الدكتور حنفوك والدكتور بوجعدار ضيفا ندوة الشروق في قسنطينة لماذا نحتفل في كل عام بما نسميه يوم العلم؟! وهل نعطي لهذا اليوم حقه؟ وهل كنا خير خلف للشيخ بن باديس الذي عاش للعلم ومات به حتى قال طبيبه الخاص إن السبب الوحيد للوفاة المبكرة لعبد الحميد بن باديس هو الإجهاد، حيث كان لا ينتهي من تقديم درس علمي حتى يباشر درسا آخر.. منتدى "الشروق اليومي" يقدم اليوم نموذجين لمأساتنا العلمية مع باحث جزائري كان حلم الجامعات العالمية فعاد إلى الجزائر فهمشوه وانتحر، ودكتورة عبرقية درست في سويسرا ولكن التهميش طالها فاختلت عقليا وصارت نزيلة مستشفى الأمراض العقلية، واستضافت باحثا ودكتورا قدما رأيهما ونظرتهما لحالة العلم في بلد أصبح يسمى بطارد الكفاءات.. للأسف النموذج مجرد قطرة في بحر في عاصمة العلم وفي بقية المدن، وللأسف ما خفي أعظم. مأساة الباحث "لمين مرير" في الفيزياء النووية..كان أستاذا في جامعة أمريكية فعاد إلى الجزائر وانتحر المأساة حدثت في ذكرى عيد العلم لعام 2001، فبينما كانت قسنطينة تحتفي بذكرى رحيل العلامة بن باديس، وبينما كان رئيس الجمهورية في أول زياراته لجامعة الأمير عبد القادر ليكرم العالمة العراقية الدكتورة "وقار عبد القهار الكبيسي" كان عبقري الجزائر "لمين مرير" قد اختار نهايته المأسوية حيث اختار جسر الملاح المعلق بقسنطينة في عملية انتحار لم تشكل أي حدث للأسف في مدينة يقال عنها عاصمة العلم ومناسبة يقال عنها يوم العلم.. لم يرتكب المرحوم "لمين مرير" في حياته أي ذنب سوى التفوق والعبقرية منذ أن ولد في 26 مارس 1953 بقسنطينة ضمن عائلة علم ودين فيها البروفيسور في الطب والباحث ومعظم إخوته يتبؤون مقاعد القمة في أوروبا، ولكن "لمين" كان كوكبا حقيقيا، فقد حصل على شهادة البكالوريا من ثانوية رضا حوحو بقسنطينة واختار الدراسة البوليتقنية بمعهد الحراش الذي كان يعج بالأساتذة الأمريكيين الذين أذهلتهم عبقرية لمين الذي انتزع المركز الأول وحصل على شهادة مهندس دولة ومنحة الدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولم يكن عمره قد جاوز العشرين، إذ انتقل إلى جامعة (ميتشغين) بالولاياتالمتحدة وراح يحصد الشهادات الكبرى في معهد الفيزياء النووية وعندما بلغ محطة دكتوراه دولة في الفيزياء النووية اقتنعت أمريكا (أمركة) لمين، فمنحته الكثير من زينة الدنيا وأصبح (معبد) في جامعة ميتشغين حين تتلمذ على يديه علماء الفيزياء النووية في الولاياتالمتحدة والعالم بأسره، ورفضت أمريكا سفره إلى أي بلد آخر، وصار يبحث عن أي ذريعة لزيارة أهله بقسنطينة إلى درجة أنه طلب من والده أن يبعث له رسالة يخطره بوفاة أحد أفراد العائلة حتى تسمح له أمريكا بالعودة إلى الجزائر، وبمجرد أن بلغه التليغراف حتى وجد الفرصة لتجاوز عقد العمل الأبدي مع الجامعة فعاد إلى الجزائر وإلى عائلته وبدأ يفكر في نقل عبقريته إلى بلده حيث أدى واجب الخدمة الوطنية في الملاحة البحرية بالمرسى الكبير، وحاول بعد ذلك أن يجد لنفسه منصبا (دكتور دولة في الفيزياء النووية) في المنظومة التوظيفية، ولكن الصدمات العنيفة صفعته بقوة، فتارة موظف بشركة سوناكوم تحت إمرة من لم يدخلوا حتى الثانوية، وتارة أخرى في بطالة إلى أن