لقد شعرت بالأسى وربما انتاب هذا الشعور الكثير ممن قرأ مقال نور الدين بوكروح تحت عنوان "أرض الله واسعة" الذي نشرته صحيفة "الشروق" بتاريخ 04 أكتور 2015 مترجما عن اللغة الفرنسية التي يكتب بها وبالطبع لا يفكر إلا من خلالها، وتأسفت لما جاء فيه من أحكام باطلة وكاذبة عن المسلمين واستهانة بهم لدرجة تجريدهم حتى من انسانيتهم وتعميم ذلك على جميعهم دون استثناء، وخصهم بتهمة عدم شعورهم بالقيم النبيلة اتجاه المسيحيين إذا أصيبوا بنكبات عندما قال: "التكفل باللاجىء المسيحي الفار من بلاده المنكوبة فكرة لا تخطر على بال المسلم بل لا وجود لها حتى في خياله".. ولا أدري كيف سمحت له نفسه وطاوعته على هذا الافتراء على جميع المسلمين، وهو المتشدق والمدعي الموضوعية؟ فأين هي الموضوعية في هذه التهم الباطلة؟ كما أنه لا يتوان في تعميم الأنانية على جميعهم عندما يقول:"لو تمكنوا من ذلك - يقصد لو نظر المسلمون بنظرة أخرى إلى الأمور- لأتيح لهم الوقوف على حجم ظلمهم وأنانيتهم ومقدار بُعدهم عن المشاعر الانسانية"، وهو الذي لو نظر بعين منصفة لأدرك أن الآلاف من اللاجئين الأفارقة المسيحيين الفارين من بلدانهم إلى بلدان المسلمين قد فتحت لهم أماكن الإيواء في تلك البلدان التي يسكنها مسلمون دون النظر إلى انتمائهم المسيحي، فكيف يمكن أن نفهم قوله:"هل يمكن أن يصدر مثل هذا الصنيع الإنساني عن المسلمين الذين يمثل الدين عندهم المقياس الوحيد للتمييز بين الناس؟" إلا قلبا للحقائق، ولم يتوقف عند هذا بل يتمادى في اتهامهم جميعا برفض التقدم"الحضاري" والعلمي، وهذا ادعاء كاذب بلا أدنى شك، فكل هذه الاتهامات تدفعنا إلى التساؤل عن الدوافع الحقيقية والنوايا التي يحملها نور الدين بوكروح تجاه عامة المسلمين؟ لا أدعي أني أملك مهارة لتحليل نفسية بوكروح بأدوات وأساليب المحللين النفسانيين تجاه مرضاهم ولا أزعم أن الله أطلعني على ما يخفيه من نوايا سيئة تجاه المسلمين عامة، إلا أنه بإمكاني- وإمكان أي متتبع لمقالاته- أن يتهمه بأنه يريد أن يتسلق- بالمبالغة في نقد المسلمين والذين يصفهم بالإسلامويين خاصة- إلى نيل وسام المفكر"الشجاع" الذي لا يخاف مواجهة الأفكار والعقائد السائدة في المجتمع الإسلامي التي يراها هي السبب في تخلف المسلمين وتخبطهم بل لا يبالي حتى في خرق إجماع المسلمين الذي استقر من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وفي جميع أقطارهم وهو الإجماع على ترتيب سور القرآن في شكله الحالي، وسواء قيل إنه أمر توقيفي تعبدي أم اجتهادي من الصحابة رضي الله عنهم . وقد ذكرني تهجمه هذا والتوسع في وصف المسلمين بالمتخلفين الرافضين للتقدم وأنهم جهلة كما قال "فإلى أين سيستمر هذا الجهل المقدس؟" وأنهم مجانين عندما قال "وماذا عسى أن يداوي سقم الجنون الإسلاموي؟) وأنهم أصحاب عنف و"علم قديم"، فكل هذا وغيره ذكرّني بحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال"من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، ولو أردت التعسف في تحديد من يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بناء على اجتهادي الخاص، لقلت إنه كان يقصد نور الدين بوكروح شخصيا، فلا شك أن سبب هلاكه ناتج عن نظرته الإستعلائية للأخرين واحتقاره لهم وهو يشبه في نظرته هذه واستعلائه عليهم بنظرة واستعلاء العنصر الأبيض للسود في أمريكا وجنوب إفريقيا في الماضي القريب. فلم ألاحظ في غالب كتاباته عن نقائص المسلمين وسلبياتهم من وجهة نظره أنه تنتمي إليهم شعوريا أو أنه يتأسف لتحمله ما يترتب عن نقائصهم تجاه غير مسلمين، بل لم أراه استعملت مرة واحدة ضمير الجمع (نحن