مراجعات الجماعى الليبية المقاتلة هل ستسهم في مراجعات للجماعات الجزائرية المسلحة؟ الدعوة إلى الله قبل الجهاد شريحة كبيرة من شباب الصحوة الإسلامية لا يعرفون فضل الدعوة يتحدث قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في هذه الحلقة من مراجعاتهم عن أهمية العلم الشرعي في واقع الفرد المسلم والأمة، وذلك لما يترتب على نقصه من أخطاء كالتسرع في إنزال الأحكام، أو تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم والأموال، كما أنهم يحذّرون من التجرؤ على الفتوى وإصدار الأحكام. * * وفيما يتعلق بأهمية الدعوة إلى الله فمن الواضح اهتمام قادة الجماعة بهذه القضية وإعطائها الأولوية على الجهاد في سبيل الله، خاصة إذا حدث تعارض بين الدعوة والجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأن هداية الخلق من أسمى غايات المسلم كما جاء على لسانهم. * ويقول قادة الجماعة إن "هناك شريحة كبيرة من شباب الصحوة الإسلامية تغيب عنها فضل هذه العبادة الدعوية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الكثير ممن يمارسها يقع في أخطاء نتيجة غياب أو قصور في معرفة صفات الدعاة إلى الله أو أهداف الدعوة". * * أهمية العلم الشرعي * في الباب الثاني يتحدث قادة الجماعة عن "أهمية العلم الشرعي في واقع الفرد والأمة لما يترتب على نقص العلم الشرعي من أخطاء، يرى أثرها في الواقع، ويتجرع مرارة عواقبها كل من يعيش فيه، لأننا لا نشك في أن ما يحدث في كثير من الساحات من ممارسات سواء على مستوى المعتقدات من التسرع في إنزال الأحكام، أو تكفير المسلمين، أو على مستوى التطبيق العملي من استحلال للدماء والأموال، وكذلك تفرق وتشرذم في صفوف العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، أو تطبيق الأساليب الخاطئة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيره إنما مرده إلى نقص العلم الشرعي، سواء بنقص أهله أو قلة الاهتمام به ومن أجل ذلك كان هذا التركيز عليه". * ويؤكد قادة الجماعة على أهمية توقير العلماء واحترامهم إجلالا لذلك العلم الذي حملوه ونشروه، وهذا لا يعني حسبما قالوا "أننا نضفي عليهم قداسة العصمة من الخطأ، بل إننا نُجوّز عليهم وقوع الخطأ والزلل فيما يجتهدون في بيان حكم الله فيه، ولكننا لا نتبعهم فيما أخطؤوا فيه.. لأننا متعبدون باتباع الحق لا سواه، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله. وفي كل ذلك نلتمس لهم الأعذار فيما وقعوا فيه من أخطاء وهم عندنا في اجتهادهم بين الأجر والأجرين". * والسؤال: من المخوّل برد خطأ من أخطأ من العلماء؟ ويجيب قادة الجماعة: "وليس معنى ما تقدم أن درء خطأ من أخطأ من العلماء، يصدر عن كل أحد.. كلا بل لا يكون صادرا إلا من أهله وهم العلماء أنفسهم.". ويحذّر قادة الجماعة في هذا من الوقيعة في العلماء واغتيابهم وتنقيصهم بما يجاوز الحد الجائز في النقد والجرح .. وتجريح العلماء له ضوابط إن لم تتحقق فهو إما مردود أو مذموم، داخل في الغيبة الحرمة، وإن كانت غيبة سائر المسلمين محرمة فما بالك بغيبة حملة العلم الشريف. فالوقيعة فيهم أحياء وأمواتا تقليدا أو تعصبا، من شر المحدثات في الدين التي تفرق المسلمين وتمكن للبغض والكراهية وزرع الأحقاد..". * هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن رد الخطأ لا يعني ضرورة الإنكار على المخطئ، إذ لا تلازم بين هذا وذاك، وقد شوش غياب هذا التفريق وظنُّ التلازم بين الخطأ والإنكار على كثير من الشباب الطيبين