وجد نفسه متعاقدا في مصالح الغابات (تشغيل الشباب) مقابل مبلغ زهيد لا يكفي خبز يومه.. الصدمة كانت صفعة قوية جعلت الرجل يعتزل العالم، صار يقرأ بنهم ويلتهم أي صحيفة أو كتاب باللغة العربية أو الفرنسية أو الانجليزية يقع بين يديه، كانت السنوات تمر ولا شيء يوحي أن الجزائر التي أنجبت هذا العالم العبرقي ستتذكر ابنها.. وأصبح لمين حديث شباب حيه (باب القنطرة).. كلهم يعرفون أنه حلم الجامعات العالمية، وكلهم يعجزون أن يقدموا له يد العون، أو لنقل يقدمون لأنفسهم ولبلدهم يد العون في مدينة كانت عاصمة للعلم وصارت للأسف عدوة له، لمين صمد برغم الصدمات، كان يتابع حصول أترابه من الأمريكيين وحتى تلامذته من الأمريكيين على جوائز نوبل في الفيزياء، ظل يتابع ما حققه رفقاؤه في "النازا" وكبريات كليات المعمورة حتى بلغ سنة 48 اقتنع أن قطار العلم قد فاته ثم أقنع نفسه أن قطار الحياة فاته، ولأن ما بين العبقرية والجنون شعرة، فقد اختلطت الأمور على لمين فانسحب في صمت بين أزقة مدينة كانت مزينة بشعارات العلم وصور الشيخ بن باديس والرئيس بوتفليقة وألقى نظرة (حب) أخيرة على سفوح جسر (الملاح) ورمى بنفسه إلى أعماق الجسر حيث لا قهر ولا احتقار للعباقرة، وحتى لا تنسوا فلمين مرير حاصل على دكتوراه دولة في الفيزياء النووية بأمريكا.. وحتى لا تنسوا فقد انتحر في يوم العلم. فاجعة الدكتورة البروفيسور آسيا بريريش..من وزيرة للصحة إلى نزيلة مستشفى الأمراض العقلية في بداية الثمانينيات عندما قرر الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد منح أول حقيبة وزارية لامرأة جزائرية، جاء الاختيار أولا على امرأة حديدية من طينة العباقرة تدعى الدكتورة آسيا بريريش، فكان الإجماع على أن منصبها الحقيقي لا يتوقف على عمادة الجامعات وكليات الطب وإنما الوزارة وما بعدها، فتمت مراسلتها فعلا لحمل حقيبة وزارة الصحة، ولكن المرأة العالمة المتواضعة ردت ببساطة بأنها خلقت من أجل تكوين الأطباء الشباب وتأسفت للرئاسة بلباقة داعية للوزير القادم بالنجاح أمام دهشة المسؤولين، ليتم بعد ذلك تعيين السيدة زهور أونيسي كأول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة، وهي من نفس مدينة الدكتورة بريريش أي قسنطينة.. هذا التواضع والتفاني في العمل كان نتاج تكوين هذه المرأة الحديدية التي درست جراحة الأسنان في العاصمة رفقة وزير الشباب والرياضة الأسبق مولدي عيساوي، ثم تنقلت لإكمال دراستها بمعهد تركيب طواقم الأسنان بجامعة جنيف بسويسرا، حيث عرض عليها التدريس في سويسرا ولكنها عادت إلى أرض الوطن، لتساهم في بعث كلية جراحة الأسنان في قسنطينة وخاصة كلية الطب في جامعة عنابة رفقة الوزير الأسبق أبركان والدكتورة منتوري، ثم تحولت إلى غاية عام 1981 إلى عميدة لكلية الطب بعد سنوات السبعينيات التي نهلت منها من الجامعة السويسرية لتتحول إلى ظاهرة علمية تتميز بالخصوص بحرصها على نقل المعارف للطلبة والدفاع عن العلم إلى درجة أنها صاحت في وجه وزير التعليم الأسبق السيد رحال وكسرت حكاية (كل شيء على ما يرام) وأحرجته بانتقاداتها وصراحتها من أجل طالب متفوق.. يقول عنها الدكتور صالح حنفوك "إنها ظاهرة علمية صعبة التكرار، لقد كانت علما يمشي