تتمكن سلطات الاحتلال التعرف على مكانه وهو الذي جعل مخبأه في محل تابع للسيد المجاهد، محمد ترشين، وكان مركزا للاتصال مع كل من لينتران، بليمان، مصطفى بن شرشالي، محمد زيدان، هذا الأخير الذي كان مسؤولا في بوفاريك ومن بين الحاصلين الأوائل على شهادة البكالوريا. ولقد تم توقيف لينتران وبليمان وخضعا لأبشع طرق التعذيب من أجل الإقرار بمكان مخبأ جلول ملايكة، ورغم التعذيب الكبير لم يقرا بذلك. ولم تسلم عائلة ملايكة التي خضعت لكل أشكال العنف والضغط والتهديد والضرب، وبالرغم من تشديد الخناق على كل منطقة البليدة، تمكن الرجل من إرسال ونقل 40 بندقية في سيارة أحمد الهواري، إلى أن تم تخبئتها في منزل بن شرشالي ليسلمها إلى ضابط جيش التحرير المسمى "قدور المعسكري" في بوركيكة. تأثر جلول ملايكة اثر استشهاد سويداني بوجمعة في 17 أفريل 1956 وبن شرشالي في نهاية عام 56 19، الأمر الذي أدى به رفقة كريتلي إلى تنظيم صفوف أعضاء جيش التحرير، لكن كرتلي إستشهد، وكان في معتقد الاحتلال الفرنسي أنه بسقوط سويداني بوجمعة وبن شرشالي وكريتلي سيتم استئصال الثورة وإطفاء شعلتها، إلا أن سلطات الاحتلال تفاجأت بتأجيج وتزايد العمليات الفدائية. وجاء مؤتمر الصومام الذي هيكل وضم كل محاور الثورة، وتحولت المنطقة الرابعة إلى الولاية الرابعة، تم تعيين جلول ملايكة، كمكلف بمهمة على مستوى مجلس الولاية من أجل مضاعفة العمليات العسكرية. ملايكة كشف انبهار عبان رمضان بذكاء بوتفليقة ويروي أبناء الراحل ملايكة علاقته الخاصة والحميمية التي كانت تميزه بالراحل هواري بومدين، الذي كان يفرده بثقة عمياء منذ أن عرفه سنة 1956، عندما ذهب رفقة الكولونيل سليمان دهيلز، وبوصوف وبوداود وعبد العزيز بوتفليقة، والتقوا في الحدود مع المغرب، وتقول الشهادات أن بومدين كان يكلفه بعدة مهام من نوع خاص في ملف الحركات التحريرية، حتى أنه كان يأخذ برأيه في بعض المواقف على رأسها الملف الفلسطيني. ويكشف ملايكة لأبنائه أن بوتفليقة وعند التقائه مع عبان رمضان، انبهر الأخير بالنضج السياسي الذي كان يتمتع به بوتفليقة، وقال أن عبان رمضان ربت على كتفه، وبأنه سيكون له مكانه في الجزائر المستقلة، وهو ما حصل عندما أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والرياضة بعد 1962. لقد أكد دوما جلول ملايكة، في لقاءاته الصحفية القليلة أن الجزائر فتحت أبوابها مباشرة بعد الاستقلال لحركات التحرر لأنغولا، جنوب إفريقيا، الموزمبيق، غينيا بيساو، إلى جانب ساو تومي وبرانسيبي، كما أكد أن الجزائر رفضت إقامة علاقات دبلوماسية مع نظام "سالازار" بالبرتغال واستقبلت أحزاب المعارضة. وتحصل على أعلى وسام استحقاق من دولة البرتغال في 23 فيفري 2010. ولعل أهم القضايا التي دافع