لم يعُد تلاميذ الأقسام النِّهائية المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا أو امتحان شهادة التعليم المتوسط مضطّرين لاقتناء الحوليات، والتسجيل في دروس الدعم مع التنقل إلى منازل زملائهم لمراجعة دروسهم لكي يستعدّوا للامتحانات الرسمية؛ فقد أبقت التكنولوجيا الحديثة وبالأخص تقنيات الجيل الثالث التلاميذ على التواصل مع أساتذتهم وزملائهم، وساعدتهم على مراجعة دروسهم عن طريق "السكايب" والمجموعات والصفحات الدراسية في "الفايسبوك" لتكون حافزا وسندا لهم في تحقيق النجاح. عرف بعض التلاميذ كيف يستفيدون من تكنولوجيا الجيل الثالث والهواتف الذكيّة المتاحة بين أيديهم، ليحوّلوها إلى مدارس وثانويات افتراضية يتبادلون فيها المعلومات والأسئلة، وينقلون كل انشغالاتهم والصعوبات التي يجابهونها في مشوارهم الدراسي، فقاموا بإنشاء صفحات للدراسة والمراجعة على "الفضاء الأزرق"، ويكفي التلميذَ الضغطُ على الزرّ ليصبح عضوا فيها، ويضحى بإمكانه الإطّلاع على جميع المنشورات والدروس. كما يمكنه الانضمام إلى المجموعات الخاصّة بالدراسة، وهي الأخرى توفر لهم ملخّصاتٍ في العديد من المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا والعلوم الشرعية، أو تمارين وحلولها بالنسبة لأصحاب الشُّعب العلمية. و إن كان التلاميذ قد سعوا لتأسيسها في "الفايسبوك" للمراجعة فقد تجسدت المدارس الافتراضية إداريا أيضا على أرض الواقع بفضل برنامج "دي زاد سكول الذي أطلقه فريق " دي.زاد سوفت تكنولوجي" قبل سنتين "والخاص بتسيير المدارس الابتدائية، ويعد بداية حقيقية للمدارس الافتراضية ساهم في إنجازه أكثر من مائتين مؤسسة تربوية، بالإضافة إلى 250 ألف عضو مشارك في المنصة الإلكترونية التربوية "نبراس المعرفة". و لقي البرنامج إقبالا واسعا بعد أن أقدمت أزيد من 1000 مدرسة على تحميله حتى يسهل عليهم مهمة تسيير الإدارة الداخلية للمؤسسة. ويسمح بمراقبة أداء المعلمين والتلاميذ ومدى انضباطهم أو إدارة بياناتهم وتصنيفهم والمعلومات الخاصة بهم، وثمنت وزارة التربية هذا البرنامج وراحت تبحث عن سبل لتعميمها على باقي الأطوار التعليمية. ملخَّصاتٌ إلكترونية وفيديوهات مجموعة الدِّراسة، مراجعة دروس اللغة الألمانية، مراجعة دروس اللغة الإسبانية، التحضير الجيّد للبكالوريا، كل ما يخصّ الثالثة ثانوي علوم تجريبية... وغيرها المئات من الصّفحات والمجموعات التي يعجّ بها "الفايسبوك"، ويسعى من خلالها التلاميذ إلى التواصل مع بعضهم بعضٍ بوضع بعض التمارين والتعاون على حلها، ثم المقارنة مع الحل الصحيح. أو من خلال وضع ملخّصات لدروس المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا والعلوم الشرعية حتى يتسنّى لهم الحفظُ بطريقة سريعة وترسّخ الدروس في فكرهم، ولم يكتفِ التلاميذ بنشر الدروس فقط، بل راحوا يبتكرون أساليب تجعل استيعابَها سهلاً عليهم، فبرعوا في كتابة ملخّص للحرب الباردة بطريقة قصصية تروي الصراع بين المعسكرين الشيوعي بقيادة الإتحاد السوفياتي سابقاً والرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولم تتوقف إبداعات التلاميذ عند هذا الحدّ، بل راحوا يضعون فيديوهاتٍ خاصة بالمواد العلمية للشُّعب المتخصِّصة تشرح دروسا في الفيزياء والكيمياء، وكيفية حلّ وتمثيل الدوال بمختلف أنواعها، ما يسهِّل لمُشاهِده المتابعة ويزيد قدرته على إنجاز مسائل وتمارين مشابهة. ثانوياتٌ ومتوسِّطات افتراضية .. "إنها ليست مجرّد صفحات، هي ثانويات ومتوسِّطات افتراضية"، هكذا فضلت "مريم" وصفها، فبعد أن انضمّت إلى مجموعة الدراسة صار بإمكانها التواصل مع تلاميذ مقبلين على اجتياز امتحان البكالوريا، يقاسمونها قلقها، ويتفهّمون مخاوفها، ويشاركونها في حفظ ومراجعة الدروس ومدى استيعابها. وتضيف "مريم": "عندما أشعر بالملل، أفتح صفحة "الفايسبوك" وأرى زملائي يتسابقون لإيجاد حلٍّ لمسألة ما، فأدخل السباق معهم، وأشعر بطاقةٍ وحماسة كبيرتين حتى أجد النتيجة قبلهم". أما "ليلى" التي كانت تبحث عن نماذج لمقالات فلسفية حتى تتمرّن على حلّها أثناء العطلة الربيعية، فتجد أن هذه المجموعات تكتسي صبغة جدّية، لأنها مقتصرة على المقبلين على اجتياز امتحانات البكالوريا، كما