المتحمسين على اختلاف مناهجهم وأفكارهم، فغاب في المجمل مبدأ عدم الإنكار في المسائل الاجتهادية واقعاً عملياً لا تنظيراً علمياً. * * الجرأة على الفتوى * وفيما يتعلق بخطورة الكلام في دين الله بغير علم وذكر بعض أسبابه، تقول الدراسة "وقد كثر في الناس اليوم من يتجرأ على الفتوى فيتصدر المجالس ويصدر الأحكام وهو لا يحسن قصار السور، ولهذه الظاهرة أسباب متعددة، فمنها ما هو راجع إلى طبائع وغرائز نفسية غير مقومة بالشرع، ومنها ما هو راجع إلى سلوك فكري منهجي يُنسب أهله إلى الخير والصلاح وهو أشد أثراً من الأول..، ومنها ما هو راجع إلى منهج استشراقي خبيث يسوق الناس ويدفعهم نحو هاوية الجرأة على الدين ومنها ما هو راجع إلى شطحة مادية إلحادية لا تؤمن بالدين أصلاً وترى أنه "أفيون الشعوب". * ولذا تؤكد الدراسة على حرمة "التقول على الله بغير علم، تنبيهاً لكل مسلم بأن يتثبت في تلقي دينه ويميز بين العالم وغيره، وكذلك تذكيراً لمن يتجرأ على الفتوى والتوقيع عن الله بلا أهلية بأن يعلم أنَّ كل كلمة يقولها وخاصة إن كانت في استحلال دم امرئ معصوم أو ماله، أو إنزال الحكم عليه سوف يترتب عليها من المفاسد ما قد لا يتوقعه أبداً .فإطلاق الكلام سهل ميسر لكل أحد وأما التحكم فيما يترتب على ذلك من آثار فذلك لا يد لقائله عليه وكم من أناس أفتوا فندموا على ما قالوا لكن ولات حين مندم" . * وفي ختام مناقضة هذه القضية يقولون "إن نقص العلم الشرعي سواء نتيجة غياب أهله من العلماء، أو إهمال الناس لتلقيه والحرص على تحصيله، أو غياب مصادره هو من أكبر الأسباب التي تجر إلى الكثير من الأخطاء والمخالفات الشرعية سواء كانت تلك المخالفات من المعاصي الظاهرة التي تحدث نتيجة نقص العلم أو قلة التربية أو غلبة الشهوات أو ندرة الوعظ والتذكير، أو كانت من الأخطاء في المسائل الشرعية التي يظن أصحابها نتيجة نقص العلم أنهم يفعلون أموراً قد أمر بها الشرع، فإذا انضم إلى ذلك وجود قطيعة بين أهل العلم وبين الشباب الملتزم بدينه أو تبادل للاتهام أو غياب توقير العلماء أو خطأ في احتضان أهل العلم للشباب، فإن ذلك سوف يزيد الطين بلّة، ولا تسأل عندئذ عن نتائج ذلك من ردود الأفعال، أو تصدر من ليس مؤهلاً للبت في مسائل عظيمة قد تترتب عليها مصاير الأمة". * * أولوية الدعوة على الجهاد * فيما يتعلق بالدعوة إلى الله، فقد خصص قادة الجماعة بابا كاملا في مراجعاتهم للحديث عن الدعوة إلى الله، وهو الباب الثالث في الدراسة التي بين أيدينا، وقد جاء حديثهم عن الدعوة قبل الحديث عن الجهاد، وهو ما يشير إلى ترجيحهم لأولوية الدعوة على الجهاد، وخلاصة ما جاء في هذه الباب أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل وأتباعهم وهي من أعظم القربات إلى الله، وأن الدعوة إلى الله فرض كفاية على عموم الأمة وتتعين على كل مسلم بحسبه وهي غير خاصة بفئة دون فئة ولا فرد دون فرد، بل كل مسلم مطالب بإبلاغ ما يعلمه للناس. وأن أهداف الدعوة إلى الله هي إبلاغ دين الله للناس، وإقامة حجة الله عليهم، وتعليم الناس تعاليم دينهم والارتقاء بهم تربوياً وإيمانياً وتكثير الخير والنماء في الأمة". * ويتحدث قادة الجماعة عن أن "وسائل الدعوة إلى الله كثيرة جداً ومتطورة بحسب الزمان والمكان.. وهي متنوعة كذلك فمنها ما يقوم به الفرد ومنها ما يقوم به الفئة من الناس كالمؤسسات والجمعيات والهيئات، ومنها ما يقوم به الدول. وللداعية صفات وأخلاق عليه التخلق بها، وهي فضلاً عن كونها من الأخلاق التي حث عليها