بين المخابر، لم يكن يهمها شيء سوى العلم، لقد حاولنا في السنوات الأخيرة في اليوم العالمي للصحة وفي غيرها من المناسبات ولكن المرأة غائبة بسبب وضعيتها النفسية الحرجة جدا".. السيدة آسيا، التي بلغ سنها الستين وهي بروفيسور في طب الأسنان والتي أمضت أزيد عن ثلث قرن في التدريس، ساءت أحوالها الصحية لأسباب اجتماعية، ومعظم سكان قسنطينة ألفوها منذ أربع سنوات وهي تجوب الشوارع في كامل زينتها لتقف أمام المرايا تحدث نفسها بلغة فرنسة يحسدها عليها نيكولا ساركوزي، وتدهورت حالتها في غياب أي تكفل بحالتها إلى درجة العنف، حيث دخلت منذ شهرين مقهى بقلب المدينة وطعنت بواسطة خنجر صاحبها الذي جاوز سنه الستين.. هل كانت البروفيسور آسيا مذنبة؟! حتى ضحاياها لم يتابعوها قضائيا، فالمرأة ما عادت تدري في أي عالم هي، ماذا لو بقيت في سويسرا لتمتهن تعليم الأجيال؟!! ماذا لو قبلت عرض الرئاسة في حمل حقيبة وزارة الصحة؟!! كلها "لولوات" لن تغير من حال آسيا وحال الجزائر شيئا، فالدكتورة العبقرية ترقد حاليا على سرير في مستشفى الأمراض العقلية بجبل الوحش بأعالي مدينة قسنطينة لا تدري ما يدور من حواليها، يكفي القول فقط إن مستشفى قسنطينة العريق الذي ساهمت في إيصاله للعالمية منحوا إدارته في بداية الألفية الحالية لمدير لا يملك حتى شهادة البكالوريا، ويكفي القول إن قسنطينة منحت لوزارة الصحة في الألفية الحالية وزيرين هما من معارف الدكتورة آسيا وهما عبد الحميد أبركان ويحيى ڤيدوم!! الدكتور إسماعيل بوجعدار ..إحتقار الباحثين أدى إلى الحرقة العلمية أعرب الدكتور إسماعيل بوجعدار، في ندوة "الشروق اليومي"، عن أسفه الشديد من الاحتقار الذي يعاني منه الباحث الجزائري، بالنظر إلى الأجرة الزهيدة التي يتقاضاها كأستاذ جامعي يضطر إلى الاستدانة في آخر كل شهر، يحدث هذا -حسبه- في الوقت الذي "يدلل" فيه أمثاله في البلدان المتقدمة مع توفير جميع الشروط المادية والمعنوية التي تسمح لهؤلاء الباحثين بالعمل والإبداع وتقديم ما يساهم على نحو جذري في تنمية وتطوير بلدانهم، بينما الحال عندنا يدعو إلى الأسى الشديد. فمخابر البحث تحولت بجامعاتنا إلى هياكل من دون روح، بحيث أصبح من غير المستطاع انتظار الطفرة العلمية التي يتصور البعض أن هذه المخابر ستكون مسرحا لها، وذلك لسبب بسيط ومنطقي -يضيف الدكتور بوجعدار- كون المخصصات المادية الموجهة ببلادنا إلى هذه المخبار ومن ورائها ميدان البحث العالمي ككل، لا زالت لم ترتق بعد إلى أدنى النسب المقررة من طرف منظمة اليونيسكو، وهي واحد في المائة من المنتوج الداخلي الخام (FIB).والطريف في الموضوع أن مخابر البحث عندنا -يؤكد بمرارة الدكتور بوجعدار- صار من العادة على العاملين بها من الباحثين أن يشتروا وبحرِّ ما لهم عددا من أدوات البحث جراء الميرانية الكاريكاتيرية المخصصة لتجهيز هذه المخابر طبعا من دون تعويض، وهكذا ضمن مثل هذه الأجواء غير المشجعة يمارس البحث العلمي عندنا، والذي يظل في ذيل اهتمامات مسؤولينا وآخر انشغالاتهم، مع العلم أن هذا القطاع يحظى في البلدان المتقدمة (أوروبا الغربية، أمريكا الشمالية، اليابان..) بعناية خاصة طالما أنه قطاع استراتيجي منتج، فدولار أمريكي يخصص للبحث العلمي