صورة: ح.م الشيخ سعد البريك لحطاب: أنت رجل شجاع وشهم لأنك عُدت إلى الحق ولم تخش في الله لومة لائم حسان حطاب للشيخ البريك: جهودك مع بقية العلماء كفيلة بإنهاء الأزمة في الجزائر شهدت "الشروق اليومي" لقاءً جمع يوم الخميس الماضي بين الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال حسان حطاب والشيخ سعد بن عبد الله البريك، أحد أكبر الدعاة في المملكة العربية السعودية، وما جرى بينهما من محاورات وحديث. * * في سابقة تعد الأولى بين الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال وبين الدعاة والعلماء الوافدين من المملكة العربية السعودية إلى الجزائر. * استهل الشيخ سعد البريك بالحديث في المجلس الذي جمع قياديي "الجماعة السلفية" عن خطر الفتن وضررها على الأمة، لاسيما فتنة الدماء، وذكّر في حديثه بقصة استشهاد عثمان بن عفان رضي الله، والذي تحاور مع الوفد الذي حاصره في داره بالمدينة وأجاب عن كل شبهاتهم التي ارتأوا بفهمهم أنها موجبة لعزله أو قتله والإطاحة به، وسرد تفاصيل الواقعة الأليمة التي أدت إلى سفك دم الخليفة الراشد الثالث المبشّر بالجنة. وقال الشيخ إن المقصود بهذه القصة في هذا المجلس هو امتناع الخليفة عثمان بن عفان عن إراقة قطرة دم رغم أنه أمير المؤمنين وصاحب الحق في هذه القضية، ومنع الصحابة من الدفاع عنه، وقال: (خلّوا بيني وبينهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يُصب دما حراما"، وإني أحرّج عليكم ومن لي عليه طاعة أن لا يُريق محجمة من دم)، ثم أردف الشيخ: "كان يُمكن لأمير المؤمنين أن يقول إني مبشر بالجنة وأولئك هم كلاب النار أو أي وصف آخر يُطلق عليهم، لكنه رغم ذلك أبى وقال لهم اتركوهم يقتلوني أنا حتى لا ينتشر القتل بين الناس". * نقاش ثري بين الشيخ سعد البريك وحسان حطاب بحضور مصطفى فرحات نائب رئيس التحرير وعلي فضيل المدير العام * * وذكّر الشيخ سعد البريك في هذا السياق بواقعة مماثلة في تاريخ المملكة العربية السعودية الأولى، حيث حاصر الأتراك مدينة الدّرعية وقصفوها فسقطت المباني، فخرج بعض أعيانها يفاوضون الأتراك، فقال الأتراك: "إما أن تسلموا لنا الإمام عبد الله بن محمد بن سعود، وإما نقصف الدرعية"، فاشترط عليهم الإمام عبد الله أنه سيسلّم نفسه بشرط ألا يقطعوا نخلة حتى لا يجوع الناس، ولا ينتهكوا عرضا ولا يقطعوا سبيلا، فسلّم نفسه واقتيد إلى الآستانة وقُتل. وتابع الشيخ قائلا "إن التاريخ يكشف لنا أن الذين بُشروا بالجنة وهُدوا إلى الحق قدّموا أنفسهم حتى لا تُراق الدماء، ولهذا أعتبر موقفك يقصد حسان حطاب من خيرة ما تُشكرون عليه وخير ما يُذكر لكم ويُسطر لكم في التاريخ، ومن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد سيدعو لكم، لأنّ موقفكم تأثر به خلق كثيرٌ فرجعوا، وأناس كانوا يعزمون على الخروج.. وأناس كانوا يحملون هذا الفكر فتراجعوا.. واليوم الجزائر فيها علماء وفيها تاريخ علمي وفيها ثروة، وأجيال من العلماء يتلوها علماء، فلا أظن أن هؤلاء العلماء قد أضلهم الله وأعمى أبصارهم وأصم أسماعهم وطمس على قلوبهم فضلوا كلهم الطريق". * الشيخ سعد البريك رفقة حسان حطاب * * بعد ذلك، أكد الشيخ سعد البريك على أن هذا الكلام لا يعني تدليس الحقائق وزخرفتها أمام الشباب لإقناعهم بالتوبة والرجوع، حيث قال: "صحيح أن هناك حقوق وأن هناك مظالم.. وهذا ما نقوله دائما لمّا نجلس مع الشباب فنحن لا نُلبسهم نظارة بيضاء على موقع ملون، بل ستجدون في الواقع الحق والباطل، والظلم