الحراقة من كل فئات المجتمع ومن كل المستويات العمل همّ الجميع والكرامة هدفهم أخطأ وزير التضامن والأسرة والجالية بالخارج، جمال ولد عباس، حينما قال في أحد تصريحاته شهر فيفري من عام 2008، بأن غالبية المهاجرين غير الشرعيين، أي الحراڤة، هم من عديمي المستوى التعليمي. * * وأن القوارب لا تضم سوى أعداد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من أولئك الذين يحملون شهادات جامعية، وأثبت الواقع تبخر كلام معالي الوزير خاصة في الرحلات الأخيرة التي وجدنا فيها للأسف شيوخا من الذين بلغوا من العمر عتيا، وأيضا من المتفوقين في دراستهم لتتحول الحرڤة عندنا أشبه بوباء أنفلونزا الخنازير.. بل هي أشد خطرا من هذا الوباء. * * إكرام حمزة.. شهادتان جامعيتان في الهندسة المعمارية والإعلام الآلي * بكى يوم زواج شقيقه لأنه لم يستطع أن يقدم له هدية * ضحية الحادث المأساوي الذي عاشته مدينة عنابة مؤخرا الشاب إكرام حمزة، عمره 32 سنة، حاصل على شهادتين جامعيتين واحدة في الإعلام الآلي وأخرى في الهندسة المعمارية من مركز التكوين المهني المتخصص بوحديد ولاية عنابة، قال شقيقه ل "الشروق اليومي" بأن المرحوم لم يعمل في حياته يوما واحدا لدى الإدارات العمومية، عدا البريكولاج من حين لآخر مع المقاولين، تصوروا شابا في عمره من دون عمل، من دون فرصة لصناعة المستقبل، من دون مصروف الجيب، ورغم ذلك كان مسالما طيب الأخلاق، حسن التعامل مع الناس، لم يسرق يوما، لم يدخل مركز الأمن في حياته، يقول هشام شقيق الضحية: أخي بكى بدموع حارة يوم زواج شقيقنا لأنه لم يستطع أن يقدم له هدية، قال لي بالحرف الواحد وأنا أكفكف دمعه: "راجل قدي وما نقدرش نشري حاجة لخويا"، وأضاف.. إكرام قدم عدة طلبات للحصول على الفيزا، ولم يحصل عليها، لم يكن يفكر في الحرڤة، الظروف الاجتماعية المزرية لعائلتنا أجبرته على ذلك. * * رياح رمزي ورياح شمس الدين * شقيقان في مستوى المتوسط غادرا معا على متن قارب واحد * يكاد المرؤ يصاب بالصدمة والذهول عندما يسمع مراهقا لا يتجاوز عمره ال17 سنة، يقول لك بالحرف الواحد "كرهت الحياة.. مستحيل أن تصنع لنفسك مستقبلا في بلادنا"، هذا بالضبط ما قاله الطفل رياح رمزي 17 سنة، مستوى سنة سابعة متوسطة، يقطن بحي الجسر الأبيض بعنابة، ناج من القارب الذي ارتطم بعائمة وحدات البحرية مؤخرا، رفقة شقيقه شمس الدين 18 سنة، سنة أولى ثانوي، الشقيقان من عائلة تتكون من 5 أفراد لا حول ولا قوة لها، فقر مدقع وبطالة خانقة، دفعت هذين الصغيرين إلى مواجهة عباب البحر على متن قارب غير آمن، هروبا من جحيم "الميزيرية" وبحثا عن المستقبل المفقود، في مزارع التين وحقول العنب والكروم بجنوب إيطاليا، وأكثر من ذلك أخذ شمس الدين معه شهادة تثبت أنه محترف في رياضة كرة السلة، عسى أن تنفعه لدى الأوروبيين بعد أن رمته في أحضان الفقر بالجزائر. * * بلخير محمد رضا.. فقير من عائلة معوزة * لا يذكر اسم الجزائر إلا مقرونا بكلمة "الحبيبة" * لا يختلف حال المرافق "بلخير محمد رضا" في ال18 من ربيع العمر، صاحب الوجه البريء، عن حال سابقيه، توقف عن الدراسة في الصف المتوسط تحت ضغط الحاجة والفاقة، بذل كل ما في وسعه لكسب قوت يوم عائلته، إلا أن انعدام فرص العمل وعدم