يحقق مداخيل تقدر ب 142 دولار، وقس على ذلك في حال تخصيص 4٪ من المنتوج الداخلي الخام مثلما تفعل اسرائيل حيث استثمارها في هذا المجال يجلب لها مداخيل هائلة تقدر بملايير الدولارات، عكس ما هو حاصل في البلدان العربية التي تظل - يقول الدكتور بوجعدار- من الدول الطاردة للعقول المبدعة، والتي تحتل فيها الجزائر ضمن هذا المجال مع الأسف المرتبة الأولى، إذ تذكر الإحصاءات الرسمية أنه وإلى غاية عام 2007 غادر الجزائر من غير رجعة حوالى ربع مليون إطار علمي، وهذا النزيف من الأدمغة يتسبب في خسائر فادحة لبلادنا، فيما تستفيد الدول المتقدمة وفي طليعتها كنداوالولاياتالمتحدة من هذه العقول التي تحط بها الرحال وتقدم لها كل التسهيلات اللازمة قصد الاستفادة منها وبالمجان، على اعتبار أن هذه البلدان لم تساهم بفلس واحد في تكوين هذه العقول، لكنها عرفت كيف تجذبها إليها بتوفير مناخ الاستقرار المصحوب بالإغراءات المادية والمعنوية المفقودة تماما في بلدانها الأصلية.. وساق الدكتور بوجعدار أسماء عدد من الباحثين العلميين الجزائريين الذين يديرون مخابر بحث شهيرة في العالم من أمثال الدكتور نور الدين زتيلي الذي ألف كتابا في الميكانيكا الكمية (الكوانتا) حقق في أمريكا أعلى المبيعات، والدكتور بوجلخة وهو عالم كبير بأمريكا حاليا ودرس مع رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، وكذا الباحث في الفيزياء النظرية بوجعدار جمال (ابن عم المتحدث) الذي يعتبر ظاهرة في مجال لغات البرمجة في الإعلام الآلي بشهادات علماء فرنسيين ومن النازا الأمريكية، ويمكن إعطاء قائمة كبيرة من الباحثين والعلماء الجزائريين في شتى الاختصاصات الذين استطاعوا أن يكسبوا شهرة عالمية ومكانة عظيمة في الغرب بعد هجرتهم المضطرة من بلادهم التي كانوا فيها من الإقصاء والتهميش والحڤرة، مما اضطرهم إلى "الحرڤة" وإثبات وجودهم بشكل يستحق الثناء والإعجاب. الدكتور صالح حنفوك.."طلبتنا أصبحوا يقتنعون بمعدل 10 فقط! طوال ندوة "الشروق" لم يتحفنا الدكتور صالح حنفوك، وهو أحد أعمدة كلية جراحة الأسنان في قسنطينة وكامل الجزائر، ولو بابتسامة تفاؤل واحدة، وكان باديا عليه أنه شبه فاقد للأمل في مستقبل أفضل لمهنة تعرف تدهورا مريعا في السنوات الأخيرة، الدكتور الذي يشرف على الكلية ويدرّس الطلبة، قال إن الاكتظاظ الذي تعرفه الجامعة في السنوات الأخيرة عرقل التكوين، فالمهنة التي تتركز على التطبيق أولا فقدت الكثير من الساعات، حيث كان الطلبة يستفيدون من ست ساعات تطبيق في الأسبوع لتنخفض إلى ساعة ونصف فقط، أي إلى الربع، والطالب الذي يمضي خمس سنوات في الدراسة النظرية سيصطدم بواقع مؤلم.. الدكتور حنفوك الذي يشارك على الدوام في الملتقيات الطبية العالمية رجع مؤخرا من مدينة ستراسبورغ الفرنسية حيث اختصر الفارق في الأداء كون الجامعة الفرنسية تمنح الطالب جهاز كمبيوتر متطور مقابل تسديده لمبلغ رمزي وهو (1 أورو كل شهر!) والطلبة يتابعون بالمعلوماتية دروسهم ولا يتأخرون عن الأعمال التطبيقية، فمثلا كلية جراحة الأسنان بستراسبورغ تحوي 80 أريكة أسنان ل 200 طالب، بينما كلية جراحة الأسنان بقسنطينة العريقة لا يتعدى عدد الأرائك رقم 46 ل 886 طالب.. ثم جاء تفاقم