من أبرز نماذج عمليات انتحال الصفة المشهورة بولاية سطيف، على سبيل المثال لا الحصر، تلك التي كانت متعلقة بموظف بالغرفة الإدارية بمجلس قضاء سطيف، حيث كان يوهم أحد المتقاضين بأنه قاضٍ بهذا المجلس، وسيقوم بتسوية ملفه العقاري المطروح على العدالة منذ حوالي سنة دون الفصل فيه، حيث كان في كل مرة يلجأ لابتزازه ليقوم المعني بإيداع شكوى، وبعد ترصد تحركاته تم توقيفه من طرف أفراد الدرك متلبسا وسط مدينة سطيف في كمين، في حين انتحل أحد المجرمين ينحدر من الجزائر العاصمة صفة ضابط في الجيش برتبة نقيب، وتغلل وسط فلاحي إحدى القرى ببلدية شرقية في سطيف، ثم أخذ يتبادل الحديث مع الفلاحين وطلب منهم محتوى انشغالاتهم التي اندرجت كلها عن نقص العتاد الفلاحي كالجرارات التي هم في أمسّ الحاجة إليها خاصة المختصين في المحاصيل الكبرى. الضابط المزيف ضرب لهم موعدا آخر ليتحقق من وجود العتاد المطلوب بالمؤسسات المختصة، وبعد حوالي أسبوع عاد وأكد لهم أن العتاد موجود إلا أن الوصل للاستفادة منه يتطلب امتيازات ورشاوى، وهو الأمر الذي تقبله الفلاحون وراحوا يسلمونه مبالغ تتراوح بين 5 و7 ملايين وبعض الطلبات، لكنه ذهب من دون رجعة، حيث تأكد الفلاحون بأن العملية احتيالية لا غير. لجأ شيخ طاعن في السن إلى أسلوب متميز حين انتحل صفة ضابط كبير في مؤسسة الدرك الوطني، حيث اتخذ من مقر المحافظة العقارية بسطيف مكانا مفضلا للإيقاع بضحاياه، موهما إياهم بأنه سيسوي لهم كل التعقيدات العقارية مقابل أموال كبيرة. تفاجأنا ونحن نقوم بإجراء هذا التحقيق بعملية القبض على عصابة خطيرة استولت على 9 سيارات من وكالات كراء السيارات عبر انتحال صفة أشخاص وهميين وبوثائق مزورة، زيادة على اكتشاف عصابة وطنية يقودها أحد المسبوقين القضائيين له علاقة بجماعات إرهابية، وكانت هذه المجموعة تنتحل صفة أقارب رئيس المحكمة العليا ووكلاء جمهورية وغيرها. أما في ولايات أخرى، فقد بلغت عمليات انتحال الصفة درجة غير مقبولة، وصلت إلى حد النصب على إطارات وضباط في الدولة، خاصة ما بات يعرف بقضية ابن الجنرال المزيف الذي نصب على أكثر من 150 ضحية بين ولايتي عنابة والبليدة، بينهم ضباط سامون سابقون في جهاز الأمن، برلمانيون ورجال أعمال، حيث كان المتهم الذي كان ينشط على مستوى الجزائر العاصمة، عنابة والبليدة، يوهم ضحاياه بالدخول في مشاريع وحل قضايا محل نزاع مقابل تقديم عمولات وصلت في عمومها إلى 20 مليار سنتيم. من جهة أخرى، وبعد مرور 17 سنة من الاحتيال على مئات المواطنين من مسؤولين ورجال أعمال وإطارات، تمكنت مصالح أمن العاصمة من الإطاحة بضابط مزيف كان يدخل ويخرج من المقرات الحكومية والوزارية بكل حرية، وذلك بانتحاله صفة ضابط سام في الأمن العسكري، وذلك بتواطؤ ستة أشخاص آخرين، أحدهم كان يدّعي هو الآخر أنه صهر جنرال. توقيف الضابط المزيف جاء إثر معلومات وردت إلى مصالح الدرك، تشير إلى أن المتهم يتردد على وزارات وهيئات حكومية مهمة، ليتم رصد تحركاته قبل أن ينصب له كمين بأحد أحياء بلدية الدويرة، وكان يحوز بطاقة مهنية مزوّرة تحمل ختم وزارة الدفاع الوطني، غير أن اللافت في الأمر هو حرص المتهم على أناقته، وتنقله بسيارات فاخرة، ما مكّنه من الاحتيال والنصب على 130 امرأة أوهمهن بالزواج. المحامي سمير بن مخلوف “حب عمل الخير والتظاهر