أن المشتركين فيها لا يدّخرون جهدا لمساعدة بعضهم البعض، سواء من حيث قائمة الدروس المحتملة أو روابط الحوليات ونماذج الإجابة، فكل شيئا تجده هنا، حتى أن البعض يعطيك معلوماتٍ أكثر من تلك التي تجدها في الثانوية، وفي دروس الدعم. في حين يصف "بلال" هذه الصفحات ب"خليّة النحل" لكثرة ما تستقبله من مناشير وتعليقات على مدار اليوم، فحتى التلاميذ سواء ممن يدرسون معه في الثانوية أو الرابعة متوسط يبقون على تواصل مع مدارسهم الافتراضية بفضل تقنية الجيل الثالث، ليتابعوا كل جديد في عالم الدراسة والحفظ، ويتفاعلون معها أثناء ركوبهم الحافلات أو خلال فترة الراحة. مراجعة إلكترونية مع الأساتذة لا يقتصر التواجد في هذه الصفحات والمجموعات على التلاميذ، بل حتى بعض الأساتذة يشاركون فيها ويساهمون في شرح المسائل المستعصية للتلاميذ عن طريق التعليقات أو منشورات خاصة، تتحوّل بعدها إلى ساحة للنقاش والتعبير. يحكي لنا أستاذُ رياضيات بثانوية في القبة، أنه يفضِّل التواصل مع تلاميذ عبر صفحات "الفايسبوك"، فلمّا قرّروا إنشاء صفحة للتحضير لبكالوريا 2016 دعمهم وشجّعهم على الفكرة وانضمّ إليهم ليساهم في إمدادهم بالمسائل وإعانتهم على حلها، ويتلقى هذا الأستاذ يوميا عشراتِ الاستفسارات من تلاميذ بقسمه وبالثانوية التي يدرس بها، بل وحتى من ولاياتٍ أخرى. وأضاف محدّثنا بأن هذه التقنية هي أكثر نجاعة بالنسبة للتلاميذ؛ فالحوليات والأسئلة الإلكترونية والمراجعة الجماعية تحفّزهم على العمل والتعاون أكثر. وتهتمّ هذه الصفحات والمجموعات أيضاً بنشر روابط لتحميل حولياتٍ مع الحلول المتعلقة بمختلف المواد وضعها العديدُ من الأساتذة المتخصصين، مع نماذج لامتحانات بكالوريا سابقة، ومواضيع اختبارات وفروض من مختلف أرجاء الوطن. "السكايب" وسيلة فاعلة للاستيعاب ولأن التكنولوجيا الحديثة أزالت الحواجز واستطاعت أن تجمع شمل الأفراد، وجد بعض التلاميذ في الاستعانة ب"السكايب" للحفظ أو مناقشة بعض المواد كالرياضيات والفيزياء، فكرة ناجعة، فالاتصال والحديث من خلاله يُشعِرهم وكأنهم في قسم واحد، ما يمكنهم من مناقشة النتيجة المتحصّل عليها بطريقة مباشرة. ولم يفوّت المقبلون على الامتحانات الرسمية فرصة استغلال العطلة للتحضير الجيِّد، فقد وضعوا برامجَ دراسية مقسّمة حسب أيام العطلة، ولكل يوم برنامجه الدراسي، وفي حال التزام التلميذ به فسيكون بوسعه حفظ كل برنامج الفصل الثاني، حيث جرى تقسيمُ اليوم الواحد إلى خمس فقرات معها فترة مخصّصة للراحة ومزج بين المواد العلمية والأدبية حتى لا يشعروا بالملل. المراجعة مفيدة جدا على "الفايسبوك" اعتبر رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، بن زينة علي، الثانويات والمتوسّطات الافتراضية تجربة إضافية للتلاميذ، ف"الفايسبوك" سمح لهم بتكوين مجموعاتٍ يراجعون فيها ويتساءلون من خلالها ويتبادلون الخبرات، وهو أمرٌ مفيد جدا لهم، حسب المتحدث؛ فهذه الحوليات الإلكترونية والصفحات والمجموعات بإمكانها أن تصبح بديلا للدروس الخصوصية ودروس الدعم. ويؤكّد بن زينة أن بقاء الأساتذة على تواصل مع تلاميذهم، وتعاون المرشّحين فيما بينهم عبر "الفايسبوك"، يساهم في توصّلهم إلى حلولٍ إيجابية فهم يفيدون ويستفيدون أكثر. وشدّد بن زينة على ضرورة مراقبة الأولياء للمراجعة الالكترونية حتى لا يدخل التلميذُ في حوارات ونقاشات بعيدة عن سياق الدروس قد تشغله وتشوّش تفكيره، فلا بد من المتابعة. تقنية جيّدة تساعد في تثبيت المعلومات من جهته، أكّد المكلف بالإعلام لنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني الموسّع "الكناباست"، الأستاذ بوديبة مسعود، أن أي وسيلة تواصل اجتماعي ك"الفايسبوك" بإمكان التلاميذ استخدامها للمراجعة والاستفادة منها في طرح الأسئلة وتلقِّي الإجابات، وتساعده أيضا في فهم ظواهر معيَّنة ومراجعة بعض الدروس. وثمَّن المتحدث هذه التقنية الحديثة واعتبر استعمالَها أمراً جيداً؛ إذ أصبح التلاميذ يستغلونها في الدراسة، وهو ما يساعدهم في تثبيت المعلومات جيّدا، فبمجرد أن يكتب التلميذ السؤال والجواب ترسخ المعلومة لديه أكثر حتى وإن لم يكن يعلم الإجابة، ومن خلال مساهمات وإجابات زملائِه سيتعلَّم أكثر.