ظاهرة الغيابات عن الدروس النظرية إلى درجة أن رقم الحضور لا يتعدى 10 طلبة، بينما البقية يعتمدون على "الصور طبق الأصل" للدروس ولا أحد يعتمد على المراجع رغم أن المعهد يستقبل أصحاب المعدلات المرتفعة من حاصدي شهادة البكالوريا، والملاحظ أن الطلبة الحاليين يجهلون تماما قواعد اللغة الفرنسية، مما جعل الكلية تقدم مادة الفرنسية في حصص إضافية، والمصيبة أنهم يجهلون أيضا قواعد اللغة العربية، وبينما كان طلبة السبعينيات والثمانينيات يتصارعون على المراكز الأولى، بردت طموحاتهم بشكل رهيب وكلهم يكتفون بالنجاح ويقتنعون بمعدل 10 من 20.. وأتلفت ظاهرة إعادة البكالوريا هيبة الجامعة، إذ أصبح بعض الطلبة يمضون الوقت أبيضا في بعض الفروع قبل موعد البكالوريا ليعيدونها بحثا عن المعدلات المرتفعة على أمل انتزاع معدل يسمح لهم بدخول الفروع التي يحلمون بها.وما يحز في نفس الدكتور حنفوك أن رحلاته الدراسية العديدة أبانت له أن العلم أصبح آخر اهتمامات الناس، ففي كل دول العالم الخواص يمولون العلم بينما تتحد عندنا القمة والقاعدة في قهر النخبة من رجال العلم، رغم أن المعادلة عندنا قابلة للتحقق في وجود الشباب والمال الذي يذهب إلى غير محله، وتساءل الدكتور كيف تمنح الدولة لباحث أثناء حضوره مؤتمرا خارج الوطن 800 أورو، وهي لا تكفي لفندقته ومأكله وتنقله وأحيانا يجد الباحث نفسه مجبرا على المبيت في دور الشباب والأحياء الجامعية وقد يثير سخرية الأجانب وحيرتهم، ثم عاد الدكتور حنفوك ليتذكر زميلته وأستاذته الدكتورة آسيا بريريش التي خطفتها يد المرض العصبي وبدلا من تكوين الأطباء هي الآن تحت رحمة أطباء الأمراض العقلية تتعاطى المهدئات بعد أن أعطت كل ما تملك للعلم!! "الكم" الذي طغى على النوعية..بلد المليون طالب و50 جامعة!! لو تحدثنا بالأرقام وتفاخرنا برقم الخمسين جامعة الذي يرعب في كمّه جيراننا، فإننا نقول إنه في مدينة بوسطن الأمريكية وحدها 46 جامعة، ولكن الفارق مابين أمريكا والجزائر أن جامعات بوسطن لوحدها أنجبت 97 عالما حصدوا جائزة نوبل في مختلف العلوم، إضافة إلى لاعبيها في كرة السلة الذين حصدوا بطولة العالم والميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية، أي أن هذه الجامعات حققت ما لم تحققه كل دول آسيا وافريقيا مجتمعة في كل مجالات الحياة، كما أن معظم جامعات بوسطن مختصة في براءات الاختراع أي أنها مخابر لإنتاج العلماء والمخترعين، ومع ذلك فإن الأرقام في العلم لا تعني شيئا ورقم أكثر من مليون طالب وهو شعب بأسره لا يقدم ولا يؤخر شيئا، فدولة ماليزيا التي أصبحت قنبلة علمية لا تمتلك إلا أربع جامعات وهي تنتج فكريا أكثر مما تنتجه 50 جامعة جزائرية بنسبة 43٪. وحسب آخر الإحصاءات، فإن الجزائر تواجدت في مقدمة الدول العالمية التي »طردت« كفاءاتها العلمية ب215 ألف إطار يصنعون حاليا سعادة الجامعات والمؤسسات الأوروبية والأمريكية، في الوقت الذي تمكنت فيه الصين والهند ومؤخرا إيران من استرجاع كفاءاتها من مختلف دول العالم. وللأسف، برغم البحبوحة المالية غير المسبوقة التي تعيشها الجزائر، إلا أن نزيف »الكوادر« مازال متواصلا، إذ غادر الجزائر خال 2007 فقط 500 أستاذ... واعترفت الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث بأن أكثر من مئة ألف إطار هاجروا إلى الخليج وأوربا ولا أحد منهم عاد... والأدهى لا أحد منهم يفكر في العودة... أستاذ جامعي ويجهل الإجابة على أسئلة كتاب السنة الثالثة ابتدائي!! فتح الدكتور بوجعدار النار على منظومتنا التربوية التي صارت محل تنكيت الخاص والعام، وفي هذا الإطار اعترف محدثنا بأنه يجهل الإجابة على الكثير من الأسئلة التي يتضمنها كتاب السنة الثالثة ابتدائي، حيث حاول مرارا في هذا الصدد، بطلب من ابنه الذي يدرس في هذه السنة، غير أنه في النهاية أعلن عن عجزه وهو الدكتور في الفزياء، والأستاذ الجامعي، فما بالك بعقول صغارنا التلاميذ الذين يتعرضون لقصف من الأسئلة المصاغة بطريقة بعيدة كل البعد عن الروح البيداغوجية الجادة. داء السكري ينخر الباحثين الجزائريين كشف الدكتور إسماعيل بوجعدار في خضم حديثه عن الوضع العام الراهن للباحثين الجزائريين، على أن حالتهم المادية والمعنوية لا تسرّ حتى العدو!! كون هؤلاء الباحثين على عكس مايشاع يشتغلون ضمن أجواء مشحونة بكل ماهو سلبي ومنفر، إلى الحد الذي صار فيه أغلبهم مصابا بداء السكري جراء حالة القلق والضغط النفسي الذي يضاعف من معاناتهم كشريحة حساسة من المفروض أنها تلقى كل الدعم والعناية، باعتبارها الثروة الحقيقية لكل بلد ورأسماله الرمزي على حدّ مصطلح عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو. عقول جزائرية تصنع الحدث العلمي في الخارج العقل الجزائري لا يقل من ناحية قيمته الإبداعية والابتكارية عن غيره من العقول الناجحة في الغرب، ولو توفرت له كل الظروف المناسبة لأحدث الأعاجيب، ومن الأمثلة التي تعلق في الذهن وتحضرنا أسماءها في هذا الصدد البروفيسور صنهاجي، مكتشف الدواء الجيني للسيدا، الذي لم يعترف به في الجزائر، ليضطر فيما بعد إلى الحصول على براءة اختراعه (اكتشافه) من الولاياتالمتحدةالأمريكية. هناك أيضا العالم الجزائري في مجال الفيزياء الموجود حاليا بألمانيا في المعهد الشهير »فريديناند براون« الكائن ببرلين وهو شفيق ملياني البالغ من العمر 32 سنة والذي يقوم الآن بتطوير شرائح خاصة بأجهزة الهاتف النقال وكذا الرادارات وغيرها من وسائل الاتصال الأكثر حداثة. هناك أيضا العالم طارق شقشاق خليفة العالم الفرنسي كوستو، حيث يقود حاليا هيئة بحث علمي بمناسبة السنة الدولية للقطبين وهو حاليا يقطع لهذا الغرض آلاف الكلمترات في عرض البحار، من أجل توعية العالم بمخاطر الاحتباس الحراري. هناك أيضا العالم مراد بلعمري المتواجد حاليا بكندا والذي تمكن من اختراع شريحة إلكترونية جد متطورة. ومن العلماء الجزائريين المتألقين في الغرب، الدكتور إلياس زرهوني الذي عاش معاناة مريرة في بلاده قبل أن يهاجر إلى الولاياتالمتحدة ويتبوأ أعلى مكانة في قطاع الصحة هناك وعن جدارة واستحقاق، في حين كان ببلاده مقصيا لا يأبه له أحد.