الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ينهي حالة الترقب أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصفة رسمية عن مشروعه لتعديل الدستور، فاتحا بذلك الباب واسعا أمام ترشحه لعهدة ثالثة، وأكد القاضي الأول أن اتخاذه القرار بمراجعة أعلى قانون في البلاد، نابع من يقينه بأن الظروف السياسية والاجتماعية للبلاد، باتت مواتية لإنجاح هذا المشروع. * * التعديل سيكون بجمع الغرفتين ولا يتطلب استفتاء * * وقال رئيس الجمهورية "كنت قد أعربت سالفا منذ 1999 و2004 وفي مناسبات عدة عن رغبتي في تعديل الدستور عندما تكون الظروف مواتية"، انطلاقا من يقينه بأن "الدساتير هي نتاج جهد بشري قابل للتطوير والتحسين وهي تعبير عن إرادة الشعب في مرحلة معينة من تاريخه تجسيدا لفلسفته ورؤيته الحضارية للمجتمع الذي ينشده، فلكل دستور إذن ظروفه وأسبابه وأبعاده التي يرمي إليها في تأسيس وتنظيم المجتمع والدولة وكافة العلاقات والآليات الدستورية المتعلقة بنظام الحكم وممارسته وتكريس الحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن". وتابع القاضي الأول، في الكلمة التي ألقاها بمناسبة افتتاح السنة القضائية، "عندما أعلنت عن رغبتي في تعديل الدستور كنت قد أوضحت حينها الدواعي التي كانت تفرض ضرورة التكيف مع المرحلة القادمة"، ما استدعى مراجعة الدستور في أقرب فرصة تتيحها الظروف، غير أن ثقل الالتزامات وتراكم الأولويات وتعدد الاستحقاقات، كما قال الرئيس، حالت دون تجسيد هذا الهدف وفرضت مزيدا من التريث والانتظار. * * التعديلات جزئية ولا تتطلب استفتاء * وأوضح رئيس الجمهورية أن التعديلات التي قرر إدخالها على الدستور "جزئية ولا تؤثر على توازن وصلاحيات المؤسسات الدستورية"، وقال "ونظرا للالتزامات المستعجلة والتحديات الراهنة، فقد ارتأيت إجراء تعديلات جزئية محدودة ليست بذلك العمق ولا بذلك الحجم ولا بتلك الصيغة التي كنت أنوي القيام بها". * ولم يتطرق القاضي الأول في الكلمة التي ألقاها أمس، بالمحكمة العليا، بمناسبة افتتاح السنة القضائية، إلى التعديلات التي قرر إدخالها على الدستور بصراحة، واكتفى بالتأكيد على أنها لا تتطلب اللجوء إلى الشعب، قائلا "فقد فضلت اللجوء إلى الإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور". * ولفت رئيس الجمهورية في خطابه، إلى أن إقدامه على القيام بتعديلات جزئية فقط، أملتها ظروف زمنية ومعطيات سياسية، مؤكدا تمسكه وعدم تخليه عن التعديلات العميقة التي فكر فيها في وقت سابق، والتي تقتضي عرض هذا النوع من المراجعة الدستورية على الجزائريين في استفتاء شعبي. * عرض رئيس الجمهورية بشيء من التبسيط غير الصريح، إلى طبيعة الإجراء الذي سيقوم به، لافتا إلى أنه من بين "مقاصد مشروع التعديل الدستوري الذي سيعرض على البرلمان بعد إدلاء المجلس الدستوري برأيه المعلل بشأنه طبقا لأحكام المادة 176، "هو إثراء للنظام المؤسساتي بمقومات الاستقرار والفاعلية والاستمرارية، وهو يرتكز على جملة من المحاور، أولها: "حماية رموز الثورة المجيدة التي أصبحت رموزا ثابتة للجمهورية لما تمثله من ميراث خالد للأمة جمعاء لا يمكن لأحد التصرف فيها أو التلاعب بها وهذا بإعطائها المركز الدستوري الذي يليق بمكانتها"، وهو توجه، برأي بعض المتتبعين، من قبل الحكومة لتقنين معاقبة كل من يطال رموز الثورة من تشويهات في الداخل