لم ينسَ الحمار منظر الجزائر الخلاب من غابة الأقواس... كما لم ينس الأريكة المريحة التي تكسَّل فيها البارحة طويلا، واستهلك مرتين قهوة سادة مطيبة على الجمر... وقد اشترط المكان نفسه، والأريكة ذاتها... وطبعا القهواجي الظريف الذي قام بخدمته... كل ذلك قبل أن نصل مقهانا المعتاد. رحب بنا القهواجي كعادته... وأخذ كل منا مكانه، ولم تطل فترة نظر كل منا للآخر، لأن كل واحد، ينتظر فرصة الوصول للمقهى لاستئناف الحديث الذي قطعناه البارحة، بكل مايثيره من أشجان في نفس الحمار الحساس... بدأته بسؤال البارحة: لماذا تركت مصر؟؟ أجاب على الفور: دلوقت الحياة متعبة في مصر أوي أوي.. وخاصة رمضان متعب جدا جدا في مصر، قالها وسكت... وغاص في تفكير عميق... تساءلت في نفسي: لماذا رمضان متعب في مصر؟ وما دخل الحمار بين الناس الصائمين ورمضان؟؟ ليكون هذا الأخير متعبا حقا؟ ألم يكن الحمار وهذا هو الأرجح قد حشر أنفه في أمور عقائدية للناس، وتدخل فيما لا يعنيه، فلقي ما لا يرضيه؟ شهر رمضان؟ وهنا، لاحت في خيالي الخطورة التي تكتنف حياة الحمار في الجزائر خلال شهر رمضان. فالناس يعانون أزمة في اللحم، والجزارون، عادة، لا يخافون الله ولا يتورعون، من أجل جمع المال، في الحصول على أي لحم ولأي حيوان، وهو لا يعرف أن سكان العاصمة استهلكوا 1500 حمار في رمضان الماضي. هذه التساؤلات وغيرها تواردت إلى ذهني في لمحة وجيزة... أيقظته وحاولت أن أترك له المجال ليتحدث دون إزعاجه علّني أستخلص أجوبة أو بعض الأجوبة لجملة التساؤلات التي تواردت إلى ذهني ولم أخبره بها بعد... فقال الحمار: في الحقيقة... في مصر لم يبق رمضان بالمعنى الحقيقي للصوم. فقاطعته: وهل توقف الناس عن الصوم أو بدلوا شعائره؟؟؟ كما فعلوا في التاريخ الهجري في تونس، إذ أوقفوا العمل به في الحياة الإدارية؟ أجاب الحمار: لا... لا... رمضان موجود، موجود بجلبته وضوضائه... موجود اسما بس... موجود جوعا نهارا وأكلا ليلا... رمضان أصبح مناسبة لإشباع الشهوات والملذات... شهر الموائد المتنوعة، شهر المصاريف التي لا معنى لها، والتباهي بها... وهو بالنسبة للإنسان العادي شهر النوم والكسل والتهرب من العمل باسم الصوم... رمضان أصبح شهر القلق والخناقات والشجارات في كل زوايا الأحياء... وأخيرا رمضان أصبح شهر الشلل التام لكل جوانب الحياة الاقتصادية والإنتاجية، إلا نشاط الأكل والإسراف... ثم ضرب حافره في الأرض... وانفعل من جديد وقال: أرجوك دعني من مصر ورمضان مصر... وناس مصر.. لايوجد من يسمع نصيحة، أو يقتنع بفكرة مهما كانت صحيحة... بتتكلم صح.. دغري... للنيابة... بتسكت... ماتأدرش. بتعمل إيه؟؟