قدرته على القيام بالأشغال الشاقة، حرماه من مصروف الجيب، ولم يعد يفكر إلا في الهجرة غير الشرعية التي قال بأن من شأنها إنهاء معاناته مع الفقر والبطالة في الجزائر الحبيبة التي يرفض أن ينطق اسمها دون ذكر الحبيبة. * * فؤاد بوفاروك قدفته الحرڤة إلى الكيان الصهيوني * لا حلم له سوى "العمل" * فؤاد بوفاروك ابن ولاية سكيكدة في سن 27 عاما منذ أن ودع الدراسة في السنة السابعة من التعليم الأساسي ولا همّ له سوى العمل.. لا يهم نوع العمل، المهم أن لا يبقى عاطلا عن العمل، لأجل ذلك ارتحل إلى العاصمة، وامتهن كل الحرف الممكنة، كان بالنسبة إليه العودة إلى قريته "القلعة" نوعا من الفشل والإحباط، خاصة أن العائلة مكوّنة من 12 فردا وليس بمقدور الوالد منح كل ابن ما يشتهيه. * فؤاد كان يخطط إلى أبعد من العاصمة، فسافر إلى تركيا بعد أن أخذ موافقة الأهل جميعا لينتهي به المقام في السجون الإسرائيلية في أسوأ نهاية لحراڤ جزائري.. فؤاد لا حلم له الآن بعد هذه الأيام العصيبة سوى العمل الكريم، وأقسم بأن حكايته ستكون عبرة لكل الذين يفكرون في المخاطرة بركوب الموت بحثا عن الحياة. * * نبيل بوخاري عاشق مهنة الحلاقة * ينتظر محلات الرئيس؟ * منذ أن فشل نبيل في بلوغ الضفة الأخرى بعد محاولة "حرڤة" مثيرة من شواطئ عنابة، وهو ينتظر الوعود التي تهاطلت عليه من مسؤولي بلدية رمضان جمال بمنحه محلا تجاريا حيث لم يرتض أن يمنحوه محلا دون الموقع الذي تمناه.. * نبيل صار صديقا ل "الشروق اليومي" منذ أن أجرينا معه حوارا مطولا.. وصارت مصدرا بالنسبة إليه لأخبار الحراڤة وأملا أيضا في أن تصل صيحاته المسؤولين المحليين. عندما ركب نبيل البحر وكان عمره 28 سنة من عنابة كان حينها يشتغل في مهنة الحلاقة، وكان يحلم بتعلم مزيدا من أسرار هذا الفن الراقي.. فقد تنقل الزورق من عنابة ليدخل في عباب البحر وتقاذفتهم الأمواج ليجدوا أنفسهم على اليابسة بعد أن ماتوا عدة مرات في حربهم مع الأمواج، واتضح أن الحلم هو كابوس إذ اكتشفوا أنهم في شاطئ بشطايبي بذات الولاية عنابة.. نبيل قال إن الحرڤة مفردة مسحها من قاموسه.. لكن بشرط أن يحصل على ملف يمنحه كرامته. * * عادل شريط يعيش بأحلام بسيطة جدا * حرفة ولو في مرملة * لا يوجد جهاد في الحياة مثل جهاد العمل وهو الجهاد الأكبر كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعائلة شريط جاهدت بكل ما أوتيت من قوة فتركت القرية بحثا عن العمل واقتربت من مدينة سكيكدة في بلدية صالح بوشعور، ولكن نظرة الابن عادل سافرت إلى أبعد من مدننا، لم يعد ما يشغله سوى طريقة لبلوغ إيطاليا، فسافر إلى تركيا بحثا عن وسيلة تنقله إلى العالم الغربي.. أحلام عادل كانت مجرد جمع الأموال والعودة إلى أهله قويا مساعدا لهم إلى أن سقط في أيدي الإسرائيليين ليتوب من الحرڤة. * عادل اشتغل في مرامل ولاية سكيكدة حتى أصيب بمرض الحساسية فأجبره الأطباء على ترك العمل، فراح يبحث عن رزقه في العاصمة، فكان تارة بنّاء وأخرى خبازا إلى أن عجن لنفسه مصيرا كان أسوأ ما يفكر فيه حراڤ جزائري وهو السقوط في أيدي الإسرائيليين. * هذه نماذج من جيش. أو دعونا نعترف بالقول صراحة، هو شعب من الحراڤة من شباب أرادوا لحياتهم مصيرا والقدر أراد لهم غير ما أرادوه.