عجبا لدولة تنص صراحة في دستورها على أن الإسلام دين الدولة، وفي موطن آخر من الدستور تحرم على المؤسسات ممارسة السلوك المخالف للدين الاسلامي. وفي مواقع عديدة أخرى من الدستور تحث على ضرورة تمجيد واحترام الدين الاسلامي... * * وفي الواقع الملموس والعملي نلاحظ محاربة للتدين ومظاهره، وأقصد اللحية والخمار.. بحجة ما يعرف بمكافحة الإرهاب أو للدواعي الأمنية، وذلك من خلال إلزام حلق اللحية.. أو استخراج الأذنين.. أو نزع الخمار أثناء استصدار بعض الوثائق الرسمية.. وإنني لن أسوق الكلام من باب "تسخين البندير" بقدر ما أسوق كلامي من باب إبراء الذمة... * بداية من حيث التنصيص الدستوري، فإن الأبعاد الثلاثة (العروبة، الأمازيغية، الإسلام) ثوابت أساسية لتفتح شخصية الفرد الجزائري.. دون عزل ثابت على حساب ثابت آخر.. فالتضييق على الأفراد من طرف مؤسسة من مؤسسات الدولة وإلزامهم على تصرفات تتناقض مع معتقداتهم مخالف مع منطوق وروح المادة التاسعة من الدستور.. وبالأخص الفقرة الناصة على عدم جواز للمؤسسات أن تقوم بالسلوك المخالف للخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر؟؟... بالتأكيد كل تعليمة أو قانون يصدر من المنطلق السابق يتناقض صراحة وعلانية مع القواعد الدستورية، الناصة على مكون الإسلام كثابت أساسي للدولة والمجتمع؛ فهي مواد جامدة لا تقبل الاجتهاد أو الالتفاف أو الانتقاص منها تحت أي داعٍ من الدواعي . والعجب!!.. لما تدخل للعديد من المواقع الغربية -كندا مثلا- وكأنك في دولة تتعامل مع الإسلام والمسلمين بدون غرابة أو عقدة أو خلفية، فتنص على حق الاختلاف الديني أثناء التصوير الفوتوغرافي... * ولذلك هذا الإجراء تعسفي بامتياز، مخالف للمقومات والمبادئ المبني عليها المجتمع الجزائري من جهة، كما هو مخالف بامتياز للعديد من نصوص الفصل الرابع من الدستور الخاص بالحقوق والحريات من جهة أخرى، سواء تلك التي تبطل أي عمل أو تصرف يستند لسبب تمييزي يعود للرأي أو أي شرط أو ظرف آخر... أو ذلك النص الذي يدعو لإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان وتحول دون مشاركته الفعلية؛ ولذلك اعتبر العديد الإجراء ماسا بكرامة الفرد وانتهاكا لحرماته (المادة 34) من الدستور ونحن منذ أزيد من عشرية رفعنا شعار العزة والكرامة، وفي المقابل يبدو أن لا التنصيص الدستوري ولا الشعار السياسي يصمد أمام التعليمة!!!... * وإن كان البعض قد يعتبر اللحية والخمار من أساسيات حرية المعتقد، فالمادة ستة وثلاثون واضحة بالتنصيص الصريح أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرية الرأي.... * فهذه الحقوق قد تعرف مجازا بحق الخصوصية وهي مكفولة دوليا ومحليا في العديد من النصوص.. ولذلك فدولة القانون والمؤسسات لا تبنى بالتعليمات والمزاجية أو الارتجالية ولكن تؤسس من خلال احترام النصوص.. فبعض الدوائر الإدارية والسفارات الجزائرية قد تتشدد.. والبعض الآخر قد يرخي ويتساهل.. * أمام هذا الواقع الملغم.. وباسم اليمين والقسم الذي يؤديه رئيس الجمهورية بالله العلي العظيم، باحترام الدين الاسلامي وتمجيده، نناشد القاضي الأول لتحقيق المثل العليا للعدالة.. بالرجوع للنصوص المؤسسة للدولة الجزائرية وطابعها الاسلامي برفع الغبن.... * ومن الدوافع التي ساهمت بكاتبة المقالة في هذا الوقت بالذات.. رغم أن المادة نوعا ما كبيرة بين صدور الإجراء وتطبيقه التماسا للأعذار لعل الإجراء إشاعة.. ولعل أحزابنا الإسلامية.. أو الاخرى ما تعرف بالمحافظة أو الوطنية.. أو نوابنا المحترمين تأخذهم العزة بالإثم.. ولكن يبدو أن منطق الحسابات والسياسة ولعبة "الدومينو" أنست العديد جذوره وسبب وجوده ورسالته.. فحتى المؤسسة "الدينية" الرسمية وكأنها غير موجودة.. وفي المقابل الفرد يعيش في حالة غليان وغضب. * وإن كان السبب الأمني دافع لاتخاذ الإجراء.. فإن العديد من الدول استعملت الجوازات وبطاقات الهوية البيومترية، فحتى بعض جيراننا الأفارقة سباقون في استعمال هذه التكنولوجية التي لا تتطلب الدقة بقدر ما تتطلب الإرادة.. فحتى أصبحت بالنسبة لي هذا الجواز أو البطاقة حلما يراودني في العديد من المطارات وأينما ارتحلت... فالكل لن يسأل عن اللحية والخمار بقدر ما يسأل عن سر عدم إصدار جواز بالموصفات التكنولوجية الحديثة... فلنصوب الهدف ولندق الأبواب الحقيقية.