بالتقوى أبرز صفات المحتال” يرى المحامي والباحث في الشؤون القانونية، سمير بن مخلوف، أن هذا النوع من الجرائم يتم باستعمال صفات وهمية أو أسماء كاذبة وبمناورات احتيالية، وغالبا ما يستعين النصاب بأشياء ووقائع يربطها بطريقة معينة، حيث تصلح تلك الأشياء لأن تكون دليلا على صدق ما يدعيه، خاصة أن النصاب قد يخلق لنفسه نمطا خاصا في الحياة يدعم به كذبه وحيلته وصفته التي ينتحلها أو يلبسها. وفي سؤال ل”الخبر” عن سبب الاستمرار في وقوع ضحايا هؤلاء بشكل كبير، قال بن مخلوف “الصورة الغالبة في جريمة النصب هي الانتساب إلى صفة تجعل من النصاب محل احترام وثقة الناس ومقصدهم لتلبية حاجاتهم، فغالبا ما تكون هذه الصفة وظيفة أو مهنة كالقضاة وذوي الرتب والمناصب الحساسة، أو الانتساب إلى أحد من هؤلاء بادعاء القرابة أو الصحبة، أو حتى من خلال التظاهر بالتقوى والصلاح وحب عمل الخير، ناهيك عن الصورة الشائعة مثل الشعوذة والدجل وزعمهم الاتصال بالجن والقدرة على تلبية الحاجات. كل هذه الصور مع اختلافها وتنوعها، تشترك في هدف واحد ووحيد هو الوصول إلى سلب أموال الناس حسني النية أو ممن دفعهم الطمع للفوز بأشياء معينة أو الضحايا بالباطل، الأمر الذي جعل هذا الجرم ينخر المجتمع في نواحيه الاقتصادية والتنظيمية والاجتماعية ويطال الفرد والمؤسسة والمجتمع. النفساني بلقاسم نويصر “انتحال صفة الغير تتويج لظاهرة الاحتيال والنصب” يعتبر النفساني بلقاسم نويصر أن جريمة انتحال الصفة هي امتداد لظاهرة الاحتيال التي انتشرت في المجتمع بشكل لافت، وقد صارت هذه الظاهرة شائعة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث يستغلها أشخاص معينون بغرض الحصول على منافع شخصية لم يتمكنوا من الحصول عليها بالطرق القانونية والمشروعة، لكن أغلب الظن أن من يقوم بهذه الممارسات هم من البطالين والمحرومين، خاصة مع وجود المادة الخام لانتشار هذه الظاهرة والمتمثلة في العادات والتقاليد التي تتقبل مثل هذه العمليات، بدليل أن العديد من عصابات الأفارقة انتحلت صفة مشعوذين وتمكنت من النصب على مواطنين سذج، لذا وجب نشر ثقافة واقعية لكشف هذه الألاعيب إضافة إلى الصرامة القانونية. إحصاءات غير متاحة سعت “الخبر” للحصول على إحصاءات حول عدد قضايا انتحال صفة الغير والاحتيال من الجهات المختصة من شرطة ودرك وطني لكن من دون جدوى، بسبب تحجج هذه الأخيرة بأن الإحصاءات النهائية والرسمية توجد على مستوى وزارة العدل. الجزائر: ج.بوعاتي السجن والتغريم المالي لمنتحل صفة الغير ينصّ قانون العقوبات الجزائري فيما يتعلق بجريمة انتحال صفة الغير والاحتيال بواسطة على الأشخاص في مادته 372، على تسليط عقوبة الحبس من سنة على الأقل إلى 5 سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20 ألف دينار، على كل من تورط في مثل هذه الأفعال، فضلا عن أن المشرع جعل للجريمة ظرفين مشددين أحدهما يتعلق بالجاني الذي يلجأ إلى الجمهور أي أن تكون الجريمة باللجوء إلى الجمهور، والآخر بالمجني عليه وهو عندما تكون الضحية الدولة أو إحدى مؤسساتها، فهنا ترتفع العقوبة إلى 10 سنوات والغرامة إلى 40 مليون سنتيم. وفي مقابل ذلك، فقد قيّد المشرع كذلك بشكوى من المضرور إذا تعلق الأمر بالأقارب والأصول والفروع والأزواج، وفي ذلك كله حفاظ على استقرار الأسر الجزائرية.