سأتكلم اليوم حول »الحيف« اليومي للجزائري من خلال الجري والهرولة لإمساك زمام الحياة الكريمة.. فاسمحوا لي، قولها وبدون تردد أنه توجد جزائران، جزائر الأحياء الشعبية، وقد تمثل أزيد من الثمانين بالمائة، وجزائر أخرى مختلفة.. قد أخطئ في تكييفها ولكن هي مختلفة كليا عن جزائر الأحياء الشعبية، من أهم معالمها »الفوضى« و»الارتجالية« و»التدني« في المستويات المعيشية.. فالأرقام، والإحصائيات الرسمية لا تعكس الصورة »الحقيقية«، فغالبا الصورة مهزوزة أو غير عاكسة للواقع.. * نبدأ من »الكهرباء« الذي أصبح لدى العديد الشغل الشاغل، ومشكل وطني، فكم من متجر، محل، خباز، جزار تم »ذبحه« من طرف شركة الكهرباء... ناهيك عن المواطن البسيط.. بسبب الانقطاع المتكرر والمفضوح، فالمواطن في انزعاج دائم.. وعندما تشتكي قد تسمع فلسفة وتبريرات على سلوكيات غير مقبولة أصلا.. وما أضحكني في سلسلة »سوق عمي لخضر« نظرته الرومانسية وغير الواقعية للسوق!! واقترح عليه إدراج حلقة عن علاقة الكهرباء بالسوق وسيره العادي وهل بعد ذلك بختة ستوفي بالتزاماتها التجارية!! * * فأصبح المستهلك خارج التغطية، يقطع عليه الكهرباء متى يشاء، ويرجعها متى يشاء وتضخيم الفواتير.. وفي حالة الشكوى ضدهم.. فتصور وكأنك داخل الحمام من أجل غسل العظام فقط.. وبعد ذلك ترجع حليمة لعادتها القديمة.. وطبعا دخول الحمام ليس حسب السعر المقترح من طرف عمي لخضر.. * * الأسواق بالجزائر عموما تتطابق مع سوق عكاظ.. فأغلب البضاعة هي على وشك نهاية صلاحية استهلاكها، أو تشوبها شائبة، أو تحوم حولها الشكوك!! معروضة على الأرصفة.. فالسوق أصبح سوقاً ليس على مقياس عمي لخضر ولكن سوقا للأمراض المتنقلة.. سوقاً للاسترزاق الفاحش... سوقاً يتصارع فيه التجار الرسميون مع التيوانيين، من أجل البقاء..!! وإن كانت المنافسة غير شريفة بحكم الأول من دافعي الضرائب والثاني بدون فصيلة، ولكن جاء ليضرب ضربته... والفوضى هذه تحدث في غياب كلي لمختلف المصالح، من قمع، وغش، ونظافة وصحة وبلدية... ولكن لما تسمع الأرقام... والمخططات الكبرى والصغرى المعدة... تذهل للأرقام المقدمة ويصيبك دوران.. ليس من حقيقتها، ولكن من الافتراء على المباشر... فحتى تراخيص تخصيص مكان التسوق أصبحت تعطى وفق مقاييس جد خاصة.. فالأسواق الجزائرية ليست المدينة الفضيلة.. بقدر ما أصبحت بؤراً للغش، والتدليس والسرقات المقننة... * * فأصبح الجزائري في يومياته، يشتري البضائع بعينيه، ويأكل من خلال حاسته.. للارتفاع الفاحش في الأسعار على جميع البضائع والخطر.. واللحوم، وقبل بداية رمضان »معالي الوزراء« أغلبهم يرشقونك بخطابات انتصارية، على أننا تغلبنا عن التضخم، وتحكمنا في المنتوج... وخطابات وردية من وفرة في المحصول الزراعي، وسياسة التبريد، والتخزين وغيرها!!!.. ولكن مع قدوم رمضان الخطابات الفلذية تتبدد مع حرارة »السوق« ولذلك فإن سوق عمي لخضر قد يكون واحة أو جنة خارج التاريخ..، بحكم أن الأسواق قد تحكمها قواعد تجارية من عرض وطلب، ولكن أسواقنا لا هي جنة كما يتصورها عمي لخضر ولا خاضعة للمقاييس التجارية، فهي خارجة التاريخ بحكم خضوعها للارتجالية والزبونية والاكتناز من طرف العديد من »بارونات السوق«.و في المقابل سكوت مذهل للسلطات العمومية، وعجز بائن لمختلف المصالح المسيرة لحياة الأسواق... * * فالأسواق.. وغلاء الأسعار ليس السوق هو الذي يحددها أو يتحكم فيها، ولكن توجد عوامل أخرى تبدأ من المزارع ووصولاً إلى المشتري، فهي منظومة متكاملة، بعضها مع بعض، ولعل الكثير من تجار سوق عمي لخضر أدركوا هذه الحقيقة ببساطتهم، فمحاولة التخفيض في البضائع بصفة ارتجالية، ما لم يتم ضبطها منذ البداية وصولاً إلى السوق، وكأنك تعالج أعراض المرض دون الجذور، بينما نحن في جزائرنا بدلاً ما يتم الضبط والتنسيق، نلاحظ إما تراشق التهم بين مختلف المصالح والوزارات، أو كل واحد يريد أن يدفع الآخر للتهلكة... وإن كان كلا السلوكين مرفوضين في دولة المؤسسات... ولكن هذه هي الحقيقة، ويمكن الرجوع بالذاكرة لأرشيف »الحليب« أو »البطاطا«... * * فحقوق المستهلك.!!، والزبون هو الملك ..!! والمنافسة بين التجار..!!، وخفض الأسعار، هي مجرد أفلام في سوق عمي لخضر، أو حقائق في بعض البلدان... أما »الواقع« اليومي للجزائري مختلف تماما... * * وأخيرا، قد تساعد السلسلة الفكاهية في التثقيف والتوعية ونبذ بعض السلوكيات.. قد تدخل لحظة انتصاراً للذات وللواقع المرير... ولكن بعد يوم سيرجع الجزائري لكابوسه اليومي، فهل هو قدر محتوم... أو مكتوب عليه... الإجابة تكون »بنعم« لما تستقيل السلطات العمومية عن الفعل... والتنظير عن المعاينة... وهلم جرا...