والعدل، والشر والخير، والصواب والخطأ، والكبائر والصغائر، لكن هذه طبيعة الدنيا، ومن أراد أن يُصلح الدار فلا يُسقط السقف، وليُصلح الحنفية ولكن لا يقطع الماء، ويُصلح المصباح ولا يقطع الكهرباء، وكما في الحديث: "الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". * ثم عاد الشيخ ليشكر مرة ثانية الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال، وتوجه نحوه قائلا: "أعود وأقول: شكر الله موقفك وأسأل الله أن يزيدك وأن يُثبتك، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما تدعوني قريش إلى خطة تعظم فيها حرمات الله وأمر الله إلا وقد أجبتها له"، ثم ضرب مثلا بزياراته الدعوية في أوروبا، حيث كان يُذكر الشباب بوجوب الحفاظ على أمن الدول التي يعيشون فيها وأنه لا يجوز لهم ضرب استقرار هذه الدول التي منحتهم حق الإقامة على أراضيها رغم أنهم ليسوا على ملة الإسلام، قبل أن يذكّر بأن الأمن مطلب ضروري وأنه بدون أمن لا توجد لا صناعة ولا زراعة ولا رفاهية ولا دعوة، وأن على الجميع العمل لإيجاد بلد آمن، ثم بعد ذلك تأتي المطالبة بالحقوق في ظل هذا الأمن، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يعجبني الرجل إذا سيم خطة خسف قال: لا"، فطلب الحق يتم بغير سفك دم أو هدم جدار. والله ذكر في كتابه الظالمين والمظلومين والموازين والقصاص بين الناس وغير ذلك، فليس كل من على ظهر الدنيا لابد وأن يستوفي حقه كاملا تاما، فالأئمة عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ماتوا مظلومين، وفي أئمة المسلمين عبر التاريخ من مات مظلوما، فهل يعني ذلك أن تُحرق الدنيا؟ فعلينا إذًا أن نحتسب على الله عز وجل ما وقع بين الناس، ونحاول أن نصلح بينهم، فإن وُجد الخير حمدنا الله، وإن لم يوجد حاولنا تقليل الضرر قدر المستطاع. وكما يقول ابن تيمية رحمه الله: "أهل السنة هم أعلم الناس بالحق، وأرحم الخلق بالخلق". * الأستاذ علي فضيل مركزا مع الشيخ سعد البريك وهو يتصفح الشروق اليومي * * من جانبه، تحدّث حسان حطاب، الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال، فقال بأنه بدأ نشاطه في الجبال منذ عام 1992 تاريخ تدهور الأوضاع في الجزائر، وكان سبب الأزمة حينها هما الطرفان المتصارعان: النظام من جهة والجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهة أخرى، ثم أردف قائلا: "لقد كنا ضحايا.. كنا حينها شبابا والاعتقالات تتم بصفة عشوائية وتعسفية، ونحن من أبناء المساجد، وهذا ما دفع الشباب المتحمس إلى الصعود إلى الجبال.. لم نكن راضين لما صعدنا إلى الجبال، وكثيرون لم يكونوا راضين أيضا، وإنما صعدوا مكرهين، حتى وجدنا أنفسنا على رأس إمرة الجماعة السلفية، رغم أننا لم نكن نريد الصعود ابتداء. والحمد لله لما جاء الرئيس بوتفليقة ونادى بالمصالحة استجبنا ونصحنا العلماء في الحجاز وطلبوا منا التوقف، والشعب الجزائري انتخب على المصالحة، ونحن جزء من هذا الشعب، وطلبنا من النظام العدل بين الجزائريين وأن يعيد الحقوق لأهلها، ورغم أننا كنا نعتقد أننا مظلومون في الحقوق إلا أننا نزلنا من الجبال وأوقفنا القتال، ونحن ننصح إخواننا الذين أصروا على مواصلة القتال بالرجوع إلى جادة الصواب وما زلنا ندعو إخواننا للرجوع إلى يومنا هذا". * بعدها، التفت الشيخ إلى حسان حطاب وقال له: "تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا".. فصحيح أن يكون للإنسان طموح وسقف مطالب معينة، لكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جله. أنا