القائمة في الحقيقة لاتزال طويلة، غير أننا نكتفي بهؤلاء الذين ذكرنا من باب أخذ العبرة فقط. »العلماء العراقيون كانوا مدللين من طرف صدام« كشف الدكتور بوجعدار، أنه أثناء دراسته التي زاولها في الخارج، لاحظ بأن العلماء والباحثين العراقيين في زمن الرئيس الراحل صدام حسين كانوا مدللين حقا، حيث يستجاب لكل طلباتهم وانشغالاتهم التي توضع ضمن قوائم من طرف ملاحق السفارات الموزعة بالبلدان الأجنبية، وعند عودتهم إلى بلادهم العراق توفر لهم كل الظروف الحسنة والمشجعة لبحثهم العلمي، ويكفي يضيف الدكتور بوجعدار أن نعلم بأن بلد العراق أنشأ ما يسمى بالمدن العلمية وهي مدن متكاملة من جميع النواحي. يحدث هذا في الوقت الذي يعيش فيه الباحث الجزائري بالكريدي وقال إنه لاحظ ذلك في ستوكهولم السويدية، إذ يكتب العالم العراقي كل ما تشتهيه نفسه من ملذات الدنيا وعند عودته إلى بلده يكون مرفوقا فقط بشهادته العلمية وليس بحاوية من الأشياء كما يحدث عندنا. الغش بجامعاتنا بلغ مستويات خطيرة وتواطؤ الأساتذة أكد الدكتور بوجعدار على أن ظاهرة الغش في الامتحانات صارت منتشرة على نطاق واسع وبشكل سرطاني، حيث بلغت الآن مستويات خطيرة حقا، سيما إذا علمنا بأنها تتم بتواطؤ مع الأساتذة، حسبما كشفت عنه العديد من التحقيقات في هذا المجال، مما يستوجب دق ناقوس الخطر إذ أن أجيالا بأكملها أضحت مرهونة لمستقبل غامض ومسدود، كما أن العناصر الممتازة والكفاءات الموجودة ضمن صفوف طلابنا ستصاب بإحباط كلي يشلها عن مواصلة بذل الجهد للوصول إلى المراتب العليا المبتغاة، مادام الوضع على هذا الحال يشجع الغشاشين والتافهين والرديئين. المحفظة الإلكترونية هي الحل اقترح الدكتور بوجعدار المحفظة الإلكترونية كبديل عن المحفظة الحالية التي صارت ترهق كامل التلاميذ الصغار، بالنظر إلى وزنها الزائد واحتوائها على العديد من الكتب والمراجع الضرورية. وأضاف الدكتور بوجعدار، على أن صنع أو استيراد هذه المحفظة الإلكترونية لن يكلف الكثير ماديا، كما أن ذلك سيسهل من تخزين الدروس وسرعة عرضها مثلما يجري بواسطة أجهزة الإعلام الآلي، فيما يحتفظ بالمقابل في المنزل بالكتب للمراجعة والاستذكار، ولن يكلف تعلم استعمال هذه المحفظة الإلكترونية وقتا طويلا كون التلاميذ متعودين على استعمال أجهزة مماثلة مثل الألعاب الإلكترونية وغيرها. الماجستير... القدامى فقط أشار الدكتوران حنفوك وبوجعدار إلى كون النجاح في الماجستير والتخصصات الطبية أصبحت حكرا في السنوات الأخيرة على الطلبة القدامى، رغم أن بعضهم ابتعد نهائيا عن جو الدراسة، فمثلا في امتحان ماجستير معهد الفيزياء كان جل الناجحين من دفعات ما قبل عام 2000 باستثناءات نادرة. وتأسف الدكتور حنفوك على جيل من الطلاب كانوا يلتهمون البرنامج ويعمقون معارفهم من المراجع، بينما أصبح حلم الدكتور بوجعدار أن يجد طالبا »متوسطا« لأن حلم الممتاز أو الجيد صار بعيدا جدا. دول الخليج الوجهة الجديدة ما يثلج الصدور، ولو مؤقتا، هو أن بعض أدمغة الجزائر أصبحت تختار الشرق بدل الغرب، بل أن الكثير منهم طلقوا أوربا وأمريكا برغم السنوات التي أمضوها هناك واختاروا الحياة في دول الخليج العربي وبالضبط في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وهذا لعدة أسباب، أهمها انفتاح دول الخليج العربي وطفرتها المتميزة نحو القمة العلمية وثانيها لأجل توفير الأجواء العربية الإسلامية للأبناء، وآخرها وأهمها بعض العنصرية وكره العربي المسلم التي طغت على تعاملات الغربيين منذ أحداث 11 سبتمبر بالولاياتالمتحدةالأمريكية.