المسلمين)، وهو يقارن مساوئهم بمحاسن المسيحيين كما يزعم، فمن شروط الانتماء للمسلمين شعوريا والتأثير فيهم ليتركوا أسباب تخلفهم أنك تأسف لحالهم وتنصح لهم برفق وتشد على أيديهم أيها المدعي إصلاح أحوال المسلمين لا أن تقصفهم صباحا ومساء، شرقا وغربا، جماعات وأفراد بالباطل وتتحامل عليهم بدون مبرر. اسمح لي أيها الأستاذ أن لا أعتبرك مؤهلا أو مخلصا لإصلاح حال المسلمين ومن تسميهم الإسلامويين في السياسة والفكر أو المساهمة في تحويل ضعفهم إلى قوة وتخلفهم إلى تقدم، خاصة إذا علم الجميع أنك خصم سياسي لهم، فلم تعد ترى المسلمين في العالم وتحلل أوضاعهم و تحكم عليهم إلا من زاوية الخصومة التي تحملها لمن تعتبرهم بالإسلامويين، فلا هم لك إلا الانتقاص منهم وانتقادهم والتحالف مع أعدائهم في الداخل والخارج، فيبدو أنك لم تستطع نسيان رفض الشعب الجزائري المسلم منحك مكانة في السياسة في انتخابات 1991 في مقابل أعطاها لشخص مغمور من التيار الإسلامي، كما يبدو أيضا أنك لم تتجرع رفض الشعب الجزائري المسلم منحك منصب رئيس الجمهورية عندما ترشحت له في سنة 1995 ومنحه لغيرك، إذا كنت تعتبرها حرة ونزيهة، أما إذا كنت تعتقد أنها كانت مزورة لصالح من اختاره المزورون وأنت تعرف من أقصد فلتكن لك الشجاعة وتعترف أنك خنت زعمك حمل أمانة الإصلاح السياسي، فالتجريح والشتم واحتقار عامة المسلمين لا يمكن أن يكون برنامج إصلاح أو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمسلمين إلى ما هو أفضل وأحسن. كما بدى لي من قراءتي لمقالك ملاحظة أخرى أكثر خطورة، وهي مدحك للمسيحيين لدرجة تشويق الناس لاعتناق المسيحية. فهي عندك تحمل قيم نبيلة وإنسانية وتحسن حتى للمخالفين لها في الدين كالمسلمين مثلا ، وأكاد أجزم أنه لو قدم لي مقالك مع إخفاء اسمك وطلب مني تحديد الانتماء الديني لكاتب هذا المقال، لما ترددت لحظة في الحكم عليه بأنه مسيحي يمجد مسيحيته وينشر فضائلها في مقابل انتقاد المسلمين والازدراء بهم، فمن حقي أن أشك في نواياك عندما ذكرت المسيحية ثماني مرات مدحا في مقابل ذم المسلمين طوال المقال، باستثناء ما ذكرته من موقف الأمير عبد القادر من المسيحيين في سوريا، فكيف أفهم قولك: "من المفيد أن نبحث في أحداث الساعة عما بقي لنا من فضائل دينية خاصة في معاملتنا للأخرين وعلاقتنا بهم، لقد وجدنا تلك الفضائل أكثر انتشارا في البلدان المسيحية"، إلا أنك تريد التسويق للمسيحية والترويج لها، خاصة لعدم وجود مبرر وصف البلدان الأوروبية بالمسيحية مع أن تلك البلدان لا تريد ولا تصف نفسها بالأوصاف الدينية لأنها دول لائيكية وعلمانية. وكيف أفهم قولك:"ولم تسلم الكنيسة الكاثوليكية من موجة التأثر التي فجرتها حادثة ذلك الكردي الوديع، فالمعروف عن البابا الحالي صورة عن سلفه القديم _ سان فرانسوا داسيز- إذ يتلخص اتجاهه في العودة إلى فضائل المسيحية الأصيلة أي الرحمة والإحسان، وهكذا وجه نداء إلى كل المسيحيين في العالم إلى دق النواقيس وفتح قلوبهم وأحضانهم وأبواب بيوت الله للاجئين" في المقابل أنكرت هذا السلوك عن المسلمين عندما تساءلت قائلا "هل يمكن أن يصدر مثل هذا الصنيع الإنساني عن المسلمين؟". أنا لست في هذا الرد بصدد انتقاد المسيحيين أو التطرق إلى ما يفعلونه من خير أو شر تجاه المسلمين، إنما قصدي فقط معرفة مبررات تمجيد الأستاذ بوكروح للمسيحيين وبابا المسيحية والترويج لهم، فلماذا ينكر أن يكون المسلمون تأثروا بصورة الطفل الكردي الملقى جثة على شاطىء البحر، ويؤكد لنا في المقابل أن المسيحيين وعلى رأسهم بابا الكنيسة تأثروا له؟