نظّم منتدى العلاقات العربية والدولية بالدوحة مؤخرا ندوة بعنوان "في ذكرى مالك بن نبي"، تناول فيها باحثون جانبا من فكر الجزائري الذي أثرى المكتبات بنظرياته التي عالجت مشكلات الحضارة في العالم الإسلامي، وأوضح مدير الندوة رائد السمهوري أنّ منتدى العلاقات العربية والدولية في المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" يهدف من خلال هذه الندوة إلى المساهمة في دعم التنمية الثقافية والسياسية، وتعزيز آليات الحوار الإيجابي بين الأطراف الفكرية المختلفة في الوطن العربي وخارجه. وأشار السمهوري إلى أنّ المنتدى يهدف كذلك إلى نشر الآراء والمواقف التي تسعى إلى تعزيز وتطوير القدرة لدى فئات المجتمع وصنّاع القرار على فهم وجهات النظر المختلفة لدى كلّ فئة، والارتقاء بآليات الحوار للمشاركة في تحقيق أفضل الحلول للقضايا المحلية والإقليمية والدولية. وفي مداخلة بعنوان "الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، كما رآها مالك بن نبي"، قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي إنّ المفكر الجزائري كان من الأوائل الذين امتلكوا الشجاعة للغوص في أسباب الأزمة السياسية التي تعيشها الأمة، مبيّنا أنّ لكل حضارة أزمتها وأزمة الحضارة الإسلامية هي أزمة السلطة، وأضاف أن العالم العربي لم يكتشف مالك بن نبي إلاّ بعد وفاته، إذ لو كانت أفكاره قدِّرت حق قدرها من طرف الباحثين والمثقفين الشباب لتغيرت نظرتهم تجاه العديد من الإشكالات السياسية والاجتماعية، وربما لم يغتر الناس بالحلول التسطيحية التي تقود إلى الاصطدام، وما نعانيه اليوم هو عدم استفادة الأجيال الجديدة من عقول المفكرين وعلى رأسهم مالك بن نبي. وأكّد الشنقيطي على أهمية مثل هذه الفعاليات لأنّها تربط بين الجمهور والمفكرين الكبار، وهناك من يصنع الأفكار مثل مالك بن نبي وغيره من المفكرين الذين ظلموا بعدم نشر أفكارهم، وهناك من ينشر تلك الأفكار مثل المراكز والهيئات الثقافية التي تعتبر جسرا بين عمق إنتاج المفكرين وبساطة فهم الجمهور. كما قدّم الدكتور بدران الحسن مداخلة بعنوان "المعوقات الذاتية والموضوعية للنهضة في فكر مالك بن نبي"، بدوره، وصف مؤسس مشروع النهضة الدكتور جاسم السلطان، مالك بن نبي بأنّه كان "صرخة في غير وقتها"، خصوصا في بناء الفكر الإسلامي الحديث ودراسة المشكلات الحضارية عموما، سواء من حيث المواضيع التي تناولها أو من حيث المناهج التي اعتمدها في ذلك. وقال السلطان؛ إن بن نبي تعرّض لظلم وتجاهل من قبل نخب الأمة، ولعل لهذا التجاهل أسبابا منها على سبيل المثال "أنّ مالك بن نبي كتب فكره باللغة الفرنسية، وراح ضحية استقطاب حاد صاحب تلك الفترة، فاليساريون صنّفوه على أنه ينتمي للتيار الإسلامي، والإسلاميون كانوا يرون فيه مفكرا يساريا أو ليبراليا، وحقيقة مالك بن نبي أنه كان مفكر أمة بامتياز". وقال جاسم السلطان؛ إنّ اهتمام منتدى العلاقات العربية والدولية بالمفكر الجزائري مالك بن نبي يعتبر خطوة إيجابية لنفض الغبار عن فكر الرجل الذي يعدّ أحد روّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويعتبر من أبرز المفكرين المعاصرين الذين انتبهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة مما دفع البعض إلى اعتبار فكره امتدادا لفكر ابن خلدون. وردا على سؤال "إذا كان إحياء فكر مالك بن نبي وغيره من المفكرين والفلاسفة يساهم في حل مشكلة الأزمة الدستورية والحضارية التي تعاني منها الأمة؟"، أجاب السلطان بأنّ فكر مالك بن نبي كان يمكن أن يحل الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالعقل المسلم والأزمة الدستورية والحياة السياسية التي تعاني منها الأمة، مضيفا أن الشباب العربي يخسر الكثير حين لا يلتفت إلى إنتاج هذا المفكر العظيم.