يوما بعد يوم، تتكشف "الحدّوتة " المصرية عن الملابسات التي حكمت المواجهة الجزائرية المصرية على ملعبي القاهرة وأم درمان، وتبدأ الشهادات المصرية، على المستوى الرسمي والإعلامي، تقر بوجود اعتداء على المنتخب الوطني في القاهرة، وتنفي حصول "مجازر" للمصريين على يد المناصرين الجزائريين، ثم تدين الهجمات الإعلامية التي استهدفت الجزائريين، شعبا وتاريخا وحكومة وحضارة . * كثيرون هم المصريون الذين تكلموا وحاولوا عرض بعض الحقائق التي كانت موضع كتمان، بدءا بوزير الشؤون القانونية المصري مفيد شهاب، ومرورا بالشيخ صفوت حجازي، وانتهاء ببعض الإعلاميين المصريين الذين كتبوا ولا يزالون عن فضائح النظام المصري وإعلامه في التعامل مع هذا الحدث الكروي، رغم أنه لم يكن من اللائق أن يتكتم الساسة والإعلاميون عن الحقائق وينساقون وراء الجماهير المسوّقة بدورها كالقطيع، من أجل التسويق لمشروع سياسي حاول النظام المصري استغلاله في حالتي الانتصار أو الهزيمة، وقاده الانكسار الكروي إلى خلق عدو بديل عن العدو الحقيقي الجاثم على سيناء والآمر بإغلاق معبر رفح ومحاصرة شعب غزة الأبيّ والصامد . غير أن الطرف المقابل في هذه الأزمة المأساة والمقصود هنا الجهات الرسمية الجزائرية لم تتعامل بالطريقة التي يقتضيها تعامل دولة سيدة تحفز لنفسها ولمواطنيها الكرامة التي تعتبر ثابتا من الثوابت التي لا يمكن للمصالح والهواجس أن تعصف بها. لقد ترفعت الدبلوماسية الجزائرية ورفضت النزول إلى الحضيض المصري الذي انساق بإعلامه وسياسييه وفنانيه ومثقفيه وبعض »مشايخه« إلى سبّ الجزائر وتاريخها وتراثها وحضارتها وشعبها وحكومتها، وحمد الجميع للجزائر هذا الصمت الذي اعتبر في بادئ الأمر دليلا على الحكمة والرصانة على رأي المثل »السكوت على الأحمق جوابه«، غير أنه لما رفعت الفضائيات المصرية، الحكومية والخاصة (حتى لا يستغفلنا أحد)، صوتها بالطعن في الشهداء، هل كان من الحكمة أن يصمت الموقف الرسمي ويتوارى خلف حجاب كثيف لا نعرف أهو يخفي وراءه حكمة حكيم أو تخوّف مُرتاب أو تحيّن متربّص أو حسابات براغماتي؟ الجزائريون لا يطالبون حكومتهم بقطع العلاقات مع مصر، لأن العلاقات تبنى على المصالح والمكاسب التي يمكن أن تتحقق لهذا الطرف أو ذاك، بعدما ظهر أن شعارات العروبة والأخوة لم تعصم المصريين من الوقوع في أعراض الجزائريين، لكنهم يطالبون برد الاعتبار وبالكرامة المستباحة التي أريق ماء وجهها في فضائيات لم تدع وصفا قبيحا إلا وألصقته بنا، على مرأى من حكومتنا التي يُفترض أن يكون الدفاع عن كرامتنا هو أولى أولوياتها وواجبها الأول الذي لا يعدله واجب ولا يوازيه. في ظل هذه الملابسات، لم يعد صمت الحكومة حكمة، ولا قريبا من الحكمة، لأن الحكمة هي "وضع الشيء في موضعه"، ولا يجوز في عُرف الجزائر أن يكون الصمت جوابا على من يهين كرامتنا ويسب شهداءنا، إلا إذا اعتبرنا أن ما يقوله خصومنا عنا صحيح، لأنه في هذه الحالة تتغير القاعدة لتصبح : " الصمت علامة الرضى " !