مأساة الأستاذ الجامعي الذي دفع حياته ثمنا ل"نقطة"، تكشف مأساة الجزائر بكل مؤسساتها التربوية والاجتماعية والثقافية، وحتى القانونية منها، لأنها لم تكن إلا "قشّة قصمت ظهر البعير". * حيث أضحى القتل هو الحل الذي يلجأ إليه المتخاصمون لفك خلافاتهم، بعدما انعدم الوازع الأخلاقي الإنساني أولا، والوازع الديني ثانيا، والرادع القانوني والعقابي ثالثا. * لقد أصبح من السهل أن نرى في الجزائر طالبا جامعيا يتحول إلى قاتل، مثلما رأينا من قبل كيف تحول تلاميذ في عمر البراءة إلى انتحاريين يفجرون أنفسهم فداء لقضايا لا ترتبط بحاضرنا ولا مستقبلنا، كجزائريين ومسلمين، كما رأينا أيضا كيف تحول الطلبة من قبل إلى مروجي مخدرات ومدمنين ومنخرطين في شبكات دعارة تتاجر بأعراضهم على حساب القيم الشريفة التي تربى عليها المجتمع الجزائري. * ربما يسارع البعض إلى اتهام المؤسسة التربوية بالفشل ويحمّلها مسؤولية ما يحدث، كما فُعل بها من قبل عندما اتُّهمت بأنها تخرّج من المدارس القتلة والإرهابيين، إبّان العشرية الحمراء، في حين أن المسؤولية مشتركة بين كل مؤسسات الدولة وفئات المجتمع، لا يختص طرف منها بلوم أو عتاب دون غيره. * لا يمكن أن نفهم هذه الظاهرة المشينة بمعزل عن ظاهرة استفحال الإجرام في الجزائر، كبديل عن الإرهاب، حيث أصبحت الاختطافات والسرقات والرشاوى والاعتداءات على القصّر تتم في وضح النهار، وبلا رقيب أو حسيب، تماما كما أضحى الترويج للمخدرات وهتك الأعراض دليلا على الشّطارة، وليس الحقارة. وذلك كله يحدث أمام أعيننا، وبلا تحرك جدّي من السلطات التشريعية والتنفيذية لوضع حد لظواهر الإجرام الذي بات يهدد مجتمعنا كله بالانهيار والتفكك. * انتشار "القتل" كظاهرة يرجع بالأساس إلى فقدان المجرم، أيًّا كان، الشعور بإنسانيته، في مجتمع يؤكد لأبنائه كل يوم أن طريق الحياة "الكريمة" لا يمر عبر الدراسة أو العمل الجاد والسعي الدؤوب لبناء مستقبل مشترك يعيش فيه أبناء البلد الواحد جميعا، دونما تمايز أو تفرقة، ويهمس في أذن صغاره أن الزمن لم يعد زمن علم وإنما زمن مال وكسب سريع بعيدا عن القيم الأخلاقية والإنسانية، كما يصرخ في وجه كباره أن الفساد الأخلاقي والاجتماعي قدر محتوم لا يمكن أن نعيش حياة محترمة بدونه. * في ظل هذه الفوضى، نفقد جميعا شعورنا بالانتماء لهذا الوطن، ويصبح مستقبل الفرد مصادما لمستقبل الجماعة فيه، فيظهر الإجرام بمختلف صوره وأشكاله، من قمة هرم المجتمع إلى قاعدته.. وإذا فسدت القمة.. فإن "القاعدة" لن تكون هي الحل.