، لماذا لا يريد أن تقر ويعترف أن الكثير من المسلمين - حكومات وشعوبا - استقبلوا اللاجئين السوريين والعراقيين بالملايين في بلدانهم وآووهم وفتحوا لهم بيوتهم ورصدت حكوماتهم ميزانيات لتخفيف معاناتهم، كما هو حاصل في لبنان وتركيا والأردن و دول الخليج، مع أن الدول الأوروبية التي يهوى وصفها بالمسيحية قررت تحديد عددهم بعشرات الآلاف فقط في حملة إعلامية ضخمة تبرز إحسانهم للمسلمين. كيف لا أشك في نواياك أيها المصلح وأنت عندما تنصح اللاجئين المسلمين إلى البلدان الأوروبية أن يراعوا استقرار تلك البلدان التي أحسنت إليهم باسم المسيحية ولم تلتفت إلى نصحهم أن يراعوا استقرار الدول الإسلامية التي لجأوا إليها، فكيف تفسر لي حرصك على استقرار البلدان التي تصفها بالمسيحية عندما تقول:"إن أبسط ما ينتظر من هؤلاء اللاجئين المسلمين ومن أبنائهم أن لا يكونوا سببا في خلق مشاكل خطيرة للبلدان التي استقبلتهم باسم حقوق الإنسان والروح الإنسانية والإحسان المسيحي"، ولا يخطر على بالك أن تنصحهم أن يفعلوا ذلك في حالة لجوئهم إلى البلدان الإسلامية؟، والغريب أنك حتى عندما وصفت النجاشي لم تصفه إلا بالمسيحية رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب من الصحابة الهجرة إلى الحبشة وصفه بكونه ملكا عادل لا يظلم عنده أحد، فأنت تمجده لمسيحيته ورسول الله مدحه وبرر الهجرة إلى بلده لعدله. المؤسف أيضا أن بوكروح يحوّل مطالب المسلمين الذين يحملون جنسيات الدول الأوروبية إلى مطالب اللاجئين، وهي مغالطة بل دعوة خطيرة لكي يتخلى ويتنازل المسلمون الأوروبيون عن حقوقهم الدينية وغيرها في دولهم عندما يقول: "يشرعون في نشر مطالبهم الجماعية لفرض فكرة أو رفضها إذ يبدؤون بتحريم أكل الخنزير ومنع الاختلاط ثم ينتقلون إلى المطالبة بفتح مساجد وبارتداء أشكال محددة للحجاب وهم يفعلون ذلك دون أن يشغلوا أنفسهم برأي مضيفيهم". فهل هذه المطالب من قبل المسلمين الأوروبيين ليست حقوقا لهم حتى لا يصح ولا يجوز لهم أن يطالبوا بها ومن حق سلطات تلك الدول عدم تلبيتها وهو الذي يزعم أن البلدان الأوروبية التي يصفها بالمسيحية شعارها وعقيدتها حماية حقوق الإنسان؟ المعلوم عنك أيها الأستاذ تأثرك بما وصلت إليه المجتمعات الغربية من تقدم في الكثير من المجالات وربما الكثير مثلي يشاطرونك، وعليه تعتقد من واجبنا نحن المسلمين أن نكون مثلهم في هذا التقدم والازدهار، وهذا لا يخالفك فيه عامة المسلمين، ولكن الطريق التي سلكتها أو التي تريد أن ننتهجها لا توصلنا إلى ذلك بلا أدنى شك، وخاصة لايكون بامتداح المسيحية والترويج لها. وفي الأخير بدى لي أنك تسعى إلى الالتحاق والانخراط في نادي بعض الكتاب الجزائريين وغيرهم الذين يتمنون أن تفتح لهم آفاق لشهرة دولية مزيفة والانتفاع ماديا وأدبيا في المجتمعات الغربية على حساب الانتقاص من المسلمين وربما التأهل لنيل جوائز نوبل وغيرها كما فعل الكثر من المفكرين المنتمين للمجتمعات الإسلامية التي هي متخلفة كما تصفهم. بدى لي من قراءتي لمقالك يا بوكروح مدحك للمسيحيين لدرجة تشويق الناس لاعتناق المسيحية. فهي عندك تحمل قيما نبيلة وإنسانية وتحسن حتى للمخالفين لها في الدين، ولو قدم لي مقالك مع إخفاء اسمك وطلب مني تحديد الانتماء الديني لكاتب هذا المقال، لما ترددت لحظة في الحكم عليه بأنه مسيحي. يريد بوكروح نيل وسام المفكر"الشجاع" الذي لا يخاف مواجهة الأفكار والعقائد السائدة في المجتمع الإسلامي التي يراها السبب في تخلف المسلمين وتخبطهم بل لا يبالي حتى في خرق إجماع المسلمين الذي استقر من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وفي جميع أقطارهم وهو الإجماع على ترتيب سور القرآن