قرر الإتحاد الأوربي الثلاثاء على هامش أشغال الدورة الرابعة لمجلس الشراكة الجزائري الأوربي المنعقد بالكسمبورج عقد منتدى إقتصادي يضم متعاملين جزائريين وأوربيين خلال الربع الأخير من هذه السنة. * المنتدى المزمع عقده بالجزائر هو الأول من نوعه ويهدف الى بحث سبل تطوير اتفاق الشراكة بين الجانبين الأوربي والجزائري بعد أربعة سنوات من دخول الإتفاق حيز التطبيق بداية العام 2005، ويأتي الإعلان عنه بعد أقل من أسبوع من نشر تقرير دولي جديد توقع فيه كل من البنك العالمي والبنك الأفريقي للتنمية والمنتدى الإقتصادي العالمي أن تحتل الجزائر الرتبة الثانية بين أربع دول إفريقية تتأهب كي تصبح دولا صاعدة أو نمورا إفريقية على خطى النمور الآسيوية. كما يأتي الاعلان عن تنظيم المنتدى متزامنا مع الموافقة الأوربية على المقترح الجزائري المتعلق بضم ملفات الأمن والدفاع وحقوق الانسان الى اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي مما يسمح بتوسيع أرضية اللقاء الى جوانب مهمة أخرى مثل العمل معا على معالجة ملف الهجرة غير الشرعية وتحقيق شروط الاستقرار لآلاف الشباب الجزائريين ممن أعيتهم ظروف العيش. * فماذا ينتظر من تجمع إقتصادي في حجم "منتدى جزائري أوربي للمتعاملين الإقتصاديين"؟ وماهي الرسائل التي على الجزائر تمريرها نحو شريكها الإستراتيجي "الإتحاد الأوربي" حتى تتحول الأسواق بين الجانبين الى فرصة يتبادل فيها الجميع منافع الشراكة بصورة أكثر عدلا؟ * * خسارة بحجم 1.5 مليار دولار * * قدرت مصالح الجمارك خسارة الجزائر في مجال التحصيل الجمركي جراء اتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوربي بحجم 1.5 مليار دولار خلال 3 سنوات، استفادت منها الشركات الأوربية وعلى رأسها الفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية في التأثير ايجابا على أسعار منتجاتها أمام المنافس الشرس: الشركات الصينية، كما استفادت من ذلك بعض السلع من خارج المحيط الأوربي عن طريق التحايل على قواعد المنشأ والمطابقة. وكان قطاع النسيج والجلود والدواء وعدد من الصناعات الصغيرة في الجزائر من أكبر الخاسرين بسبب عامل الكلفة عند الإستغلال وكلفة رأس المال المتعلقة بالإستثمار، ومن المتوقع أن تفقد قطاعات إنتاجية أخرى تنافسيتها كلما اقتربنا من تاريخ التفكيك الجمركي الكامل العام 2017 . وطبيعي ألا تجني الجزائر من هذا الإتفاق الشيء الكثير مادامت المؤسسة المنتجة الوطنية خارج قطاع المحروقات لا تملك سوقا خارجية تساعدها على إنتاج الحجم وأن الشركات الأوربية في غالبيتها تفضل الإستثمار في الخدمات المرافقة للإنفاق الحكومي الذي يمثل المحدد الرئيس للنمو. * وهكذا لم يتعد تدفق الإستثمارات الخارجية المباشرة الفعلية الى بلادنا خلال العشر سنوات الأخيرة 17 مليار دولار بينما لامس إجمالي الإستثمارات الوطنية خلال الخمس سنوات الأخيرة وحدها 150 مليار دولار، كما لامست واردات البلاد من السلع والخدمات خلال سنة واحدة 40 مليار دولار تشكل السوق الأوربية أكثر من 52 بالمائة منها. خلل واضح بين تدفق السلع