الإسلام وأمر بالتقيد بها فإنها سبيل لقبول الدعوة وعدم النفور منها، فالدعوة هي بضاعة الداعية فعليه أن يحسن عرضها وتنميتها. ومن أهم هذه الصفات الإخلاص والعلم وأن يكون قدوة حسنة في الخير والرفق بالناس والتيسير عليهم وعدم التشدد ومراعاة الاعتدال والوسط دون إفراط ولا تفريط، ومن الحكمة في الداعية التبصر بمواطن المصالح والمفاسد والنظر في العواقب واعتبار المآلات". * * الدعوة والحكم على الناس * ويشدد قادة الجماعة في رؤيتهم الجديدة على أهمية التفريق بين وظيفة الداعية ووظيفة المفتي أو القاضي، وأن عدم التمييز بين كل وظيفة ووظيفة يوقع الكثير من الآثار السلبية، فوظيفة الدعاة كما يقولون هي" هداية الخلق، فإذا ما تحولوا يوما من الأيام إلى قادة ينزلون الأحكام على الناس ويسعون إلى معاقبتهم، أو يبحثون عن وسيلة لإقامة الحدود عليهم، فإن الدعوة سوف تنحرف عن طريقها ويحدث من النتائج ما نشاهده اليوم في الكثير من الساحات". * ولعل في هذه إشارة واضحة من قادة "المقاتلة" إلى ما ترتكبه بعض الجماعات الإسلامية المسلحة من أخطاء أدت إلى حدوث انحرافات وتجاوزات كثيرة في شرع الله، وهم في ذلك لا يستمعون إلى آراء الكثير من العلماء بل إنهم يسفهون آراءهم ويجيّشون المنتديات والمواقع الإلكترونية في الهجوم عليهم والنيل منهم والتشكيك في إسلامهم. * ويوضح قادة الجماعة أن معظم المعاني المذكورة في الدراسة عن التفريق بين وظيفة الداعية والقاضي معلوم من الناحية النظرية، إلا أن التطبيق له يقع فيه الكثير من الأخطاء وأن الخلل يحدث عند غياب المفاهيم الدقيقة لفقه الدعوة سواء من ناحية ترتيب الأولويات أو مراعاة أحوال الناس أو عدم التدرج في تربية الناس على تعاليم الإسلام أو غير ذلك. * "إنَّ الدعوة إلى الله رسالة عظيمة وأمانة كبيرة"، كما يقول مؤلفو المراجعات، ويؤكدون على أن "الخطأ كل الخطأ أن لا تنبني الدعوة على علم دقيق وفهم عميق لأخلاقياتها، ولذلك فقد قمنا بكتابة هذا الباب عن الدعوة لأن شريحة كبيرة من شباب الصحوة الإسلامية تغيب عنها فضل هذه العبادة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الكثير ممن يمارسها يقع في أخطاء نتيجة غياب أو قصور في معرفة صفات الدعاة إلى الله أو أهداف الدعوة. إن من أهم المفاهيم التي ينبغي التركيز عليها في ذلك هي أن هداية الخلق من أسمى غايات المسلم بل الداعية، ولذلك كانت هي أهم وظائف الرسل وأتباعهم وإذا تعارضت هذه الغايات مع وسائل أخرى مثل الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا خلاف في تقديم الغاية". * والجهاد في سبيل الله بحسب كلامهم لم يكن سوى وسيلة لإزالة العوائق أمام الدعاة إلى سبيل الله، ولذلك فإنَّ المسلمين كانوا يحرصون كل الحرص على دعوة الناس قبل قتالهم، أي أنهم حتى في أشد الأحوال وفي ساحات قتال الكافرين ما كانوا يغفلون دعوة الناس، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هداية الخلق حتى من كان منهم ينازع الموت ولم تكن الدعوة لتستفيد منه شيئاً كما فعل مع عمه أبي طالب وغيره. * * في الحلقة القادمة من المراجعات: * قادة الجماعة الإسلامية الليبية يتحدثون عن أخطاء وتجاوزات الجهاد * "العلماء هم المخوّلون بالرد على العلماء وبيان أخطائهم، دون تجريحهم أو الطعن فيهم * إذا كانت غيبة سائر المسلمين محرمة فما بالك بغيبة حملة العلم الشريف. فالوقيعة فيهم أحياء وأمواتا * تقليدا أو تعصبا، من شر المحدثات في الدين التي تفرق المسلمين وتمكن للبغض والكراهية وزرع الأحقاد