هذه هي "خارطة الطريق" البرّي في رحلة الجزائر - القاهرة من الأخطاء التي يتداولها الشارع الجزائري ويذكيها الإعلام المصري الحديث عن الضغط الكبير الذي سيفرضه جمهور ملعب القاهرة على أشبال سعدان في 14 نوفمبر القادم لأجل ترك ورقة الترشح لصالح الفراعنة دون أن يتمكن صايفي وغزال وغيرهما من الحراك على أساس أن الجمهور المصري بصياحه بإمكانه أن ينسي هؤلاء المحترفين أبجديات الكرة.. ومن الخطأ أن يتوهم المصريون أن منتخبهم سيكون مدعما بالملعب والجمهور في الوقت الذي سيحرم فيه رفقاء بلحاج من هذين "اللاعبين" المهمين في عالم الكرة. * * فكل المؤشرات توحي أن هذه النظرية الخاطئة ستزول قبل الموعد الحاسم نهائيا، وسيبقى المستطيل الأخضر هو الفاصل بين الفريقين. فإذا كان الجمهور الجزائري في لقاء 7 جوان بالبليدة قد ساهم في دك شباك عصام الحضري بثلاثية فإن المصريين لن يتمكنوا من فعل ذلك، لأن الجزائريين باختصار سيكونون بقوة في "ستاد القاهرة" وقد يبلغ عددهم أزيد عن 10 آلاف مناصر، وقد يصبح صوتهم الأعلى في عملية قلب الطاولة على المصريين التي ستكون أشبه بعملية "نقل الرعب إلى المعسكر المنافس"، وحينها لن يلوم سعدان وأشباله سوى أنفسهم في حالة تضييع الحلم وسنقول جميعا للمصريين "مبروك" إذا تمكنوا من التهديف دون تلقي الأهداف. * الأجواء التي تعوّد الجزائريون على العيش فيها في القاهرة وخاصة في إقصائيات أولمبياد لوس أنجلس في جانفي 1984 وفي إقصائيات مونديال 1990 في نوفمبر 1989 زالت نهائيا فملعب "ناصر" الذي كان يحتشد فيه أزيد عن 120 ألف مناصر شوفيني يستعملون كل ظروف الابتزاز تحوّل الآن إلى ملعب القاهرة الذي تم "زرع" مدرجاته بالكراسي فانخفضت قدرة استيعابه إلى 80 ألف مقعد فقط، لا يمكن تجاوزها مهما كانت أهمية المباراة كما حدث في نهائي أمم إفريقيا عام 2006 ضد منتخب كوت ديفوار، والملاحظة الثانية أن الجمهور "الشوفيني" لحد النخاع والمتعصب جدا قلّ في الملاعب المصرية بشكل واضح جدا بعد أن دخلت تقاليد دخول العائلات المصرية إلى الملاعب، حيث تختلط المصريات بالمصريين وأيضا بالفنانات ويدخل الملعب حتى الأطفال، وهذا منذ نجاح كأس أمم إفريقيا عام 2006 التي نظمتها وفازت بها مصر، إضافة إلى أن مصر منذ أن منحتها الفيفا في رحلة محاولتها استضافة مونديال 2010 الصفر الشهير صارت تبحث عن تحسين صورتها، وثارت الأسبوع الماضي عندما قام بعض المناصرين برشق الملعب بقارورات الماء عقب خسارة منتخب الشباب بهدفين نظيفين أمام منتخب كوستاريكا ضمن منافسة كأس العالم للشباب، إذ تقبّل المصريون الإنذار الذي جاءهم من الفيفا وطالبوا بضرب المتسببين في هذه الأحداث البسيطة التي وقعت بعد نهاية المباراة.. ثم أن المصريين مقتنعون تماما بمستوى فريقهم الذي رفعهم فعلا في كأسي أمم إفريقيا السابقتين ويرون أنه قادر على التأهل في ظروف حسنة.. وحتى تعثره لن يحركهم كما حصل أمام المنتخب الزامبي في الدور الأول من التصفيات الأخيرة وكما كاد يحصل في كأس أمم إفريقيا في نصف النهائي أمام السنغال والنهائي أمام كوت