في خطاب تنصيبه في البيت الأبيض مدّ الرئيس الأمريكي الجديد يده إلى المسلمين في العالم وقال "إلى العالم الإسلامي نقول: إننا نسعى لسلوك طريق جديد يأخذنا إلى الأمام، إنه طريق يستند إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل". * أوباما قال إن أمريكا ليست عدوا للمسلمين، وأنه مستعد لطي صفحة الماضي والشروع في مرحلة جديدة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي من خلال انسحاب القوات الأمريكية من العراق وصياغة سياسة جديدة في الشرق الأوسط وفتح حوار جديد مع إيران. كما أعرب عن استعداده لإلقاء خطاب هام للعالم الإسلامي من عاصمة إسلامية كبرى في غضون المئة يوم الأولى من توليه الرئاسة. الملفت للانتباه هو أن الرئيس أوباما يعد من الرؤساء الأمريكيين القلائل الذين تكلموا في خطاب تنصيبهم عن الإسلام والمسامين، كما أنه الوحيد من ضمن الرؤساء السابقين الذي خص قناة فضائية عربية بأول لقاء تلفزيوني له تكلم فيه عن قضية السلام في الشرق الأوسط والانسحاب من العراق والعلاقة مع سوريا وإيران وقضايا أخرى تهم العرب والمسلمين ومنطقة الشرق الأوسط. * يقر أوباما ويعترف بأن هناك أخطاء اُرتكبت في حق المسلمين والإسلام، وأن الحرب على الإرهاب يجب إيقافها والتفكير في طرق واستراتيجيات بديلة للتعامل مع هذه الظاهرة، كما يجب غلق معتقل غوانتنامو وإعادة النظر في موضوع الحرب على الإرهاب ومحاربة الإرهاب والتعامل مع الإرهابيين. كما يقر أن أمريكا ارتكبت أخطاء في الماضي، وهذا يعني بالنسبة لإدارته الجديدة عدم الاستمرار في هذه الأخطاء وإنما فتح أبواب الحوار والنقاش لإيجاد سبل مشتركة للتعاون والتفاهم. كما يرى الرئيس الأمريكي الجديد أن ملاحقة المنظمات الإرهابية يجب أن تكون وفق القانون، وأن تلتزم بالأعراف والتشريعات المعمول بها دوليا. أما بالنسبة لقضية السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، فيرى أوباما ضرورة النظر إلى المشكلة في إطار كلي وشامل يضم سوريا، لبنان، إيران، أفغانستان وباكستان. كما أكد الرئيس الأمريكي الجديد على الوفاء بالوعود التي قدمها في حملته الانتخابية بتعيينه السناتور الأمريكي السابق جورج ميتشل مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لإيران، أكد أوباما على استعمال كل الوسائل والطرق الدبلوماسية والاستماع إلى المسؤولين الإيرانيين واقتراحاتهم لفتح قنوات جديدة للحوار والتفاهم. * بما لا يتيح مجالا للشك، أظهرت الإدارة الأمريكيةالجديدة اهتماما بالغا بقضايا الشرق الأوسط والعلاقة مع العالم الإسلامي، كما أكدت الإدارة الجديدة أن المشاكل والاضطرابات وعدم الاستقرار يعود بالدرجة الأولى إلى الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا في المنطقة، والفشل الكبير في القرارات وطرق التعامل ومعالجة المشاكل العديدة وعلى رأسها الإرهاب والانحياز الأعمى للكيان الصهيوني في اغتصابه للأراضي الفلسطينية وصراعه مع الدول العربية. * قرارات أوباما هذه لا تجسد في أرض الواقع ولا تكلل بالنجاح إلا من خلال موقف شجاع وصريح بشأن القضية الفلسطينية وما حدث مؤخرا في غزة لا يبعث على التفاؤل، خاصة وأن إسرائيل قتلت أطفالا وأبرياء بسلاح أمريكي محضور دوليا. من جهة أخرى يتوجب على أوباما أن يتبنى الحلول السياسية والدبلوماسية وليس العسكرية وسياسة فرض الأمر الواقع وأن يبني صداقاته مع بلدان العالم على أساس من العقلانية والمصالح المشتركة. عبارة قالها وكررها أوباما عدة مرات، "أبراهم لينكولن هو قدوتي وأنني سأسير على خطاه"، للتاريخ أبراهم لينكولن استطاع أن يقضي على العبودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هل يستطيع أوباما أن ينصف الحق والعدل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعيد