منزل عائلة عبد المالك درودكال/تصوير:بشير زمري "صورته لم تفارقني يوما وظله موجود معي حتى وأنا أصلي .. أذكره دائما .. وأتمنى لو أنه بيننا الآن .. وإني أدعو ولدي إلى ترك ما هو عليه والعودة إلى أهله وذويه .. لا أريد أن أموت بحرقة لقائه كما مات والده..". * *تائبون: درودكال شخصية خجولة وانطوائية ترى في أعمال العنف تقربا إلى الله. * * * هي أماني "الحاجة زهور" والدة زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ابنها الذي كان سببا في دموع كثيرين ومقتل العشرات .. لكنه يظل في قلب أمه آخر العنقود وفلذة كبدها.. مرت 14 سنة عن غيابه ومع ذلك لا تزال تنتظر توبته وعودته إلى البيت؟ * منطقة مفتاح واحدة من بين مناطق مثلث الإرهاب زمن سنوات الجمر إلى جانب كل من الكاليتوس والأربعاء، أو الأماكن التي كان يطلق عليها معاقل الإسلاميين أو مثلث الموت، حيث تشبع كثيرون ببطولات "المجاهدين" العائدين من أفغانستان، كما شكل وقتها تيار التوجه الإسلامي أبرز أفق "للانعتاق" لدى الشباب، وكان درودكال واحد من هؤلاء، كان وقتها درودكال لم يتجاوز سنه العشرين سنة، يقول أحد التائبين من منطقته إنه كان انطوائيا وفتى خجولا، ميولاته تجاه التيار المتشدد بدأت تظهر في سلوكاته إلى جانب كثيرين من الشباب. * كان يمضي ساعات طويلة لمتابعة قصص العائدين من الحرب ضد السوفيات في أفغانستان، وكان أيضا من المتحمسين لنصرة المسلمين المضطهدين، مما جعله وآخرون يتقمصون الشخصية الأفغانية وهو ما ظهر لاحقا في البيانات التسجيلية التي أصبح يطلقها ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يتحدث أحد التائبين بالقول إن عبد المالك قبل صعوده إلى الجبل عرفناه فتى متفوقا في دراسته وواحدا من أتباع التيار السلفي، كان انطوائيا، قليل الكلام وقليل الشجار، تقول والدته عنه إنه لم يرفع في حياته صوته عليها أو على والده، كان مواظبا على الصلاة. * وتقول والدته إنه كان لا يسمع الأغاني ويرى بعدم جواز الصور وهو ما جعله لا يأخذ صورا إلا عندما قرر استخراج بطاقة الهوية وجواز السفر، وكان أيضا لا يفضل النظر إليها، نشأ عبد المالك في أسرة محافظة ومتدينة له ثمانية أخوة وهو التاسع في أفراد عائلته والأصغر والوحيد الذي تحصل على شهادة البكالوريا من بين إخوته، حيث نالها بتفوق عام 1989 في شعبة الرياضيات، ليختار بعدها دراسة التكنولوجيا وإكمال مشواره الدراسي في البليدة بدءا من عام 1990.. حيث شكلت سنوات الجامعة نقطة تحول هامة في حياة عبد المالك درودكال، حيث التف مع بعض الشباب من أقرانه وعمره وقتها لم يتجاوز العشرين سنة حول أهداف الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي بدأت تظهر تشكيلاتها السياسية ورموزها وأهدافها بعد عام 1991. * يتحدث أحد التائبين عنه، إنه كان من بين الجماعات التي انبثقت من مفتاح، والتي ضمت أطيافا مختلفة من بينهم السلفيون الجهاديون العائدون من أفغانستان، واستطاعت الجبهة أن تستقطب هؤلاء بفعل حملات السياسيين آنذاك في محاربة الفقر والإنطلاق من مشاكل الشباب واستغلال حماسهم وعاطفتهم تجاه الإسلام. والدة درودكال تقول عن عبد المالك إنه كان يستيقظ مع فجر كل يوم ليؤدي الصلاة في المسجد، يعود بعدها يحمل محفظته ليلتحق بجامعته بالبليدة، وهي واحدة من بين معاقل الإرهابيين، لم تلاحظ عليه والدته أي تغير كونه كان لا يهتم إلا بدراسته، ولا يخالط رغم ظهور تشدده المفرط، وبين مفتاح والبليدة تشكلت شخصية درودكال ورغبته في الإلتحاق بالجماعات المسلحة وترك مقاعد الجامعة. * كان ذلك عام 1993 بعد احتكاكه ببعض الإسلاميين المتشددين جدا، وهي السنة التي صعد فيها درودكال إلى الجبل، كانت وقتها الجزائر تعيش فترة جد حرجة تقول والدته إنه لم يخبرها بصعوده إلى الجبل، إذ اختفى درودكال شهر ديسمبر من نفس السنة، يتحدث بعض التائبين أن رغبته في الإلتحاق كانت منذ بداية عام 1991 بعدما كان باديا عليه التشبع بالفكر التكفيري الذي تبنته (الجيا)، حيث كان يرى في رموز الدولة "مرتدين عن الإسلام"، وينقل عن درودكال أنه أول من ربط معه الإتصال الشيخ (س.