والخارج. * * وزير أول بدل رئيس الحكومة * ويهدف التعديل الدستوري أيضا، كما جاء في خطاب رئيس الجمهورية، إلى "إعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية"، في إشارة إلى اعتماد منصب وزير أول في الدستور الجديد، على غرار ما كان معمولا به في دستور ما قبل 1989، بدل رئيس حكومة، كما هو معمول به حاليا. * وشدد الرئيس على أن هذه التعديلات سوف لن تمس بالتوازنات الأساسية للسلطات، وذلك من خلال خلق "سلطة تنفيذية قوية موحدة ومنسجمة بإمكانها تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات الناجعة بسرعة بما يمكنها من تجنب الازدواجية والتعارض وتجاوز سلبيات التوفيق بين برامج مختلفة تؤدي في النهاية إلى تشتيت وتمييع المسؤوليات وتضارب القرارات"، الأمر الذي من شأنه تعطيل تنفيذ البرامج وإنجاز المشاريع والإضرار بمصالح البلاد والعباد، على حد تعبيره. * ومن بين التعديلات التي يرجح انها معنية بالتعديل، عرض المادة 74 من الدستور للمراجعة، والتي تنص على أن "مدة المهمة الرئاسية خمس سنوات، ويمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة "، غير أن بوتفليقة عبر عن هذا التوجه ضمنيا، بقوله إنه مع "تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وان يجدد الثقة فيه بكل سيادة"، انطلاقا من إيمانه بأنه "لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته، لأن العلاقة بين الحاكم المنتخب، والمواطن الناخب هي علاقة ثقة عميقة متبادلة، قوامها الاختيار الشعبي الحر والتزكية بحرية وقناعة". * * دسترة الحقوق السياسية للمرأة * كما أكد رئيس الجمهورية أن من بين التعديلات التي يريد إدخالها على الدستور، ترقية حق المرأة في الممارسة السياسية، وذلك بإدراج مادة جديدة في الدستور المعدل، "تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع حظوظ تمثليها في المجالس المنتخبة على جميع المستويات"، وذلك حرصا على ضرورة "مواصلة العمل من أجل ترقية مكانة المرأة الجزائرية في مجتمعنا وتفعيل دورها الحيوي في بناء وتطور البلاد بتذليل كافة العقبات لتمكينها من مشاركة أفضل على قدم المساواة مع أخيها الرجل في كافة مناحي التنمية وتشجيعها خاصة على الانخراط في النشاطات الاقتصادية والسياسية والجمعوية". * * محاربة الإرهاب وتكريس المصالحة سبب تأخير التعديل * وأرجع الرئيس التأخر في الإعلان عن تعديل الدستور، لجملة من الانشغالات، قال إن في مقدمتها مساعيه الحثيثة من أجل إنجاح الميثاق من أجل المصالحة الوطنية، وكذا تعزيز جهود الدولة في محاربة الإرهاب، وقال في هذا الصدد لقد "كان الانشغال آنذاك منصبا على مكافحة الإرهاب وتكريس سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية ومعالجة مختلف آثار المأساة الوطنية"، مشيرا إلى أنه "فضل إعطاء كل الأولوية لما يشغل بال المواطن والتكفل بمشاكله وكذا مواصلة برامج الإصلاح ومشاريع التنمية الكبرى والحرص على إتمامها في مواعيدها المحددة". * لقد أعلنت من قبل بأنني لن أتردد في التوجه مباشرة إلى الشعب لاستفتائه بشأن مشروع تعديل الدستور، إلا أنه على ضوء التجربة المعيشة منذ سنوات ومعاينة تداخل السلطات في ممارستها لمهامها من حين إلى آخر، فقد برزت ضرورة إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور لضمان مزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة.