افتتاح قاعدة فرنسية في أبو ظبي، بالخليج العربي، لا يمكن استيعابه بعيدا عما يدور بين محوري باريس وطهران، وبما يحدث أيضا في الخليج العربي نفسه، والذي تحوّل إلى بؤرة مكشوفة تتجاذبها المصالح الغربية والطموحات الإيرانية والإستراتيجيات -القاعدية-. * * لقد استفاقت فرنسا، ربما بعد فوات الأوان، وأدركت أهمية أن يكون لها موطئ قدم في الخليج الذي عشّشت فيه القواعد الأمريكية، فسعت إلى بعث الاتفاق الفرنسي الإماراتي الذي وُقّع عليه في عام 1995، لعلها تستدرك شيئا مما فاتها، محاولة لعب أدوار محورية على الصعيد الإقليمي، وقد بدا واضحا أن الاتحاد الأوروبي لن يكون القطب الموازي للقطب الأمريكي، خاصة بعد ما أُفرغ من أهدافه الإستراتيجية والسياسية وتحول إلى مجرد سوق مشتركة تتعامل بعملة موحّدة وبتوجهات سياسية مختلفة. * فرنسا تعيش اليوم في مأزق كبير، فهي من أكبر الدول الصناعية التي أصابتها الأزمة الاقتصادية العالمية في الصميم، وانهدم بذلك الصرح الذي حاول الرئيس ساركوزي بناءه، بوعود مثالية في ثوب واقعي أثناء الحملة الانتخابية، ثم بجولاته العالمية التي كانت تعود عليه بالملايير، من الصين إلى ليبيا، مرورا بالجزائر، لتنفتح عليه جبهة الاحتجاجات الاجتماعية التي تضاف إلى فشل مشروع إدماج الجاليات ذات الأصل المغاربي والإفريقي، وكذا محاولات توجيه الرأي العام الفرنسي عبر التحكم بمؤسسات الإعلام والثقافة وشراء مصانع التسلح الكبرى لأبرز دور النشر ومؤسسات التوزيع الثقافي والباقات الفضائية. * وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تشكّل الرئاسيات الإيرانية بعد أسابيع الحدث الأبرز في الشرق الأوسط. فبعيدا عن التوجه الأيديولوجي أو الشعوبي ل"الرافضة" أو "الفرس" كما يحلو لبعض العرب تسميتهم فإن نظام "آيات الله" هو الأكثر ديمقراطية في المنطقة، بل الأوحد، ولهذا تتواصل محاولات الضغط الغربي على الناخب الإيراني للتصويت لصالح المحافظين وقطع الطريق أمام الإصلاحيين، وذلك عبر إشعاره المستمر بوجود تهديد خارجي. ومعلوم أن وجود التهديد المتعسّف والظالم يدفع بالكتلة الناخبة إلى التصويت على المشروع الأكثر راديكالية للحفاظ على الأمن القومي، حيث تتحول مجرد الدعوة إلى الحوار مع الآخر وصمة عار ودليل إدانة وتهمة عمالة، كما حدث مع الديمقراطيين الذين وُصفوا من طرف الجمهوريين في أمريكا إبان الحرب المسعورة على ما يُسمى "الإرهاب" بأنهم "الأقل وطنية". * فرنسا إذًا تحاول أن تجعل من إيران "قميص عثمان" لتبرر به تواجدها هي الأخرى في الخليج، لأن الحرب على إيران ستتم هذه المرة بواجهة أوروبية وليس أمريكية، في حين أن العرب هم الخاسر الأول، لأنهم ما فتئوا يخوضون حروب غيرهم بالوكالة، فيجعلون أراضيهم مسرحا للعمليات، بين القواعد العسكرية الغربية وتنظيم القاعدة، وبين العالم الغربي وإيران، ويدفعون ثمن الحرب، بالمال والدم وانهيار الاستقرار، وتعميق الهوة بين الشعوب والحكام.