أحترم فيكم الرجوع إلى الحق وحقن الدماء والغيرة على الوطن ومصالح الناس، وقبل ذلك أن يكون هذا الفعل طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا عمل تعبدي يتقرب الإنسان إلى الله به. بعض الناس قد يظن أن هذا الأمر فيه تزلف لشخص أو غيره، غير أن هذا الأمر عبادة وطاعة لله ورسوله. ولا يخفى عليكم الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولهذا ينبغي على الإخوة أن لا يجعلوا هذه المطالب شرطا من أجل إلقاء السلاح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عندما تحدث عن الأمراء وسأله الصحابة: أفلا ننابذهم بالسيف، قال: "لا، ولكن أدوا الذي لهم واسألوا الله الذي لكم". وفي الحديث: "إنكم ستلقون بعدي أثرة"، أي استئثارا وهو عدم أخذ الإنسان لكامل حقوقه، فقال: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض". ثم أردف قائلا: "النبي صلى الله عليه وسلم لا يعامل الأمة إلا بالصبر على هذه المتغيرات حتى أن يلقوا الله عز وجل. * حطاب مسرورا بلقائه الشيخ سعد البريك * * وأنا أقول لو أستطيع أن أرسل رسالة إلى الشباب في الجبال حول قصة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فوالله إنها لعبرة، وهي على النقيض من الوضع الحالي، فأمير المؤمنين والخليفة الذي يحيط الناس ببيته يمنع الصحابة من حراسته ويفتح بيته لأهل الفتنة ويقدم نفسه حتى لا يُراق دم طفل أو امرأة أو رجل في المدينة، فهذه القصة تدل على مدى حفظهم للدماء واحتياطهم فيها حتى لا تُسفك قطرة دم، مع أنهم من أهل الجنة". * وتابع الشيخ: "أقول لإخواني في الجبال: انزلوا إلى المجتمع واشهدوا الصلوات والجمعة مع أهليكم وحتى لا يُحرم أبناؤكم من التعليم، والقرآن يؤكد: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" كما يقول: "والله يريد أن يخفف عنكم" وكذلك: "ما جعل عليكم في الدين من حرج".. هل يقول أحد إن مقاصد هذا التشريع الإسلامي هو أن تضيق الحياة حتى لا يجد الإنسان مكانا يتعبد الله فيه إلا العزلة والجبال والسلاح؟ لقد كنا نجلس مع الشباب ونقول لهم: "يا أحبابنا.. أقنعوني بأن ما تفعلونه أمرٌ شرعي وأنا سأكون أول من يُفجّر نفسه".. القضية قضية عقل وليست مجرد عاطفة.. هل هذا هو الحل؟ تقول لي: فيه منكرات، فأقول لك: هناك منكرات كثيرة، ولكن هناك العدل والظلم، والخير والشر، والحق والباطل، ولكن هل هذا يُسوّغ حمل السلاح؟ والله إن هذا الأمر لا يجوز. أتمنى يا شيخ حطاب ألا تكف عن نداءاتك وأنت ما بلغت هذا المقام إلا لثقة الشباب في الجبل بعلمك ومعرفتهم بمكانتك وتجرّدك أيضا.. أي أنك تريد وجه الله عز وجل قبل ذلك. أنا أعرف أن هناك من سيقول لك أو لي أو لآخرين من الذين اتبعوا الشريعة الإسلامية وانقادوا للحق أننا نريد أن نحظى برضا حاكم أو حكومة أو جهاز معين، فلا والله.. ولكن هذا التجرّد، فالإنسان يتبع الحق أينما كان". * وتابع الشيخ: "قيل لي مرة في حوار مع صحفي في إحدى الفضائيات: أنت تُتهم بكونك مواليا للحكومات، فقلت له: لو قادت الحكومة البريطانية حملة ضد الشاذين والمخدرات وطُلب منك المشاركة فيها، فهل ترفض بحجة أنها حملة حكومية؟ قال: لا، فقلت له: وأنا إذا جعلت يدي في يد الحكومة من أجل حقن الدم أو دفع الفتنة أو إصلاح الناس، وإذا كانت يدي تقول للحكومة أنا معكم في إصلاح الناس فإن لساني يقول لهم: اتقوا الله وأصلحوا وأعطوا المساكين حقوقهم، فهذا التوازن في الخطاب هو الذي يُقنع الناس، فلا تكفوا عن توجيه الرسائل للشباب حتى يقتنعوا ويضعوا السلاح وتُحقن بذلك دماء المسلمين. * الشيخ البريك وحطاب.. نقاش العقل * * حينها، بدا على محيّا حطاب الارتياح والبشر، ثم قال: "نحن يا شيخ لم نتوقف، ونحن نبذل ما في وسعنا لحقن الدماء. لقد كنا نجد إجحافا من النظام وعدم جديته في إعادة الحقوق ورغم ذلك ما توقفنا، وقد أوذينا من طرف إخواننا وشُتمنا واتّهمنا ولم نتأثر بأقوالهم لأننا نعتقد أن هذا الأمر في سبيل الله وخالصا لوجهه، وإن كنا نرى في هذا النظام إجحافا في تطبيق قوانين ميثاق السلم والمصالحة، إلا أننا رغم هذا لا نزال نسعى في استتباب الأمن والاستقرار وإعادة اللحمة بين الجزائريين". * وتابع قائلا": هناك أمر ثان، فصحيح أن البطالة ضاربة بأطنابها في الجزائر، ولكنّ الأموال الباهظة التي تُصرف على القنابل والمعدات الحديثة التي يستعملها الجيش الجزائري لمواجهة المسلحين، وقد كنا في الجبل ونعرف ثمنها، وكذا الأرواح الباهظة التي تُزهق من الطرفين ثم يعوضهم النظام ماديا، لو استغل جزء صغير منها لدعم المصالحة لتم القضاء على المشكلة من جذورها. كما أن الدولة تنفق الملايير على أشياء غير أساسية ولا جوهرية، فمن باب أولى يكون الدعم المادي للمصالحة. لقد طلبنا من النظام اقتطاع مبلغ مالي لكي يُصرف على المصالحة ونحل الأمور، وبعدها سينتعش الاقتصاد ونقضي على البطالة، وإذا لم نسر في هذا الاتجاه فإننا نضيع الوقت وندفع فاتورة غالية من الدماء والأرواح والممتلكات". * ثم عاد الأمير السابق للجماعة السلفية إلى سنوات مضت، فقال: "قبل عام 1999 كان النظام استئصاليا في الجزائر، وكانوا يستعملون في حقنا عبارات يشمئز منها الإنسان، ولو جاءت المصالحة من بعض المسؤولين حينها لما قبلناها ولا استجبنا لها، بسبب كلماتهم التي يطلقونها في حقنا، ونحن أيضا كنا نخاطبهم بالمثل. وبعدما تغيّرت السياسة في الجزائر غيّرنا نحن كذلك مواقفنا، وألفاظنا في البيانات تجاه النظام تغيّرت، واستجبنا للمصالحة رغم النقائص الكثيرة المرتبطة بها من عدم الوفاء ببعض الالتزامات من طرف النظام، ونحن ندعو الإخوة رغم هذا إلى النزول والتوقف وكذلك نطلب من النظام الوفاء بالتزاماته لدفع مسار المصالحة في اتجاهه الصحيح". * حسان حطاب يصافح ويحيي الشيخ سعد البريك * * بعدها، قال الشيخ سعد البريك: "ينبغي أن يحرص الإنسان على حقن الدماء قبل كل شيء، وبعد ذلك تأتي مرحلة المطالبة بالحقوق بعيدا عن العنف والفتنة وإزهاق الأرواح وسفك الدماء.. وأنا أكرر شكري للشيخ حطاب على هذا الموقف الشجاع والشهم والصريح الرافض لإراقة الدماء، وينبغي على جميع الدعاة المؤثرين في الجزائر أن يُبدو موقفهم الصريح ويُدينوا سفك الدماء وحمل السلاح.. الدماء خط أحمر على الجميع التحذير من الوقوع في سفكها، أما الالتزامات والحقوق فهي أمر ثان يخضع للتفاوض والتشاور والحوار". * ثم تابع الشيخ قائلا: "الرئيس بوتفليقة رجل مصالحة وحوار، وقد هداه الله إلى مشروع المصالحة التي تحقن دماء الجزائريين، وأنا أدعوه إلى أن يتكفل بمطالبكم الاجتماعية ليقتنع من كان مترددا بأن مسار المصالحة يسير نحو الأمام". * * أصداء: * جرى اللقاء في جو حميمي ساده الاحترام والألفة، وقد حرص كل طرف على تبجيل محاوره والثناء عليه. * دعا الشيخ سعد البريك حسان حطاب إلى العمرة، وقال له: ستكون ضيفي في مكة. * أعجب الشيخ البريك بالمكان الذي يتواجد به حسان حطاب لما رأى الحديقة المحيطة بالمنزل. * قال الشيخ البريك لحطاب: التاريخ سيسجل لك هذه الخطوة الجريئة التي قمت بها.