ديفوار، حيث كان المنتخب المصري على شفا الضياع لولا تألق لاعبيه وليس ضغط الجمهور.. والشيء الجميل في ملعب القاهرة أن أرضيته راقية جدا وهي أحسن من كل ملاعب الجزائر وتليق بلاعبينا المحترفين الذين تاهوا في ملاعبنا والملاعب الإفريقية الرديئة جدا. * * المنتخب المصري لا يفوز بالنتائج الثقيلة * الملاحظ في السنوات الأخيرة أن المنتخب المصري لا يتمكن من الفوز بالنتائج الثقيلة منذ أن افتقد الضغط الذي كان يقوده ملعب ناصر الدولي وخلال الاقصائيات التي بلع فيها "المر" أمام الكونغو وفاز بهدفين بعد أن أنهى المرحلة الأولى منهزما، وصارت الأسطوانة التي يرددها المصريون أن منتخبهم يكون أقوى خارج الديار ويتلعثم على أرضه وأمام جمهوره حتى في اللقاءات الودية، طبعا إذا لم يواجه المنتخبات المعدومة المستوى على شاكلة جزر موريس.. وحتى في كأس أمم إفريقيا التي جرت على أرضه عام 2006 لم يجد ضالته وكان حلمه في كل مواجهة هو الفوز دون أي فارق يذكر، لأجل ذلك سيكون من النكتة القول أنه سيجد فسحة لدك شباك ڤاواوي بثلاثية نظيفة مع وجود مدافعين من طينة عنتر يحيى الذي ينشط مع بوخوم الألماني وبلحاج لاعب بوتسموث الإنجليزي وبوقرة صخرة غلاسكو رانجرس وحليش مدافع ماديرا البرتغالي بمساعدة العائد إلى التشكيلة منصوري مما يعني أن فك طلاسم الدفاع الجزائري في هاته الظروف الحسنة من أرضية صالحة وبعد المدرجات عن اللاعبين هو من سابع المستحيلات، ويجعل بذلك القول أن اللاعبين إذا خيبوا الآمال فسيكون ليس من حقهم السفر إلى جنوب إفريقيا، حيث يلاقون البرازيل "وأخواتها". * * خارطة الطريق البري نحو مصر.. 100 أورو ثمن الرحلة * القول بوجود 10 آلاف جزائري في موعد القاهرة في 14 نوفمبر القادم ليس ضرب من الخيال، فرحلة إلى مصر برا ربما أسهل من رحلة نحو تمنراست جنوبا، فالسفر البري إلى مصر يمارسه الكثير من الجزائريين، خاصة الطلبة الذين لا يستطيعون دفع تذكرة الطائرة، ويسافر سنويا نحو القاهرة الآلاف من الجزائريين حتى لممارسة السياحة وأيضا لأداء مناسك العمرة، ناهيك عن التجارة والدراسة.. ويسلكون لأجل ذلك خطا بريا لا يحيد عنه أحد ويتميز بصلاحية الطريق من تبسة إلى غاية القاهرة.. ويتنقل أبناء شرق الجزائر وهم أكثر الناس سفرا برا إلى مصر إلى محطة المسافرين بتبسة، حيث تنقلهم سيارات أجرة رسمية من نوع 505 عائلية التي تحمل 6 أماكن "دعونا نقول 6 مناصرين" إلى بلدة رأس جدير الحدودية بين تونس وليبيا عبر المركز الحدودي بوشبكة بولاية تبسة والمسافة تستهلكها السيارة في 8 ساعات كاملة وتقدر بأزيد عن 800 كلم.. وفي رأس جدير الليبية يجد المناصر الجزائري سيارات مرسيدس فاخرة ليبية تمنحه الراحة وهي "فورغونات" راقية مكيفة، يدفع خلالها مبلغا لا يزيد بعملتنا عن 5000 دج "طبعا بعد تحويل الأورو إلى العملة الليبية"، حيث يصل إلى العاصمة الليبية طرابلس وبإمكانه أن يتعاطى خلال رحلته من تبسة إلى غاية طرابلس مرورا ببلدة رأس جدير الليبية الأكلات الخفيفة التي نقلها معه إضافة إلى أن الأكل ليس غاليا في تونس وفي ليبي .. في العاصمة الليبية لا وجود لمحطة للمسافرين وتوجد سيارات فاخرة من نوع مرسيدس أو حافلات تنقل المسافرين نحو القاهرة على مسافة تقارب 1600 كلم، لكنها تتميز بالراحة بسبب الطريق الصحراوي الجميل الذي يمكن المسافر من قضائه في النوم المريح ويقضي رحلة طرابلس نحو القاهرة في حوالي 24 ساعة.. ولأن شهر نوفمبر موعد المباراة خريفي فإنه لن يعاني "أي المشجع" من الحرارة وأيضا من الجوع والعطش.. وتبلغ المسافة الفاصلة ما بين طرابلس والحدود مع مصر في بلدة السلوم حوالي 700 كلم.. كما أن بعض الجزائريين بمجرد بلوغهم العاصمة اللبيية طرابلس يفضلون السفر عبر الطائرة من طرابلس إلى القاهرة عبر "الخطوط الجوية إفريقيا".. وثمن التذكرة الجوية ذهابا وإيابا هو 120 أورو وهو كما ترون أرخس من الرحلة الجوية بين وهرانوقسنطينة ذهابا وإيابا. * المسافر السائح الذي يمتلك سيارة جديدة ولتكن رباعية الدفع وهم بعشرات الآلاف في الجزائر إذا أراد الإستفادة من السياحة إلى جانب تشجيع المنتخب الوطني فإنه قادر على قضاء ثلاثة أيام في الذهاب ومثيلا لها في الإياب ولن تكلفة الرحلة ماديا في الذهاب أزيد عن 100 أورو في النقل والأكل وحتى النوم في الفنادق الليبية والمصرية، وعموما فإن المشجعين سيتوفر لهم زمن لا يزيد عن اليومين في الرحلة ومبلغ لن يزيد عن 100 أورو أو المليون سنتيم في رحلة من المفروض أن لا يندموا عليها وهم عائدون مع سعدان وأشباله ببطاقة التأهل للمونديال الإفريقي.. ولن يجد الجزائريون في طريق الرحلة أي استفزاز أو عرقلة حسب المداومين على هذه السفريات من تجار وطلبة وحتى سياح والآن مشجعين. * * 2500 سطايفي سافروا إلى القاهرة في أفريل 2008 * خلال الدور نصف النهائي من كأس رابطة أبطال العرب التي جمعت الوفاق السطايفي بنظيره المصري طلائع الجيش في أفريل 2008 وجرت المواجهة بملعب الكلية الحربية التابع للهيئات العسكرية بلغ تعداد الجمهور السطايفي حوالي 2500 مشجع وكان منهم الطلبة الجزائريون الذين يزاولون دراستهم في المعهد العربي وهم يفوقون الألف طالب سيكونون في الموعد في 14 نوفمبر القادم بالتأكيد إضافة إلى الذين سيحجون بالآلاف من مختلف المدن والقرى الجزائرية، وإذا كان الوفاق في بطولة غير مهمة وفي دور غير نهائي قد جمع 2500 مناصر مكّنوه من تحقيق التأهل بهدف من المغترب مشري فإن الحديث عن 10 آلاف مناصر للخضر في موقعة القاهرة لا مبالغة فيه، والذين يتحدثون أيضا عن وصول الرقم إلى 20 ألف قد يصدقون أيضا.. وفي لقاء الوفاق في "ستاد الكلية الحربية" عانى المناصرون من التفتيش بمعدل سبعة مفتشين لكل مناصر ومع ذلك أدخلوا "الفيميجان" وألهبوا الملعب بحماسهم، وقال حينها الحارس حجاوي أنه شعر بأنه في ملعب سطيف وليس بالقاهرة. * ومن عادة المناصرين الجزائريين تحدي كل الظروف، خاصة أنهم الآن على بعد خطوة من الحلم الكبير، حيث في خريف 1981 منهم من تنقل بسيارة هوندا برا إلى غاية نيجيريا وشجع المنتخب الوطني الذي فاز في الدور الأخير بهدفين نظيفين من جمال زيدان وبلومي، وتأهل منتخبنا لمونديال