عنها القضية الفلسطينية، وأكد على وحدة الصف حتى أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حرص على الطلب من بومدين لحضور جلول ملايكة الاجتماعات التي تعنى فيها فلسطين، حتى أنه ساهم بفتح أول مكتب لحركة فتح في العالم الذي كان بالجزائر، وقدم جوازات سفر للجزائريين للذهاب إلى فلسطين، وساهم في عقد مؤتمرات عالمية في الجزائر تأييدا لفلسطين. كما استقبل نيلسون مانديلا، لكنه كان متحسرا لعدم افتكاك الصحراويين لاستقلالهم من المغرب، وكان مؤمنا أنها قضية عادلة. رفض فيلات في حيدرة.. وأجبر أولاده على التصويت على الأفلان ويروي أبناء المجاهد طيبة الأب وحنانه، وخاصية التواضع التي كان يتميز بها، واستقباله للمواطنين في منزله واستماعه للشكاوى، خاصة تلك القادمة من أبناء الشهداء والأرامل، ولا يحس أنه مسؤول إطلاقا، وتقول ابنتاه هجيرة وسميرة بأنه "كان المربي الحكيم، يقسو ويرحم ويشتد ويلين"، فكانت الجزائر فوق كل اعتبار، حتى أنه لم يقدم يوما امتيازات لأبنائه سواء سكنا أو وظيفة، ويتحدى أولاده أن يثبت أحد أدلة بأخذه امتيازات، حتى أنه قبل التحاقه بفيلا ببولوغين سنة 1978 عرضت عليه عدة عناوين للسكن في أرقى أحياء العاصمة بحيدرة وكان يرفضها عندما يعرف أنها تعود لأرامل الشهداء، تضيف شهادات أولاده بأنه كتوم في عمله، حتى أن اتجاهاته واستقباله من طرف الرؤساء كانوا يشاهدونها عبر شاشات التلفزيون، لأن أغلب مهامه كانت سرية. وتروى إحدى بناته أنه كان يعشق حزب جبهة التحرير الوطني حد النخاع، وكان يجبر أولاده على التصويت عليها في كل الانتخابات.. ويروي أفراد بينهم أخوه وولده عبد الإله ملايكة أنّ الرّاحل بدأ بثروة العائلة خلال الثورة الزراعية فقام بتأميمها. وتروي أنه توفي بالجزائر رافضا حتى العلاج في فرنسا وعرضا جاءه من البرتغال، رغم أنه عانى كثيرا في أيامه الأخيرة.. بعد أن أنهكه المرض لتوافيه المنية في 27 أوت الفارط عن عمر يناهز 87 سنة. ممثل المدير العام لمجمع "الشروق" علي ذراع: نحتفي بعظماء الأمة لإنارة درب الشباب والمجتمع أكّد علي ذراع، ممثل المدير العام لمجمع "الشروق"، أن سياسة المؤسسة قائمة على تحديد معالم الطريق للشباب والمجتمع، من خلال إحياء ذكرى الرموز والتعريف بمسيرتهم. وفي حديثه عن مناقب الفقيد، قال ذراع: "... جلول ملايكة عظيم، لأنه ضحى بشبابه من أجل الجزائر، وكان لا ينام من أجل القضايا العادلة"، مضيفا: "كان ينادينا ونحن في حزب جبهة التحرير الوطني ليلا نهارا لحل مشاكل شباب وفصائل حركات التحرر"، حتى لقّبوه بأبي القضية الفلسطينية". وأعلن المتحدث أن مؤسسة "الشروق"، وعلى رأسها المدير العام علي فضيل، تتعهّد بنشر كل الشهادات عن هذه الشخصية الفذة وغيرها من الشخصيات الوطنية.
