جثمان المجاهد بلقاسم بزة يوارى الثرى بمقبرة خنشلة    تفعيل 3 مشاريع جزائرية مبتكرة في الصحة الالكترونية    قرار وزاري لتحديد شروط وكيفيات معالجة طلبات شراء سكنات البيع بالإيجار    بن جامع: "تحديات أطفال غزة صارت كبيرة"    الجزائر تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بأزيد من 400 عنوان    وهران: مسرحية "الصمود" تستحضر محطات خالدة من الثورة التحريرية المظفرة    المغرب: اختراق تجار المخدرات للمجال السياسي ساهم في انتشار الجرائم العابرة للقارات    الصين تثمن الدور الهام للجزائر في تعزيز السلام بالمنطقة والعالم    الجزائر العاصمة: انهيار بناية قديمة ببلدية القصبة دون تسجيل أي خسائر    خنشلة.. معركة " أغروط أغقالت "… محطة فارقة في الولاية التاريخية الأولى    معرض جماعي لأعمال جزائرية تشكيلية حول طبيعة وثقافة الصين    كرة القدم: "الفاف" تعلن انطلاق محاضرات المتربصين لنيل شهادة "كاف أ"    صدور القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية    "الأونروا": 660 ألف طفل فلسطيني في غزة بلا تعليم و88% من مدارس القطاع مدمرة    أبو الغيط يشيد بمبادرة الجزائر لعقد جلسة "هامة" من أجل تدعيم العلاقة بين الجامعة العربية ومجلس الأمن    كرة القدم المدرسية: تأهل المنتخب الجزائري للذكور إلى البطولة الإفريقية    هلاك شخص وإصابة آخرين في حادث مرور بولاية الوادي    سعيود يشيد بالدور الفعال للمؤسسات الناشئة في الرقي بقطاع النقل    بلمهدي: الجزائر حريصة على ضمان تكفل أفضل بالحجاج خلال موسم الحج    بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للملتقى البرلماني حول التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر ابان الاستعمار    الهلال الأحمر الفلسطيني: استبدالنا بوكالة الأونروا شائعات صهيونية    البطولة الوطنية لفوفينام فيات فوداو:انطلاق المنافسات بمشاركة 517 رياضيا يمثلون 87 ناديا    فلسطين:أطفال غزة يقتلون ويجوعون ويتجمدون حتى الموت    الصحافة الدولية تتناول بشكل واسع تحرير الجزائر لرعية اسباني    الابتكار في الصحة الالكترونية: الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من "سلاش'س دي"    المغرب: فشل الحكومة في الحفاظ على صحة المواطنين يحول داء الحصبة إلى وباء    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يبحث مع سفير جنوب إفريقيا سبل تعزيز التعاون الثنائي    السيد بللو يشرف على افتتاح يوم دراسي جزائري-إيطالي حول تثمين التراث الثقافي    هكذا يقضي سكان غزّة أيام الهدنة..    ممثلا الجزائر يستهدفان كأس الكاف    الرعية الإسباني المحرّر يشكر تبّون والجزائر    سياحة: 90 مشروعا سياحيا سيدخل قيد الاستغلال هذه السنة    صدى عالمي لجائزة الجزائر للقرآن الكريم    شطر من منفذ الطريق السيار جن جن العلمة يوضع حيز الخدمة    مُتسوّلون برتبة أثرياء!    منظومة الضمان الاجتماعي في الجزائر قائمة على مبدأ التضامن بين الأجيال    وزير الداخلية"إبراهيم مراد" مخطط شامل للنهوض بولاية بشار وتحقيق التنمية المتوازنة    مجلس الأمة: المصادقة على نص القانون المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها    بللو: نحو تعاون أوسع في مجال الفنون بين الجزائر وإيطاليا    رسالة من الرئيس تبون: وزير الاتصال يلتقي رئيس ناميبيا لتعزيز التعاون    وهران : ترحيل 27 عائلة إلى سكنات جديدة ببئر الجير    اللحوم الحمراء الطازجة في رمضان ستبلغ أقصى مبلغ 1900 دج    الكوكي مدرباً للوفاق    الصحافة الفرنسية تسج قصة جديدة ضمن سلسة تحاملها ضد الجزائر    متابعة أشغال مشروع قصر المعارض الجديد    الثورة الجزائرية الوحيدة التي نقلت المعركة إلى عقر دار العدو    ديون الجزائر لدى المستشفيات الفرنسية.. حملة اعلامية جديدة تسوق البهتان    استفزازات متبادلة وفينيسيوس يدخل على الخط    تطبيقة إلكترونية للتبليغ عن مواقع انتشار النفايات    حاج موسى: أحلم باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز    لباح أو بصول لخلافة بن سنوسي    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    تاريخ العلوم مسارٌ من التفكير وطرح الأسئلة    السينما الجزائرية على أعتاب مرحلة جديدة    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب على مسار التاريخ
نشر في الشروق اليومي يوم 19 - 11 - 2008

اختار عدد من السياسيين تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وجعلوا منه أساس النظام السياسي العصري الذي يميز البلدان المتقدمة. وفي الضفة المقابلة، يوجد قادة كرسوا حياتهم لمحاربة فكرة الفصل بين السلطات، لأنها "مستوردة وغريبة عن تقاليدنا". واعتبر الصنف الأول من القادة أن السلطة تدفع صاحبها إلى الاستبداد، وأنه لا بد من إقامة سلطة مضادة أينما وجدت سلطة. بينما اعتبر الصنف الثاني من القادة أنهم يعرفون كل شيء، وأنهم لا يخطئون، وأن إرادتهم أفضل من إرادة الشعب، وأن المعارضة لا تهدف إلا لعرقلة عملهم المتواصل من أجل فائدة الشعب وخدمته. ولذلك، فإن وجود سلطات أخرى غير سلطتهم تشكل عائقا أمام النور الذي يصدر منهم...
