ابن ذبح والده من أجل شقيقاته وأخ قتل أخاه على مائدة الإفطار في ليلة القدر شهر الرحمة والغفران الذي ودعناه بتبريكات عيد الفطر كان الأفضع في جرائم الأصول والأقارب في تاريخ الجزائر.. إذ اهتزت عدة ولايات بجرائم خطيرة لم يسبق لها مثيلا.. * وإذا كان الشارع الجزائري قد تعوّد على جرائم القتل وكانت كثيرة ومنها التي تحوّلت إلى مجازر، كما حدث في عنابة عندما أطلق شرطي النار على عائلة قبل آذان المغرب ببضع دقائق على خلفية سوء تفاهم حول الماء فأودى بحياة شخصين من نفس العائلة، وإدخال امرأة الإنعاش المركز.. إذا كانت هذه الجرائم عادية فإن ما هزّ الشارع فعلا هو جرائم الأصول والأقربين التي أفطر وأيضا عيّد عليها وكانت في منتهى البشاعة، ففي شرق البلاد لم يمر يوما رمضانيا إلا وأفجع الناس بجرائم غريبة ضد أقرب الناس.. وكانت الفاجعة الأولى في أول أيام الشهر الفضيل، حيث عاشت عاصمة البيبان برج بوعريريج وفي قرية أولاد خليفة التي تبعد عن بلدة جعافرة بحوالي 25 كلم أولى الجرائم عندما أقدم شاب في الثلاثينات من العمر على قتل خاله أي شقيق والدته، وهذا قبل آذان المغرب ببضع دقائق مستعملا عصا، إنهال بها على رأس خاله فأرداه قتيلا بعد أن عانى من نزيف دماغي داخلي وسلّم الخال روحه للخالق في مستشفى بلدة جعافرة محاطا بإخوته ومنهم شقيقته أم الجاني.. وسبب الجريمة أن الجاني طلب من خاله مبلغا ماليا تحول إلى ملاسنات رأى فيها الجاني الشاب إهانة من خاله الذي يبلغ من العمر 53 سنة، فارتأى الرد بطريقته التي زجّت به في الحبس وأشقت كامل عائلته.. * وشهدت أيضا المنطقة الشرقية من البلاد عودة قوية لجرائم "قابيل وهابيل"، إذ في اليوم الثاني من رمضان تحوّل الصراع على الميراث في بلدة بئرالعاتر جنوبتبسة إلى مأساة نغصت عيد المدينة، حيث يوجد حاليا شاب رهن الحبس المؤقت بأمر من السيد وكيل الجمهورية بتهمة قتل شقيقه الأصغر الذي كان في منزلة ولده.. ووقعت الجريمة في الحي العتيق إذ قام الأخ الأكبر الذي جاوز سنه الخمسين بطعن شقيقه الذي يصغره بخمسة عشرة سنة عدة طعنات حتى قتله ولفظ أنفاسه في مستشفى تيجاني هدام ببئر العاتر، والغريب أن الجاني الشقيق هرب من دون إسعاف أخيه أو الندم على جريمته، حيث ألقت مصالح الأمن القبض عليه في منزل مهجور بحي 150 مسكن ببئر العاتر.. * وبينما كان عموم المسلمين وأبناء ولاية الأوراس باتنة يحتفلون بليلة القدر المباركة وقع شجار عائلي مابين شقيقين شابين على مائدة الإفطار، إستل فيه الجاني وهو"ب.ح" البالغ من العمر21 سنة خنجرا وغرسه في صدر شقيقه الأكبر"ب.ع" البالغ من العمر 24 سنة فأرداه قتيلا أمام مرأى والديه وبقية إخوته، وفي ليلة القدر المباركة التي أنزل فيها القرآن الذي قص علينا تفاصيل أول جريمة في التاريخ مابين ابني آدم "قابيل وهابيل".. لكن الأكثر فضاعة من الجرائم هي قتل الابن لأبيه وتم تسجيل جريمتين في شرق البلاد، إحداهما في عنابة في الخامس والعشرين من رمضان والثانية في اليوم الرمضاني الأخير بمدينة بن باديس قسنطينة، بينما كان الناس يترقبون هلال العيد.. ففي بئر المرجة التابعة لبلدية العلمةجنوب ولاية عنابة أقدم "م.ب" وهو شاب في سن 28 على ذبح والده المسن "م.ع" بعد مشاجرة عنيفة، والغريب أن الابن الذي قتل والده كان يدافع عن شقيقتيه بعد أن أجبرهما والدهما على الخروج للمرعى لرعي الأغنام فدافع الابن عن "شرف العائلة" بقتل أبيه إذ غرس الخنجر في رقبته، وتوفي الضحية بعد الإفطار في مستشفى عين الباردة بعنابة.. وإذا كان ابن عنابة قد دافع عن ما سماه هو ب "الشرف" فإن الابن في قسنطينة كانت حجته أغرب من الخيال، إذ أيقضه والده من النوم طالبا منه نقل الحلويات التقليدية في آخر يوم من رمضان إلى الفرّان، ولما رفض الابن "بدرالدين" البالغ من العمر 40 سنة، تحمّل الأب "عبد الحميد" البالغ من العمر 70 سنة المشقة لوحده، وهو ما اعتبره الابن إهانة، فتنقل سريعا نحو المخبزة وانتظر والده وبمجرد أن خرج من عند الفرّان وقرب جامع الصحابي عبد الرحمان بن عوف حتى فاجأه بطعنات قاتلة من خنجر زرعه على مستوى قلب الأب، وكان قد خطف الخنجر من مطبخ والدته.. الابن كان مهاجرا في ألمانيا ومنذ عودته دخل في شبه انهيار عصبي دائم.. أما الوالد فهو شرطي متقاعد أفنى العمر في محاربة الجريمة وردع الجناة لتنتهي حياته بجريمة من ارتكاب ابنه الذي ألقي عليه القبض، ولم يشهد جنازة والده في أول يوم من عيد الفطر المبارك التي حوّلت فرحة حي المنى بقسنطينة إلى أحزان.. كما قتل شاب في جيجل والدته وأجهز في حي "برال صالح" بسوق أهراس زوج على زوجته بواسطة ساطور على مستوى الكتف، ولأن الندم اعتصره وهو يشاهد حزن أبنائه الخمسة قام الجاني "عبد الحميد" البالغ من العمر 52 سنة بشنق نفسه بفناء المسكن الذي يقطن فيه. * أبشع ما في هذه الجرائم ما تسببه لأهل الجناة والضحايا، فأكيد أن معاناة الأبناء الخمسة في سوق أهراس كبيرة لأن الضحية والدتهم والجاني والدهم، كما أن أشقاء الأخ القاتل ووالدته سواء في عنابة أو قسنطينة هم أتعس الناس إذ أنهم سيقضون سنوات العمر في زيارة المقبرة، حيث يرقد والدهم وفي زيارة المؤسسة العقابية حيث يقبع شقيقهم. * * رأي الدين في جرائم الأصول والأقارب: قتل الوالدين أشد حرمة من كل جرائم القتل * اتصلنا بالدكتور عبدالكريم رقيق وهو إمام ومفتي بقسنطينة وسألناه عن الجرائم التي هزت الجزائر خلال شهر رمضان الأخير فقال أن الشهر الفضيل بريء منها لأن السباب والشتم محرم في الشارع فما بالك بلوغ درجة رفع اليد على الوالدين، فإذا كان القتل جريمة محرمة في الدين الإسلامي فإنها أكثر حرمة إذا تعلقت بالأصول.. وردّ هذا التطور الخطير في الجريمة إلى فلتان غير مبرر للأعصاب وأنهى بقراءة آيات أول جريمة في التاريخ المدونة في كتاب الله في سورة المائدة "واتل عليهم نبأ إبني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين، لإن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين". * * القانون الجزائري صار أكثر صرامة والجرائم تتضاعف * الإعدام لقاتل والديه و10 سنوات لضاربهما * الأستاذة نورة سعد السعود وهي محامية لدى المجلس بقسنطينة اعترفت أن قضايا جرائم الأصول اندلعت بقوة في الآونة الأخيرة.. وقالت للشروق اليومي أن المحاكم كانت تشهد في السنوات السابقة القليل من هذه الحوادث وتتعلق بالشتم في حق الآباء والتهديد، ثم تطورت نحو الضرب وانتقلت الآن للأسف إلى القتل.. ولاحظت أن الآباء في السابق كانوا يتنازلون عن حقهم ويبكون في المحاكم ويسامحون أبناءهم، لكنهم الآن صاروا يتمسكون بتجريم أبنائهم ويزجون بهم في السجون خاصة أن الضرب أحيانا يتكرر خمس مرات أو أكثر، مما يعني أن الابن العاصي مصرّ على إهانة ابنه.. وتقول الأستاذة سعد السعود أن القانون تأقلم مع هذا الوضع وصار أكثر صرامة ويصل في حالة جنحة الضرب ضد الأصول إلى غاية العشر سنوات، أما في جناية قتل الأب أو الأم فإن الإعدام هو مصير الجاني، كما هو حاصل مثلا في جريمة عنابة أو قسنطينة، حيث تجاوزت الطعنات بالخنجر الطعنة الواحدة حسب ما ورد في مختلف التقارير أي أن الجريمة ضد الأصول ومع سبق الإصرار والترصد.. ويحاول القانون في حالة التسامح أن لا يعقد الأمور اجتماعيا أما إذا أصر الأب الضحية على تجريم ابنه فهو لا يرحم الجاني.. وتأسفت الأستاذة من المنحنى التصاعدي الذي يرتفع كلما زاد القانون من صرامته.