نائب رئيس جامعة الجزائر 3 علي عبد الله: على الجامعة أن تبرز سيرة الكبار ليستلهم منها الطلبة اعتبر أن تعاون جامعة الجزائر 3 مع مجمع "الشروق" الإعلامي، هو مساهمة في الاحتفاء بشخصيات صنعت تاريخ الجزائر، مؤكدا أنها ستكون تقليدا عريقا، يُبرز إسهامات عظمائنا إبان ثورة التحرير وبعدها، لينهل ويستلهم الطلبة القيم من تاريخ بلدهم. وعن المجاهد المحتفى بأربعينيته، قال: "الراحل ملايكة شخصية فذة، خدم الجزائر وشعوب العالم بتفان وإخلاص". محمد علي بوغازي: شبابنا في حاجة إلى استحضار مناقب المجاهدين أثنى المستشار لدى رئاسة الجمهورية، محمد علي بوغازي، على مناقب المجاهد الراحل جلول ملايكة، وقال إن المجاهد الكبير ترك بصماته في الجزائر والخارج، من خلال مساهمته في تشجيع حركات التحرر في العالم. وأضاف بوغازي أن الشباب الجزائري في حاجة إلى استرجاع بطولات هؤلاء الرجال، الذين نجحوا وأبانوا عن قيمة أخلاقية ساهمت في نجاح الثورة الجزائرية، وتشجيع الكثير من حركات التحرر في العالم، مؤكدا: "وجب التعلم من تاريخ هؤلاء الأبطال ليقتدي به شباب اليوم". ودعا بوغازي الشباب، خاصة الطلبة الحاضرين بمدرج "نيسلون مانديلا"، إلى التعلم من نضال المرحوم جلول ملايكة، لأننا "في وقت عصيب يشهد فيه العالم اضطرابات كبيرة". الباحث لحسن زغيدي: ملايكة كان كتوما وكثير السماع يقول الباحث الجامعي محمد لحسن زغيدي في شهادته حول جلول ملايكة:"عرفت الرجل متواضعا، كتوما، قليل الكلام كثير السماع، لكن الله فتح قلبه وأطلق لسانه"، فهو مجاهد ينحدر من جيل وقواعد ووضع خاص، برهن على أن الجزائر ولدت من جديد طيلة مسيرته النضالية، وظهر رفقة بعض شباب جيله ورفقائه كنجوم ينيرون بفكرهم الوطن، لافتا إلى أن الرجل كان صاحب القضايا الإنسانية .
سفير دولة فلسطين لؤي عيسى: ملايكة تحرّك لتحرير ياسر عرفات من حصار أيلول الأسود بكلمات حماسية وثورية، ألهب سفير فلسطينبالجزائر قاعة نيلسون مانديلا بمداخلته، فحسبه"عندما يأتي الحديث عن الجزائر يقف الفلسطينيون وقفة خاصة، فالجزائر تعرضت لاستعمار عنصري استيطاني، تصدّت له هامات كبيرة مثل بوعمامة، المقراني، الزعاطشة، لالة نسومر، ابن باديس... وصولا لأيقونة أمتنا العربية والإسلامية ثورة التحرير التي وحّدت المفاهيم والمواقف، فكان نصر الجزائر الذي ألهم دول العالم المضطهدة"، وعن مناقب المجاهد الراحل، ذكّر السفير بدروب منيرة في سيرة الرجل، فقال عنه"هو بطل المقاومة، التقيت به في بيروت، كنا أشبالا ومقاتلين نجلس مع البطل أبو عمار، مساره يعكس تاريخ الجزائر، فملايكة له دور في فتح أول مكتب لفلسطينبالجزائر، وكان يتعامل مع قائدنا الشهيد أبو جهاد"، وأثنى السفير على دور الجزائر في مساندة المقاومة الفلسطينية، مؤكدا"كنا نتلقى تسهيلات وتُفتح لنا مخازن السلاح في الجزائر، نختار ما نشاء من الأسلحة، والجزائر دربت الشباب الفلسطيني، وكانت تتحرك مع الفدائيين بقواعدهم الخارجية، جلول ملايكة تحرّك في الأردن لإخراج ياسر عرفات من حصاره هناك، في أعقاب أحداث أيلول الأسود، كان موجودا في اجتماعات مجالسنا الوطنية بالجزائر"، ليختم المتحدث مداخلته بالقول"الجزائر كانت دوما عنصر وحدة وليست عنصر انقسام". الوزير الأول الأسبق للحكومة الصحراوية محمد الأمين أحمد: ملايكة أزعج الحسن الثاني فشكاه للرئيس بومدين