*
ابتداء من القرن الثامن عشر، سمح مبدأ الفصل بين السلطات للبلدان الغربية بإقامة نظام سياسي قوي ضمن لها تقدما اقتصاديا وعلميا وعسكريا لا مثيل له، إلى أن فرضت سيطرتها على العالم. ومع ممر السنين، أصبحت فكرة الفصل بين السلطات تشكل هدفا تريد أغلبية شعوب العالم أن تحققه، لأنه يمثل الركيزة الأساسية للمؤسسات العصرية. وأصبحت بلدان تنتمي إلى فضاءات فكرية وثقافية مختلفة تتبنى هذا المبدأ لأنه، ورغم نقاط الضعف التي يحتوي عليها، يبقى النظام الأقل سوء لضمان الرفاهية وحماية الحريات.
*
وجاء القرن التاسع عشر بدوره بسلطة جديدة، فرضت نفسها تدريجيا في البلدان التي تحترم الحريات. وأصبح الإعلام يشكل بدوره أحد الأقطاب الأساسية للحياة الاجتماعية، بفضل دوره في الترويج للأفكار وفي نشر المعرفة. وتحول الإعلام إلى طرف في الحياة السياسية، رغم الانحرافات ومحاولات مختلف الأطراف أن تستعمله لصالحها، ورغم العلاقات المشبوهة التي أقيمت في كثير من الأحيان بين الإعلام من جهة، وأوساط في السلطة ومراكز النفوذ من جهة أخرى.
*
ومع نهاية القرن العشرين، عرف هذا التطور انتقالا نوعيا جديدا، بل ثورة جديدة، مع الانفجار الذي وقع بعد انتشار البارابول والإنترنت. وراحت البلدان المتقدمة تبحث عن صيغة جديدة في تنظيم العلاقة بين السلطات والمؤسسات والإعلام. وبسبب تعقد المسألة، وضعت البلدان التي تحترم الفصل بين السلطات الآلاف من الباحثين وأهل العلم في محاولة للتحكم في هذه التطورات الجديدة، والعمل الدائم للمحافظة على الفصل والتوازن بين أربعة أطراف: صانع القانون، ومطبق القانون، وحامي القانون والمعلق على القانون.
*
وإذا أردنا أن نتعرف على مسار الجزائر في هذا الميدان، نلاحظ أن بلادنا تتصرف وكأنها تريد إعادة صنع التاريخ "بالمقلوب"... إنها تنطلق من أعلى درجة لتعود إلى درجة الصفر. ويزداد التناقض عندما نرى أن هذا التراجع الرسمي يحدث بينما يعرف المجتمع الجزائري تطورا هائلا في استعمال وسائل الإعلام العصرية، حيث أن البلاد تعرف نسبة من أعلى النسب في العالم في استعمال البارابول والهاتف النقال، بينما يعرف الإنترنت تطورا كبيرا ولو أنه لم يبلغ بعد ما يحدث في بلدان أخرى. ورغم كل هذا، فإن السلطة تتصرف وكأنها تريد أن تعيد البلاد إلى عهد قديم، عهد لم تكن الإنسانية قد اكتشفت المؤسسات العصرية...
*
ففي بداية التسعينيات، كانت الجزائر قد دخلت عهد التعددية السياسية والحزبية، واجتهدت لتفتح مجالا لتنظيم كل التيارات السياسية بشكل قانون وعلني. ووجدت الأحزاب منفذا للتعبير عن طموحاتها عبر مختلف وسائل الإعلام، في حين تفتح الإعلام واكتشف الاستقلالية والحرية. وكانت الجزائر توحي أنها ذات طموح كبير، وأنها فتحت مجال النقاش لتصنع لنفسها مستقبلا واعدا.
*
لكن مع ممر السنين، تراجعت الجزائر عن ذلك الجو من الحرية، وشرعت في تهديم ما تم إنجازه، إلى أن أصبحت تظهر وكأنها لا تحمل مشروعا سياسيا ولا حضاريا، بل وأنها أصبحت عاجزة عن اتخاذ أية مبادرة، باستثناء تلك التي تهدف إلى إبقاء أهل السلطة في السلطة. وظهرت الجزائر بصورة بلد مغلق، لا يعرف كيف يخرج من المأزق.
*
بعد ذلك، قررت السلطة أن تصنع لنفسها دستورا جديدا يضمن تجنب أية مفاجأة. وجاء دستور 1996 ليسمح بتكوين أقلية فاعلة في مجلس الأمة، يمكن أن تواجه أي قرار خطير يتم اتخاذه في المجلس الشعبي الوطني. وبذلك أصبح البرلمان عاجزا أمام السلطة التنفيذية، ولو بطريقة نظرية فقط.
*
لكن هذا لم يكن كافيا، لأن دستور 1996 كان يحتوي على بعض المواد التي تسمح مثلا للبرلمان أن يعارض الحكومة ويفرض استقالتها، كما أن الدستور يعطي للشعب امكانية انتخاب ممثليه. ومن جهة أخرى، فإن دستور 1996 يشير إلى أن الحكومة ورئيسها مسئولان أمام ممثلي الشعب، وهذا ليس مقبولا في نظر سلطة تعتبر أنه ليس من صلاحية الشعب أن يعين المسئولين. فجاء التعديل الأخير ليقضي على هذه الظاهرة الغريبة عن تقاليدنا، ويؤكد أن الجزائر تسبح ضد التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.