إسبانيا، وفي تونس في خريف 1985 إستعمر المناصرون ملعب المنزه وجاوز عددهم 10 آلاف مناصر أسكتوا التونسيين وفاز منتخبنا حينها برباعية من أقدام ماجر ومناد وقاسي السعيد وعصاد وتأهل إلى المونديال المكسيكي.. وفي حالة إجراء لقاء فاصل في أوربا فإن الخاسر الكبير هو المنتخب المصري فإضافة إلى كون لاعبينا ينشطون في أوربا ولن يحسوا بالغربة فإن جزائريي أوربا هم الأكثر شوفينية وسيسيطرون على مدرجات الملعب طولا وعرضا مهما كان البلد الذي تجرى فيه المباراة. * أما عن الأثمان التي تقترحها مصر عموما للتذاكر فهي في متناول الجزائريين العاديين وحدث إستثناء واحد في نهائي أبطال إفريقيا عام 2007 بين الأهلي والنجم الساحلي التونسي، حيث بلغ سعر المقصورة الرئيسية 1000 جنيه وسعر الدرجة الأولى الممتازة 200 جنيه والدرجة الأولى العلوية 75 جنيه والدرجة الثانية 100 جنيه والدرجة الثالثة 30 جنيه وأثارت هذه الأسعار الخيالية الشارع المصري وعشاق الأهلي.. أما في غالب الأحيان فالأسعار في متناول الجميع، حيث بلغت في كأس العالم للشباب الدائرة رحاها الآن 100 جنيه للمقصورة الرئيسية و5 جنيهات للدرجة الثالثة وهي شبه رمزية بالنسبة للمشجع الجزائري، كما بلغت في مواجهة زامبيا الأولى 5 جنيهات فقط أي دون مبلغ 100 دينار جزائري.. وحتى لو اشترى المناصرون من السوق السوداء فإن ذلك لن يكلفهم كثيرا، وهناك من صرف من أجل لقاء البليدة الأخير مبلغا يكاد يوازي المبلغ الذي سيصرفه في رحلة القاهرة؟ * * وزير الشباب والرياضة وعد بمساعدة المناصرين في رحلة القاهرة * قال وزير الشباب والرياضة عقب نهاية مباراة المنتخب الجزائري أمام رواندا وكان في قمة السعادة للقناة الأولى الإذاعية أنه سيساعد مناصري المنتخب الوطني حتى يكونوا إلى جانب منتخبهم في المرحلة الأخيرة بالقاهرة وهو كلام مسؤول ومطمئن يجعلنا نفكر مباشرة في تمكين هؤلاء من الحصول على التأشيرة بسهولة ودون تعقيدات، وعلى الإتحادية أن تطالب من الآن بحصتها من التذاكر لعشاق الخضراء الجزائرية ولن تتحرج في طلب 10 آلاف تذكرة وإذا فازت بخمسة آلاف فذاك جيد، لأن البقية من المشجعين المتواجدين في مصر والقادمين من إيطاليا وفرنسا ودول الخليج العربي سيتكفلون بتذاكرهم. * * المناصرون للاعبين.. "تكفلوا بالميدان واتركوا لنا المدرجات" * المشجعون بدأوا منذ الفوز أمام رواندا ومنذ الظلم الذي تعرضوا له من الحكم يسألون عن الوسيلة التي تطير بهم نحو مصر، وبدأت الكثير من وكالات الأسفار تدخل الخط.. و"الشروق اليومي" تلقت أمس آلاف المكالمات من مشجعين لم يتمكنوا من حجز مقعد في البليدة فقرروا الفوز به في القاهرة مما يعني أن الرعب الذي يتحدث عنه المصريون من أنصارهم سيتحول إلى معاقلهم.. وإذا بلغ عدد المناصرين 10 آلاف متحمس ومجنون كرة لا وظيفة له سوى التشجيع فسيجد حينها رفقاء مراد مغني أنفسهم في ملعبهم وأمام جمهورهم وسيكون حينها الحديث عن خماسية 2001 أو ثلاثية نظيفة أشبه بالمهاترات الإعلامية البعيدة فعلا عن الواقع.. طبعا هذا نبض المدرجات، وللميدان حديث آخر.