عندما تصل الثامنة من كل يوم جمعة يحرم الكلام وتجرم الحركة إلى حد الرمي بالرصاص لمن يخالف الأوامر راكم تشوفو في لمعكلة، اللي يهدر تتكلّم فيه كان هذا تهديد أحد المتتبعين لأقدم برنامج بالإذاعة الوطنية أبحاث في فائدة العائلات على الرغم من أنه ليس له أي مفقود فما السر وراء المتابعة الشعبية التي لقيها هذا البرنامج هذا ما سنعرفه مع مقدمه ومعده منذ 30 سنة الصحفي العربي بن دادة * * الشروق: من أين كانت بداية أقدم برنامج إذاعي؟ * * - البرنامج لم يكن سوى ركن ضمن برنامج "لقاء مع المهاجرين" لمعدّه محمد بوراس رحمه الله تحت عنوان "نداء من بلادك"، حيث كان ضمن الشبكة البرامجية لسنة 1978، وانطلق في 15 سبتمبر، بمدّة لا تزيد عن 20 دقيقة، يتناول فيها قضايا الجالية بفرنسا؛ لأن أغلب المفقودين في تلك الفترة في الخارج، وسرعان ما وجد صداه مع الجالية. * * * كيف تطوّر كبرنامج؟ * * - بعد سنة من بثه كركن اقترحت لمدير الإذاعة أن يستقل الركن في برنامج خاص، فطلب مني وقتها عبد القادر نور أن أسجل عشرة أعداد ليقيّم ما إذا كان يستحق هذا التمديد الزمني، وإذا بالمستمعين يطالبون من خلال الرسائل بتمديد عمر البرنامج إلى ساعة كاملة، فجاءت نصرتي على لسانهم وانطلق البرنامج في الشبكة الجديدة لسنة 1979، واخترت له يومي السبت والأحد؛ لأنهما مواقيت نهاية الأسبوع بالنسبة للجالية. * * كنا نعثر على 10 مفقودين أسبوعيا * * *وماذا عن الحالات التي كنت تستضيفها بعد عثورهم على ذويهم؟ * * - كان بمبادرة من مدير الإذاعة حتى نخلق انطباعا أكبر لدى المستمعين، وتتعزز ثقتهم بالبرنامج وما يمكن أن يحققه من عودة مفقودين إلى أحضان الأهل. ركزنا في البداية على العائلات التي تقطن في منطقة الوسط كي نتجنب مشاكل التنقل وغيرها، وبعدها كنت أنا أتنقل إلى الحالات التي عثر عليها وأسجل اللقاء معها، وإذا كانت بولاية بها إذاعة محلية أعرض البرنامج من تلك الإذاعة وترافقني العائلة على المباشر. * * * هل كانت خدماته موجهة للجزائريين فقط؟ * * - لا، بل امتد إلى كامل المغرب العربي، من المغرب إلى ليبيا، وكذا من المشرق العربي، فقد كانت تصلني العديد من الرسائل والمكالمات الهاتفية من سوريا، مصر، ومن الدول الأوروبية: إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا وطبعا فرنسا، وهناك المئات من الحالات التي عرفت طريق العودة إلى أحضان العائلة من هذه المدن. * * * ما هي نسبة النداءات التي تلقى مجيبا في كل حصة؟ * * - لقد كنت أعرض 10 رسائل في كل عدد، مع عشرين مكالمة هاتفية، من 7 إلى 10 حالات تكون لها نتيجة ايجابية، وكنا نتعمد عرض فواصل لأغاني تتحدث عن الأسرة والأم وغيرها كي نؤثر على الهاربين من أسرهم ونرقق القلوب القاسية، وعثرنا على مدار هذه السنين على أزيد من 10 آلاف مفقود. * * * ألم تسجلوا حالات عثر عليها وهي ميتة؟ * * - بلى، لكنها حالات قليلة بنسبة حالة في كل 5 حصص. * * * هل تلقيتم مساعدات من الأجهزة الأمنية في العثور على المفقودين في تلك الفترة؟ * * - بالضبط، ساعدتنا الشرطة على وجه الخصوص في إعادة أزيد من 4 بالمائة من المفقودين إلى ذويهم، وكانوا من شريحة المتشردين، وأخبرتني إحدى العاملات بسلك الأمن أن موعد بث الحصة عندهم معروف ولا يُفوَّت؛ لأنه يساعدهم في القيام بجزء من عملهم أيضا. * * الثورة والمشاكل الاجتماعية وراء تزايد عدد المفقودين * * * على مدار ثلاثين سنة من هذه التجربة المنفردة في أهم قضية بالأسرة الجزائرية، هل تستطيع تحديد الأسباب التي جعلت أشخاصا يتخلّون عن دفء العائلة؟ * * - أهم سبب على الإطلاق هي الثورة الجزائرية التي تشتّت بسببها آلاف العائلات من القرى والبوادي من قبل 1954 إلى 1962، بحثا عن لقمة العيش ونجاة من الموت المحدق بهم، * تليها المشاكل العائلية في هذه العشرية، فمؤخرا اتصلت بي فتاة تبحث عن أختها هربت من المنزل لأنها لم تفُز بشهادة البكالوريا وخشيت عقاب الأسرة. كما لعبت المشاكل الاجتماعية دورا كبيرا في هروب الأفراد من عائلاتهم؛ فمئات الآلاف فرّوا بسبب أزمة السكن، وعيش عشرة أفراد في غرفة واحدة. * وما لا يعرفه المستمعون، أن المذيع العربي بن دادة يحتفظ بالرسائل التي وصلت الى البرنامج منذ 5 سنوات في خزانته الخاصة بالمنزل، للعودة إليها كلّما دعت الضرورة الى ذلك، أما أرشيف السنوات التي قبلها فهو بالإذاعة، وسبب هذا الاهتمام: * سرّ تعلقي بالبرنامج حكاية تشبه قصة سيدنا يعقوب * * * هناك من يقول بأن العربي بن دادة يبحث أيضا عن مفقود في عائلته، هل هذا صحيح؟ * * -أبدا ليس لي أي مفقود في أسرتي الصغيرة ولا الكبيرة، ولكن سرّ تعلقي بالبرنامج هي قصة وقعت مع عجوز بولاية تبسة في 1978 أرسلت لي رسالتها مع زميل لي تبحث فيها عن ابنها الذي سافر الى فرنسا منذ سنوات ولم يظهر بشأنه أي جديد، وما كان مني إلا أن قرأت الرسالة ولحسن الحظ سمعها صديق لابنها، أخبره أن والدته خاطبته في رسالة عبر الإذاعة تبكي من لوعة فراقه الى درجة أنها فقدت بصرها، ونهره بضرورة العودة الى الوطن ليرى والدته، واستجاب إليه الصديق بسرعة، وما إن علمت الأم بقدوم ابنها من الخارج بعد طول غياب حتى عاد إليها بصرها، هي قصة أشبه ما يكون بقصة سيدنا يعقوب عليه السلام، وهي التي دفعتني للاستمرار والمثابرة أكثر لخدمة كل من له مفقود حتى يعود إلى أهله. * * * "وكل شيء ممكن" نسخة مصورة من "الأبحاث.." * * ألا ترى أن برنامج "وكل شيء ممكن" نسخة مصوّرة عن برنامجك؟ * * - بلى، وكذا برامج مشابهة بالدول العربية؛ فحين بدأ برنامجي لم تكن إلا حصة "وكل شيء ممكن" بالقناة الفرنسية المتلفزة، لكنه توقف. * * * ما هو تأثير البرنامج عليك؟ * * - "دعاوي الخير"، السمعة الطيبة بين المستمعين والمسؤولين وكافة من يعرفون البرنامج، وهذا شيء أعتز به. * * * وما الذي أخذه منك؟ * * - لم يأخذ مني بقدر ما أعطاني، فقد وهبته عمري كله، والحالات التي مرّت بي زادتني حماسا لمواصلة العمل بإصرار أكبر. * * * ماهي البرامج الأخرى التي تركت تأثيرها عليك، عدا "الأبحاث.."؟ * * - "الأمن والوقاية" مع محمد العزوني، حيث نشطت معه البرنامج 3 سنوات، وبرنامج "رواق الأمل" الذي كان موجها إلى المساجين وتوقف قبل 4 سنوات لأسباب سياسية. * * * برنامج لا تفوّته مهما كانت الظروف؟ * * - "الاتجاه المعاكس" بقناة الجزيرة الفضائية. * * وعن المعلومات الشخصية المتعلقة بالمذيع العربي بن دادة تحفظ الرجل مكتفيا بعرض تاريخ ميلاده في 1953 والحصول على شهادة البكالوريا في 1971. * * أما بشأن أطرف موقف حدث معه على أمواج الأثير، يذكر بن دادة انه مرة كان على مشارف الدخول للأستوديو لبث البرنامج سنوات الثمانينات، وإذا بمواطن يصر على التكلم معه بشأن خاص على الهاتف، طالبا منه مساعدته في العثور على منزل، حينها أدرك العربي أن الشرح سيطول دعاه إلى الإذاعة في اليوم الموالي، فنقله إلى منزله المكوّن من غرفة واحدة.. حينها ردّ المواطن: "والله كنت أظن أن الرئيس الشاذلي يسكن بالشقة رقم 17 وأنت بالشقة 18 على التوالي"!