أكّد العضو السابق للأمانة العامة لجبهة البوليساريو أن المرحوم جلول مْلايكة كان من أشد المتحمسين لقضية الصحراء الغربية، أما على الصعيد الإفريقي، فقال "جلّول سافر إلى العديد من البلدان الإفريقية كغينيا بيساو وغيرها من الدول الإفريقية التي نالت استقلالها، ولا زالت تحتضن صوره في مقراتها الرسمية ومتاحفها مع زعمائها ورؤسائها"، وذكر الوزير الأول الأسبق أن الحسن الثاني قال في إحدى المرّات للرئيس هوّاري بومدين"جلول مْلايكة تعّبْنا" إشارة إلى الدور والعمل الجاد الذي قدمه الراحل لمساعدة الشعوب المحتلة. كمال بوشامة: دخلت القدس بهوية مزورة وبأمر من ملايكة قال الوزير والدبلوماسي الأسبق كمال بوشامة، إن ملايكة كان يمتاز بالشهامة والأنفة "فرنسا تحتفي بالرجل القوي الذي كان يحرك إفريقيا المدعو"فوكار"، وملايكة هو فوكار الجزائر"، لأنه أبو حركات التحرر في العالم، لدرجة أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يناديه ب"سي جلول"، مؤكدا أن أول شخص يسأل عنه عرفات عند القدوم للجزائر هو ملايكة. ذكر الوزير الأسبق، أن جلول مْلايكة كان يحرص أشدّ الحرص على التكفل بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية عندما يأتون للجزائر للمرور إلى العواصم العالمية، وكان ملايكة حسب بوشامة يوصيهم بالتكفل التام بأعضاء الوفد الفلسطيني من جميع الجوانب حتى انتهاء مهامهم، وكشف السفير السابق أنه دخل القدس في مهمة سرية بهوية مزورة وبأمر من جلول ملايكة، حينما كان يرأس مكتب دعم حركات التحرر(65/77). شرار عبد القادر: ملايكة رفض رئاسة البرلمان بعد بيطاط قال البرلماني السابق شرارة عبد القادر إن جلول ملايكة كان مجاهدا فذا، ذاع صيته في جميع أصقاع العالم، "والدي أوصاني عند دخولي غرفة البرلمان أن أقبل رأس المرحوم ملايكة ورأس المجاهد العربي دماغ العتروس". ذكر عبد القادر أن المجاهد الراحل كان بمثابة المدرسة التي ينهل منها جيل ما بعد الاستقلال،"الكثير من شباب تلك الفترة كان متهورا، لكن عندما نلتقي بالمجاهد الكبير ملايكة، كان يعرف كيف يخمد فينا تلك الثورة والأفكار التي اعتقدنا أنها الأصح، وكان يقول لنا لم يحن وقتها بعد"، وفي السياق كشف المتحدث ملايكة رفض أن يأخذ مكانة رابح بيطاط بعد استقالته من رئاسة البرلمان، وقال"لا يمكن أن أجلس في مكان مفجر الثورة".
شقيق جلول ملايكة: رفضنا السيارات والسكنات الممنوحة للمجاهدين أشاد الطيب ملايكة بأخلاق شقيقه، فقال عنه: "لم يهتم أبدا بتجارته، السياسة شغلته منذ صغره.. وكان يقول لنا: جاهدت في سبيل الله والوطن وليس لتوريث عائلتي". وأكد الشقيق أن جلول لم يكن يملك مكتبا في الجزائر رغم أهمية أعماله، بل يجتمع بزملائه بمنزله، "وكان يرفض كوطات السيارات والسكنات التي تقدمها الولاية للمجاهدين". الدكتور إسماعيل دبش: ملايكة كان مرجعيا في الكتابة عن العنصرية ركز إسماعيل دبّش، في مداخلته، على التشجيع الذي لقيه من ملايكة أثناء إنجازه كتابا عن العنصرية في جنوب أفريقيا، فيقول: "تمّ توجيهي إلى جلول ملايكة الذي لم أكن أعرفه شخصيا، فزرته بمنزله بباب الوادي في 2010 واستفدت كثيرا من خبرته". وتحدث دبّش عن مبدإ الجزائر في نبذ العنصرية: "ساهمت في ذلك بطرق علنية وسرية، وتحت الإشراف المباشر للرئيس هواري بومدين". وختم تدخله بالتحسّر على وضع