تحوّلت عمليات انتحال الصفة بغرض النصب والاحتيال على المواطنين وسلبهم أموالهم، من بين أكثر الجرائم انتشارا في المجتمع، حيث كشفت إحصائيات مختلف المصالح الأمنية، عن تنام رهيب للظاهرة التي أخذت أبعادا خطيرة، بانتحال صفات موظفين وإطارات في مختلف المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية وحتى بعض الإدارات العمومية، التي لها علاقة مباشرة باستخراج وثائق المواطنين. ويرى المختصون في علم النفس أن ظاهرة انتحال صفة الغير هي تتويج لجريمة النصب والاحتيال، والتي يتخذها بعض الشباب كمهنة يكسبون من ورائها أموالا طائلة، تغنيهم عن التفكير في البحث عن مهنة حقيقية تحول بينهم وبين ارتكاب مثل تلك الجرائم. ويؤكد ناشطون أن سبب تنامي الظاهرة في السنوات الأخيرة يرجع أساسا إلى تساهل الجهات القضائية في تعاملها مع مثل هذا النوع من القضايا استنادا لما أورده المشرع الجزائري في قانون العقوبات الذي أدرج جريمة انتحال الصفة والألقاب والوظائف وإساءة استعمالها ضمن الباب الثامن من الفصل السابع لقانون العقوبات، من المواد 242 إلى 252 بحسب ظروف ارتكاب كل جريمة، وتتراوح عقوبتها من سنتين حبسا نافذا إلى خمس سنوات حبسا نافذا وبغرامة مالية تتراوح بين 100 ألف و500 ألف دينار جزائري. ويقوم منتحل الصفة دون تردد بإحباك سيناريوهات محكمة تعتمد على تفاصيل دقيقة لاختيار ضحاياه الذين هم في الغالب من مقهوري المجتمع، والإيقاع بهم في شباكه للاستيلاء على أموالهم بكل سهولة، بل أكثر من ذلك فإنهم يقومون بتقديم أنفسهم حتى لدى الجهات الرسمية والأمنية، دون أي شعور بالخوف، لما يكتسبونه من ثقة بالنفس، جرٌاء خبرتهم في مجال النصب والاحتيال. وكانت آخر قضية في هذا المجال تلك التي سجلتها ولاية قالمة مع نهاية الأسبوع الماضي، عندما انتحل شخص يبلغ من العمر 46 سنة صفة قائد فرقة أمن الطرقات بكتيبة الدرك الوطني بقالمة، ونقل نشاطه الاحتيالي إلى مدينة وادي الزناتي، حيث تمكن من الإيقاع بعدد من الضحايا في شباكه وسلبهم أموالهم قبل الإطاحة به من طرف عناصر فرقة الدرك الوطني وتقديمه أمام الجهات القضائية التي أمرت بإيداعه الحبس المؤقت، كما قام شاب آخر يبلغ من العمر 26 سنة قبل أشهر بانتحال صفة ضابط في صفوف الدرك الوطني، وتمكن من الإيقاع بنحو 30 ضحية في شباكه، من مختلف ولايات الوطن، كان يوهمهم بالتوسط لهم لدى الجهات الإدارية والقضائية وحتى لدى مصالح الدرك الوطني لاسترجاع رخص السياقة المسحوبة منهم، وقد ظل هذا الشاب يمارس نشاطه لمدة سنة تقريبا قبل الإطاحة به من طرف عناصر فرقة الأبحاث للدرك الوطني بقالمة التي أودعته الحبس المؤقت، كما قام شخص آخر قبل سنة يبلغ من العمر 44 سنة، بانتحال صفة ضابط سام في صفوف سلاح الدرك الوطني برتبة عقيد، مستعملا سيارة فاخرة من نوع رونج روفر، وتمكن من النصب والاحتيال على مجموعة من تجار العملة عبر عدد من الولايات.