والخدمات وتدفق رأس المال من مصدر واحد هو الإتحاد الأوربي جعل من نسبة الإستثمارات الأوربية الى تكوين رأس المال لا يتعدى 6 بالمائة وهو رقم لا يكاد يذكر مقارنة بما هو عليه الحال في كل من المغرب وتونس حيث تلامس النسبة 50 بالمائة. والمفارقة في المحيط الجهوي أن الجزائر تسبق كلا البلدين المغربيين الشقيقين في حجم التبادل مع الإتحاد الأوربي ولكن على سلم التجارة وليس نقل التكنولوجيا أو التكوين الرأسمالي. * * حضور الإمكانيات وغياب الرؤية * * خلص المنتدى الإقتصادي الأفريقي المنعقد بجنوب إفريقيا نهاية الأسبوع الماضي الى أن 4 دول إفريقية هي: جنوب إفريقيا، الجزائر، نيجيريا ومصر والمسماة مجموعة "ساني" تشكل مشروع دول صاعدة ربما تصير الى نمور إفريقية على خطى النمور الآسيوية. وبنى التقرير الذي أعدته مؤسسات دولية معروفة على غرار البنك العالمي تقديراته على قاعدة الإمكانيات التي تزخر بها تلك الدول على الصعيدين المالي والبنكي والبنى التحتية والطلب الداخلي، وهي امكانيات تحاكي ما كانت تزخر به الدول الصاعدة في العالم قبل صعودها مثل البرازيل وكوريا الجنوبية ودول شرق أوربا. * وكان تقرير سابق لمجموعة "أكسفورد بيزنس ڤروب" صنف الجزائر ضمن الدول المرشحة للصعود على آفاق العام 2030 على أساس نفس البيانات إضافة الى تطور حجم الصادرات وانعدام المديونية الخارجية وهما عاملان ماليان أيضا. والنتيجة أن البلد غني من وجهة نظر مخزون الذهب واحتياطي الصرف الناجم عن الصادرات من المحروقات وأنه لا يعدم إمكانيات مادية للصعود سريعا ولكنه لا يملك إقتصادا تنافسيا ولا رؤية محددة لتوظيف القيم الإجتماعية على نحو إقتصادي كما هو الشأن لدى الدول الصاعدة في آسيا. وعلى سبيل المثال، استطاعت الصين في أقل من 20 سنة أن تحتضن كبريات الشركات الأمريكية عن طريق "الأوفشورينغ" مستغلة قيمة العمل واكتساب المهارة في نقل التكنولوجيا لعالية الى الداخل الصيني ويروى أن شبابا مزارعين فقراء مكنتهم الدولة من العمل في الشركات الأمريكية برؤية وطنية وثورية حتى تحولوا في لمح البصر الى صناعيين كبار وبعضهم الى مهندسين وإطارات صنعوا شركاتهم الخاصة. * وعكس الصورة تماما، تنطبق علينا فإضافة الى تواضع التكوين الرأسمالي للشركات الأوربية لا تتخطى سياسة التكوين لديها حدود التوظيف في سلم العمالة البسيطة أو المتوسطة، وبعضها لا يتأخر في تهجير الكفاءات بمجرد تسليم المشروع. ولا أحد يمكنه أن يلوم المتعامل الإقتصادي الأوربي عندما يفكر بعقلية رجل الأعمال ولا الإستثمار الأجنبي الذي يتصرف كما تتصرف الطيور وهي تبحث عن الإخضرار من جو السماء، ولكن على مهندسي السياسات الإقتصادية عندنا أن يوظفوا إمكانيات البلاد كلها كي تتحول من مجرد سوق يوصف بالطلب العالي الى إقتصاد غني بالفرص لا ينبغي أن تؤتى بغير شراكة عادلة على سلم تبادل منافع التنمية، وأن يزودوا البرنامج الإقتصادي للبلاد برؤية وطنية ذكية تحدد اتجاهات الإتفاقيات الدولية. فهل تتمكن السلطات من تمرير هذه الرسالة خلال منتدى رجال الأعمال الجزائريين والأوربيين نهاية هذا العام؟