الابتسامة إلى الأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين يحلمون بأرض وبلد مثلهم مثل باقي أطفال العالم. * أوباما أكد على موضوعين هامين في الكلمات التي وجهها للعالم الإسلامي: المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهذا يعني أن الطرف الإسلامي يجب أن يحدد مصلحته المشتركة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ويحدد أولوياته وكيف يتعامل ضمن الآليات والميكانيزمات التي تحكم صناعة القرار في الولاياتالمتحدة حتى يحقق ما يريد. وهنا نؤكد على مختلف المنظمات والمؤسسات الإسلامية كمنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وغيرهما من المنظمات والجمعيات التعامل بمنهجية واستراتيجية ورؤية واضحة مع الإدارة الأمريكية لتحقيق المصلحة المشتركة التي تكلم عنها أوباما. أما بالنسبة للموضوع الثاني وهو الاحترام المتبادل فإنه كذلك يتطلب آليات وميكانيزمات محددة للوصول إلى هذا الاحترام. فحتى يحترمنا الآخر يجب أن نحترم أنفسنا وأن نحترم المجتمع والرأي العام والمجتمع المدني ومكوناته والفرد. في بلداننا الإسلامية، نيل احترام الآخر يتحقق من خلال العمل والجد والاجتهاد والعلم والمعرفة واحترام مبادئنا وتقاليدنا وديننا وتاريخنا وحضارتنا. ما تكلم عنه الرئيس أوباما يتطلب معرفة ماذا نريده من أمريكا وكيف نحقق ما نريده من أمريكا ونصل إليه. * فالمصلحة المشتركة بين أمريكا والعالم الإسلامي تتمثل بالدرجة الأولى في استتباب الأمن والأمان والسلم والاستقرار والرفاهية، وهذا من خلال تسوية القضية الفلسطينية ومحاربة ظاهرة الإرهاب والقضاء عليها. وهذا يعني عملا كبيرا وجادا في تحديد المفاهيم والمصطلحات والرؤى والاستراتيجيات. والبداية هنا تتمثل في تحديد مفهوم الإرهاب وتنقيته من كل الالتباسات والصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تربط الإرهاب بالإسلام وتجعل من الدين الإسلامي والمسلم على علاقة مباشرة مع الإرهاب. من جهة أخرى يجب الاتفاق على استراتيجيات وطرق وسبل معالجة الإرهاب الدولي الذي تعود بعض أسبابه إلى النظام العالمي غير العادل والمجحف في حقوق الدول النامية التي عانت في الماضي من ويلات الاستعمار، والتي تعاني اليوم من سلطة الآليات والميكانيزمات السياسية والاقتصادية الدولية الجائر * الاحترام المتبادل يجب أن يبنى كذلك على تحديد مفاهيم عديدة كالديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير وحرية الصحافة... الخ، فالديمقراطية التي تُفرض من الخارج وعلى ظهر الدبابات كما هو الحال في العراق لا يكتب لها النجاح وتخرج عن أدبيات احترام الآخر. والكيل بكيالين في موضوع حقوق الانسان والحريات الفردية لا يخدم احترام الآخر ولا المصلحة المشتركة. وهنا يجب الإشارة في سياق الكلام عن احترام الآخر إلى احترام خصوصية الدول والثقافات والديانات، وهذا ما يتطلب فتح المجال لحوار الأديان والثقافات والحضارات في سياق التكامل والتدافع بدلا من الصراع وثقافة الإقصاء. * دخل أوباما التاريخ بتوليه رئاسة أعظم دولة في العالم، وهو أول رئيس من أصل إفريقي يصل إلى البيت الأبيض وبإمكانه إن أراد أن يسجل اسمه في كتب التاريخ من خلال تجاوز مرحلة التربع على كرسي الرئاسة إلى مرحلة تغيير التاريخ بإعادة النظر في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية وفي نصرة القضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هل الرئيس الأمريكي حر في قراراته أم هناك اعتبارات أخرى تحول دون ذلك؟ نخلص إلى القول إنه مهما يكن فإنه لا يمكن أن تكون هناك إدارة أمريكية بدرجة السلبية والسوء التي طبعت فترة حكم بوش الابن في علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، وهذا ما يبعث على شيء من التفاؤل على الأقل.