مخلوفي ) عام 1992م، ليلتحق بصفة رسمية بالجبل في ديسمبر 1993. * * درودكال بعد صعوده الجبل في روايات التائبين * * قليلون جدا هم أولائك الذين كانوا برفقته في الجبل من التائبين الذين تحدثوا إلينا. أحد الذين تخلوا عن العمل المسلح عام 1999 وكان عضوا فيما يسمى بخلية الإعلام، يقول إنه التقى ب"أبو مصعب عبد الودود" ما بين عامي 1996 و1997، كلف درودكال برئاسة ورشات التصنيع بعد اكتسابه لخبرة في صنع المواد المتفجرة القاتلة، لمدة ثلاث سنوات، حيث كان في عام 1993 عضوا في خلية صنع المتفجرات، كان أبو مصعب قليل الكلام، رزينا جدا وبالكاد تستطيع أن تتحدث معه. * كان كلما يلتقي معي يلقي علي السلام وكان حازما جدا في عمله، وأغلب رفاقه من طلبة الجامعة وربما لهذا السبب توطدت العلاقة بينه وبين نبيل صحراوي.. ويروي التائب أنه التقاه في جبال خميس الخشنة ومنطقة علي بوناب ببومرداس، قبل أن تحاصر أجهزة الأمن المنطقة ويفضل كثيرون رغبتهم في النزول من الجبل، ويحكي تائب آخر عن طريقة تولي أبو مصعب عبد الودود لرئاسة التنظيم أنها تمت عن طريق الاستخلاف وليس التعيين، فكان نبيل صحراوي في حياته قد أوصى بأنه في حالة مماته يتولى درودكال رئاسة التنظيم، حيث كان نبيل صحراوي يوصي مقربيه بالقول ( إذا مت يستخلفني أبو مصعب). * اختلفت روايات بعض التائبين عن تولي درودكال زعامة التنظيم المسلح، حيث يروي تائب رفض الكشف عن هويته قائلا: "اعتلاء درودكال لإمرة الجماعة السلفية للدعوة والقتال لم يكن عن طريق الاستخلاف وإنما بالتعيين ورغبته في الاستحواذ على النظام، حيث كان يرى نفسه أكثر الشخصيات المؤهلة لقيادة التنظيم". فيما يروي تائب آخر أن تولي درودكال الإمرة، كان عن طريق الاستخلاف حيث قرأ بيان التعيين "أبو البراء أحمد"، وهو مسؤول الهيئة الشرعية للجماعة السلفية للدعوة والقتال، واسمه الحقيقي (أحمد زرابيب) ليتولى درودكال بطريقة الاستخلاف زعامة التنظيم ليحاول بعدها تغيير استراتيجية التنظيم التي كانت ستسير في نفس الإتجاه في حال لم يقتل نبيل صحراوي، الاستراتيجية التي تعتمد على مواصلة قتل الأبرياء وتطورت فيما بعد إلى استعمال أسلوب العمليات الإنتحارية، وهو الأسلوب الذي أدى بكثيرين إلى الاقتناع بضرورة ترك العنف. * ويفسر بعض التائبين ممن تخلوا عن العمل المسلح أن تمسك درودكال بالنزعة نحو العنف .. يرى فيه تقربا من الله حسب التأويل إلى الكتب التي تزعم إلى الجهاد، بعض التائبين وهم يتحدثون إلينا رفضوا ذكر حتى رموز أساميهم خوفا على حياتهم .. الحياة التي أصبحت تعني لهم كثيرا بعدما كانوا في تنظيم هو نفسه يرفض الحياة على الآخرين، هم اليوم لدرودكال بمثابة الخونة، ومع ذلك لا يزالون يأملون في أن يختار مثلهم طريق السلم والمصالحة الوطنية، الخيار الذي عاد فيه عشرات التائبين، تزوجوا وأصبحت لهم حياتهم الخاصة. من بين هؤلاء من أصبح شديد الحرص على حياة أبنائه.. قائلا لنا "... أموت أنا في سبيل أن تحيا ابنتي وتتعلم وتدرس وتعيش حياتها داخل هذا الوطن .. الوطن الذي تأكدنا أنه أبدا لن يبنى بدماء الأبرياء".