تواجه الأمة المسلمة هجمة من الداخل بل هجمات من مختلف القوى الفاعلة هي أشد وأعتي وأكثر إيلاما من الحروب المتعاقبة، التي يشنّها عليها أعداؤها من الخارج، والسبب في ذلك يعود إما للجهل من العامة وأشباه المثقفين والأتباع أو للجحود والنكران والتوظيف من الحكّام بعد انتهاء دور كل جماعة دينية فاعلة، وما نراه من حملة على الوهابية لجهة الحكم عليها خارج زمانها وتصفية الحساب معها من منطلق سياسي والصراع معها على أساس مذهبي والتحالف مع قوى عالمية كاشفة عن أنيابها من أجل القضاء عليها، إلا حالة من حالات المواجهة في ظل حرب مفتوحة الجبهات في العالم الإسلامي. * الهدف من الحملة في نظري ليس الوهابية، لكونها ظهرت منذ أكثر من قرنين، ومازالت تؤثر في الأجيال وتلاميذ محمد بن عبد الوهاب ينتشرون في بقاع عديدة من العالم، وإنما للتشكيك في كل حركة تجديد في عالمنا، والأكثر من هذا إدخال المسلمين في ضيق المذاهب، ولنبتعد عن ذلك ونطبق قاعدة "موتوا بغيظكم" ولنترك الآخرين يعضون أناملهم من الغيظ، وجب علينا التخلص من الميراث العدائي المتراكم، المتعلق باحتكار الإيمان، ولننظر لكل حركة دعوية في تاريخنا باعتبارها إضافة لنا جميعا، حتى إن لم نعش في زمانها، ولنركز على إيجابياتها، ولنهجر طغيانها، ولا نتصيّد عثراتها ونأخذ الدّرس من أخطائها. * القول موّجه هنا لذوي العقول المفتوحة من مختلف المذاهب، الذين لا يسفكون دماء المسلمين، ولا يفسدون في الأرض ولا تأخذهم العزة بالإثم، ولا يحكمون على حوادث عبرت في التاريخ بضيق أفقهم، ويملكون القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وأتصور أن الهجمة على الوهابيّة، التي كانت في زمن ظهورها حركة تجديد أثرت العالم كلّه، في حاجة اليوم إلى هذا النوع من المسلمين لينصفها، وليربط حلقات التاريخ ببعضها ليس فقط لكونها غيّرت من وجه العالم الإسلامي، ولا لأنها تراث ديني ومعرفي، وإنما لأن الذي قادها شاب نشأ في عبادة الله، وفي فضاء القرآن في بيئة كانت أقرب آنذاك إلى الجاهلية الأولى. وتحّول بعد كد وجهاد وبلوغ الأسباب إلى واحد من أهم الدعاة الذين أثروا في حياة المسلمين.. إنّه الإمام "محمّد بن عبد الوهّاب(1703 1792). * الملاحظ أن معظم المراجع التاريخية تعتبر محمد بن عبد الوهاب "مصلحا دينيا واجتماعيا وسياسيا.. قام بالدّعوة الوهابيّة في الجزيرة العربيّة، وهي دعوة سلفيّة، أعادت إلى ممارسة العقيدة الإسلامية نقاوتها وصحّتها كما يفصح عنها الوحي والسنة"، غير أن هناك عددا من المثقفين والنخب وحتى الدعاة من السنة وأهل مذاهب إسلامية أخرى، يرونها تعبيرا عن فقه البداوة، وتمكينا للنظام الملكي في أرض النبوة، ودافعا للصراع بين المسلمين، خاصة مع الشيعة، وعاملا مساعدا على مزيد من التخلف في العالم الإسلامي. * لم تقدّم الوهابية نفسها بديلا عن الدين، وإنما ظهرت بهدف القضاء على البدع والخرافات في وقت لم يكن العلماء هادين ومصلحين بل حائدين عن الإسلام الصّافي وعن الهدي النبوي، وبدأ منشؤها بمناقشة أولئك العلماء ونصحهم حتى اشتد الجدل وهاجر من أجل التغيير داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها، ولم تكن له دعوة خاصة بدليل ما جاء على لسانه من قول "إني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين به هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة". * وهو محق في ذلك، لأن المراجع تشير إلى القول: "الوهابيون سلكوا مذهب أحمد بن حنبل في الفروع، في حين اعتمدوا في الأصول على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله"، وما يعاب عليهم حقا وقوعهم، مثل كل أهل المذاهب الدينية، في فخ الانغلاق لجهة اعتبار أنهم أهل الحق دون غيرهم، وقبولهم بنشوء نظام ملكي لأسرة واحدة بعد ذلك في بداية القرن العشرين. * على العموم لست هنا بصدد تتبع نقائص الوهابية ولا تصيّد عثراتها، ولا حتى التقليل من أهمية نشاط أتباعها في مختلف دول العلم، لأن الذي يعنيني، واعتقد أنه يهم عامة المسلمين وخاصتهم، هو كيفية الأخذ بما فيها من إيجابيات، وفض الاشتباك بينها وبين أهل المذاهب الأخرى، وباقي تيارات ما يعرف بالإسلام السياسي، وذلك بتقديم روح الإسلام وتكريس قاعدة "الدين المعاملة" لتحقيق شعار الأمة الواحدة. * الوهابية بالرغم من الحملات السياسية والإعلامية ضدها، زاد عدد أتباعها في الفترة الأخيرة، ذلك لأن ظروفا ومعطيات جديدة توفرت، أهلتها إلى العودة من جديد.. ما يعني أنها حركة تجديد، مع أنها قادمة إلينا من القرن الثامن عشر.. لقد عجز الزمن المعاصر عن تجاوزها، مع أن الحالة السعودية من الناحية السياسية تتجه نحو إنهاء التحالف معها من منطلق الرغبة في تقديم فروض الطاعة والولاء للغرب، خصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية بحجة أن رؤيتها قد تجاوزها الزمن، دون وعي بأن من اقترب من الإسلام سواء أكان فردا أو جماعة أو شعبا إلا وعمر طويلا، بل إن من هاجم الإسلام ومذاهبه أيضا نال نصيبا من الشهرة.. أعرفتم لماذا يحاربنا الجميع؟ ولماذا نقتل بعضا بعضا.؟ * على أتباع الوهابية أن يدركوا قبل فوات الأوان أن طريق عودتهم لسابق عهدهم قوة مؤثرة وفاعلة، يبدأ من الدخول في حوار مباشر دون إلغاء أو إبعاد لرؤى واجتهادات المذاهب الأخرى، وهذا هو طريق الخلاص لجميع المسلمين.. لقد خلقوا ليتعارفوا ويتعاونوا، وليعلموا أن لباس التقوى خير لهم، وأنهم عباد مستخلفون في الأرض، لكن لا يحق لهم احتكار الإيمان، فهم في النهاية بشر تتحكم فيهم الأهواء، وقد يلبسون إيمانهم بظلم. *