الدكتور فضيل عبد القادر، العضو الناشط في المكتب الوطني لجمعية علماء المسلمين الحالية، المكلف بالتربية والتعليم، فتح لنا قلبه مرحبا ب"الأمة العربية"، ليحدثنا عن أعمال العلامة الشيخ عبدالحميد بن باديس، مركزا حديثه على الأسلوب التعليمي والوسائل المستغلة من طرف هذا الأخير في سبيل تجسيد مشروعه الحضاري الذي به تجسد الاستقلال ليواصل من جاء بعده السير على خطى مناهج تعليمية وتربوية ... فكان لنا مع الدكتور هذا الحوار الذي ننقله للقارئ عسى أن ينفعنا جميعا فإليكموه : * يتبادر إلى الذهن ألا يكون يوم العلم مقترنا بيوم وفاة العلامة عبد الحميد ابن باديس، ما تعليقكم على ذلك؟ - التأريخ ليوم العلم تأريخ للرجل الرمز عبد الحميد ابن باديس رحمة الله عليه، إننا حين نحتفل كل عام في اليوم السادس عشر من شهر أفريل نقول للجميع إننا نذكر من خدم العلم، ونذكر من خلاله المعلم والمدرسة الكتاب ونقول إن الرجل ما زال حيا بتراثه الذي لا يندثر. * ما الشعار الذي حمله الشيخ عبد الحميد بن باديس خلال مسيرة حياته؟ - الرجل شجّع طلب العلم وكرّس ربع قرن من حياته للقرآن بعد أن حفظه وعمل على إرجاع الشعب الجزائري إلى منهج الهداية والبناء الحضاري. قال ذات يوم "إننا والحمد لله نربي تلامذتنا على القرآن من أول يوم ونوجه نفوسهم إلى القرآن في كل يوم". الشيخ جاء مجددا لكلمة "اقرأ" ، وكان على الشعب الجزائري فعلا أن يقرأ ليخرج من الظلمات إلى النور، من ظلمات المستدمر المستبد إلى نور الاستقلال. * حدّثنا عن جوانب الأسلوب التعليمي الذي انتهجه الشيخ عبد الحميد بن باديس؟ - انطلق العلامة عبد الحميد بن باديس من فكرة أن الشعب الجزائري عليه أن يتعلم لغته ودينه وأن يعلم جيدا أن لا وطن له إلا الجزائر، وأن يعرف تاريخه محاولا بكل ما أوتي من أساليب تعليمية وتربوية القضاء على ما كان العدو الفرنسي يصبو لنشره من خلال محاولة فرنسة الجزائريين وتحويلهم عن دينهم ولغتهم وبالتالي القضاء على هويتهم الوطنية. * ما أساليبه في ذلك؟ - دعني أواصل القول إن الشيخ عبد الحميد بن باديس رفقة زملائه في الجمعية وعلى رأسهم الشيخ البشير الإبراهيمي، والشيخ الفضيل الورثلاني، والعربي التبسي وضعوا مشروعا يقوم على أهداف حضارية أساسها تصحيح اللسان الجزائري، منتقدا مناهج التعليم والتربية في المدارس التي أنشأتها فرنسا، لأنها قامت على منهاج إلغاء الهوية العربية الإسلامية، ليقدم بديلا ينهض بالشعب الجزائري محافظا على هويته بإنشاء المدارس والمعاهد الخاصة وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم. نعود لنقول إن الشيخ دعا إلى تعميم بناء المساجد وإنشاء المدارس حتى وصلت زهاء 400 مدرسة عبر الوطن تُعنى بالطلبة وتكوّن المعلمين الذين يقومون بدورهم في تعليم الصغار والكبار على حد سواء، ووضع المناهج التعليمية والتربوية التي كان يرى صلاحها وأنشأ النوادي المنبثقة عن نادي الترقي حيث تكوّنت الجمعية، وينشط ضمن الأفواج الكشفية والفرق الرياضية وأنشأ الصحافة بإصداره "البصائر". * هل لك أن تصف لنا وضعية مدارس تنشأ ومناهج تدرس ونشاطات أخرى مرافقة لها تعمم، وبالمقابل مستعمر مستبد أجهض كل ما يخلّفه الشيخ والجمعية؟ - الوضعية كانت صعبة على الشيخ عبد الحميد بن باديس ورفقائه في الجمعية، لكن الإرادة كانت قوية والعزيمة كانت أقوى، فالتنسيق بين ابن باديس في قسنطينة والطيب العقبي في العاصمة والبشير الإبراهيمي في تلمسان كان مدروسا وقائما على تظافر الجهود والعمل بصدق. لقد كان ابن باديس ينتقل إلى العاصمة في القطار الليلي ليلتقي بالطيب العقبي فينسقا العمل بينهما ويتدارسا الوضع في الجزائر، وكذا الأمر في تنقله لتلمسان للالتقاء بالبشير الإبراهيمي، كل ذلك حتى لا يكتشف أمرهم وحتى لا يضيّع ابن باديس دروسه على طلبته في الجامع الأخضر بقسنطينة. * مكانة المراة في مناهج التعليم والتربية في جمعية العلماء المسلمين؟ - انعدم تعليم المرأة الجزائرية إبّان التواجد الفرنسي بالجزائر، فصارت عرضة للجهل المستبد نتيجة التقاليد الجاهلة التي غلبت على فكرها من جهة، من جهة أخرى صارت المرأة مهددة بالغزو الثقافي في ظل النشاط الفرنسي الذي هدف إلى تدميرها بنشر قيم تتنافى والهوية العربية الإسلامية.... المرأة التي حرمت مما يجب أن تعطى من واجبات وحقوق، حرّم عليها التعلم تحت التحجج بحمايتها من الفساد وإبقائها على جهلها، لقد تنبه الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى أهمية المرأة في التربية والتعليم والبناء الثقافي فأوجب تعليمها ودعا إلى ضرورة إنقاذها مما هي فيه من الجهالة ونصح بتكوينها لإعداد الأجيال...لقد أنشأ أقسام لتدريس المرأة بمدرسة التربية والتعليم بقسنطينة ومساجد كانت تختص بتدريس البنات، وراسل مديرة ثانوية دمشق بسوريا طالبا منها استقبال مجموعة من البنات وتكوينهن على عاتق الجمعية وقد ردّت مديرة الثانوية بالقبول، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العالمية الثانية وخوفا من أن تتسبب الحرب العالمية في ضياعهن. * إلى أي مدى يمكن القول إن جمعية العلماء المسلمين ساهمت في الثورة الجزائرية؟ - علينا أن نقول إن كل نشاطات الجمعية السابقة واللاحقة كانت تصب في هدف واحد هو البناء الحضاري للرجل الجزائري ليقف ضد المستعمر، لينزع من ذهنه ما حاول المستدمر نشره، كفكرة الجزائر فرنسية، وأصدر فتوى باعتبار من تجنّس بجنسية غير إسلامية عدّ مرتدا عن الإسلام بالإجماع، ونوّر الجزائريين بالعلم فأدركوا معنى الاستقلال والمطالبة به... والجدير بالذكر أن الجمعية سارعت إلى مباركة الثورة الجزائرية ودعت إلى مساندتها يوم 02/ 11/ 1954 بنداء أصدره الشيخ فضيل الورتيلاني من القاهرة، ثم تلاه نداء آخر وقّعه كل من البشير الإبراهيمي والفضيل الورتيلاني، دعيا فيه الشعب لمناصرة الثورة واعتبارها مطلب كل الجزائريين... نضيف إلى أن الشهيد عميروش كان مسؤولا عن شعبة جمعية العلماء المسلمين بباريس، وبن بولعيد كان مسؤولا عن جميع الشعب في الأوراس، ما يدل على مشاركة الجمعية في الثورة الجزائرية، وكثيرون استشهدوا في الثورة وقد نشطوا في الجمعية من أمثال رضا حوحو، العربي التبسي ... وبعد هذا كله نعتز بالقول إن الجمعية بنشاطها الإصلاحي وبياناتها المتتالية كانت هي من زرعت بذرة اندلاع الثورة المباركة. * لماذا توقف نشاط الجمعية مع بداية الاستقلال؟ - انتهجت الجزائر سياسة الحزب الواحد فتوحدت كل النشاطات تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني، ومع فتح التعددية أعيد بعث جمعية العلماء المسلمين في محاولة لإحياء تراثها التاريخي ومواصلة الكفاح ضد الثقافة المعادية لوحدة الوطن والهوية الجزائرية وخدمة للدين والوطن، لذلك أعيد بعث البصائر إحياءً للتراث الإعلامي الذي صنعه ابن باديس. * كلمة أخيرة دكتور فضيل؟ - أدعو شبابنا إلى الرجوع إلى التراث التاريخي لبلادنا وأدعوه إلى القراءة والتعلم وأقول أيضا إن العلم صانع التغيير والذي يُحدث التغيير هو الإنسان، لذلك علينا أن نقرن التربية بالتعليم. احتفالنا اليوم بالعلم يعني الاحتفال بالكتاب، بالمعلم وبالتربية لذلك لابد من نشر ثقافة المطالعة على كل المستويات ...علينا أن نبحث أكثر في حياة العلامة ورفاقه في الكتب التي تملأ رفوف مكتباتنا ولا نقرأها.