الشعوب العربية الحالي: "ليست ثورات وإنّما العرب يقتلون بعضهم البعض والغرب يتفرج". محمد عباد: ملايكة ينبذ الذاتية وتصفية الحسابات قال رئيس جمعية مشعل الشهيد، محمد عباد، إن ملايكة كان يتميز بخصال وأخلاق رفيعة، جعلته محترما من الجميع، سواء في عمله أم محيطه، "جمعيتنا كانت دائما تستدعيه إلى المشاركة في مختلف نشاطاتها". وأضاف عباد أن ملايكة كان يستجيب للدعوات التي تصله من طرف الجمعية، حيث يقدم مداخلاته وشهاداته بعيدا عن تصفية الحسابات، حيث "تصريحات ملايكة كانت تدعو إلى لمّ الشمل والابتعاد عن التفرقة". وناشد عباد السلطات إطلاق اسم المجاهد الراحل على مؤسسات عمومية. عيسى الباي محمود: عبقرية ملايكة جعلته رجلا عالميا يصف عيسى الباي محمود، رفيق دربه المجاهد جلول ملايكة، بالرجل العظيم وصاحب العبقرية، التي أوصلته بفضل تواضعه والاستمرار في النضال من ميدان إلى آخر، حتى أضحى معروفا على المستوى الدولي، مع حركات التحرر التي كان مسؤولا عنها، وأشرف على تكوين قادتها، حيث كان شخصية بارزة له بصمات في موزمبيق وجنوب إفريقيا وغينيا بيساو والرأس الأخضر. وأشرف على التعامل مع رجال شامو رامامس ولويس كابران. وخاض رفيق درب المجاهد في مساهمة ملايكة بعد انتشار الحركات المناوئة للثورة التي سعت الشرطة الفرنسية من خلالها إلى التقسيم ونشر البلبلة في مناطق الميزابيين، وأثنى عليه مطولا في شهادته واصفا إيّاه بأنه ذو فكر واسع وثقافة اكتسبها من نضالاته، "وساهم سي جلول في نشر الثورة خاصة في الجهات التي كان مسؤولا عنها في وادي العلايق، رفقة مجاهدين ساروا على نهجه".
محمد بوعزارة: رؤساء العالم كانوا يتهافتون إلى الجلوس مع ملايكة اختار الإعلامي محمد بوعزارة توصيف المجاهد الكبير جلول ملايكة بالصورة الجميلة التي يذكرها العالم، وهرم الحركات التحريرية، حتى إن الرؤساء كانوا يتهافتون إلى الجلوس معه ويؤكدون أنه "أبو الجميع"، كيف لا والمجاهد جلول ملايكة ظل الزعيم الذي ساهم في صناعة الكثير من الرجالات والرؤساء التحريريين ويبقى التاريخ شاهدا عليهم.
صالح عوض: ملايكة نصحني بالانضباط لتحرير فلسطين "التقيت الراحل المجاهد جلول ملايكة في أواخر 1988، عندما كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوجّها، وأوصاني ملايكة بإلحاح أن الانضباط والالتزام في الثورة هو سر الانتصار إن أراد الفلسطينيون تحرير بلادهم". هذا ما قاله الكاتب الفلسطيني صالح عوض. ويرى الكاتب عوض أن المجاهد الكبير جلول ملايكة أحد وجوه الثورة التحريرية التي كانت ثورة الريف والمدينة والجبل، بينت للعالم بفضل قادتها أنها ثورة من أجل الإنسانية يحق للعرب الافتخار بها، ولم تكن لها أجندة خاصة مع قضايا التحرر.
المجاهد عبد القادر نور: "الشروق" نموذج للمؤسسة الإعلامية التي تساهم في تنوير الشباب اعتبر المجاهد أن ملايكة رجل عظيم كان يعمل في صمت وتواضع كبير، وهو صديق الجميع. ووجّه المتحدث كلمته إلى مؤسسة "الشروق" الإعلامية: "ليست المرة الأولى ولا العاشرة ولا المئة التي تقدم فيها "الشروق" هذه الشخصيات. وقد ساهمت في تنوير الشباب بفضائل سابقيهم منذ أن كانت جريدة فقط، فهي تقدم وتكرم نماذج في كل المجالات، من مجاهدين وعلماء ودعاة ورجال سياسة، فشكرا جزيلا يا شروق". * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *