خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم في حوار ل 'صوت الأحرار'
نشر في صوت الأحرار يوم 04 - 07 - 2009

لا تزال الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم تتذكر تلك اللحظات الجميلة التي عاشتها قبيل استقلال الجزائر وتتغنى بحنين الماضي الذي صنع في رأيها حاضرا جميلا، جعلها تعشق الجزائر، في حوار شيق ل "صوت الأحرار" نكتشف الوجه الآخر لامرأة أحبت أرضها واختارت حياة العزوبية من أجل النضال وإرساء قواعد العدل والحق وحماية حقوق الإنسان، تفاصيل عديدة ترويها لنا بن براهم الطفلة، الآنسة والإنسانة بكل بساطة، حياة مليئة وفؤاد كله حب زاد هذه الشخصية تميزا وجعلها تقتحم عوالم عجز حتى الرجال عن خوضها ليس إلا بقلب مخلص، كله إيمان بحتمية العمل والسعي والنضال من أجل غد أفضل للجزائر ولأبناء الجزائر.
*في البداية من هي الأستاذة بن براهم؟
السيدة بن براهم هي في الأصل وقبل كل شيء شخصية جد بسيطة، مولودة يوم 28 جانفي 1953 في القصبة "العزيزية" وشاء القدر أن يكون تاريخ ميلاد هذه الطفلة مصادفا لتاريخ ميلاد الوالد والجد، أما والدتي فهي امرأة عظيمة يحبها الجميع ويحترمها، في تصوري كانت امرأة جميلة ولا تزال كذلك، والدي هو ابن عمها وكان زوجين رائعين.
بن براهم التي يراها الجميع في حياة نضالية طويلة غير منقطعة كما سبق وأن قلت ولدت في يوم شتاء وفي المنزل وليس بالمستشفى كما هو الحال الآن، كان الجميع في استقبالي، ينتظرون ميلادي بفارغ الصبر، أما والدي فكانت الفرحة لا تسعه عندما سمع بخبر ميلادي إلى درجة أنه يأخذني معه وأنا رضيعة إلى كل مكان يتنقل إليه.
*يقال أن بن براهم تأثرت كثيرا بشخصية والدها؟
هذا الرجل الذي لم يسعفني الحظ في أن أعيش في حضنه كان إنسان مثقف ورياضي كبير في الملاكمة وكانت له ثقافة واسعة، كان يعشق الموسيقى، الرسم وغيرها من الهوايات، ولعل أهم ما يميزه هو أنه كان يرتدي لباسه التقليدي الممثل في" شاشية سطنبول، الكاميزورا، سروال التستيفة بشدة الحزام " وينتقل إلى أعالي القصبة أين يجلس ويقابل البحر ويبقى هناك لساعات طويلة يعزف على أوتار الموسيقى وينشد أحلى القصائد بموندوله الخاص.
والدي كان رجلا ثوريا قبل 1954 ويعمل على التحضير للثورة من أجل تحرير الجزائر، ولكنه راح ضحية الاستعمار الفرنسي الوحشي سنة 1957 عندما أصدرت الحكومة الفرنسة مرسوما يقضي بالحفاظ على الأمن والقبض على الجزائريين الثوار، هذا المرسوم الذي عمم التعذيب في الجزائر نال من والدي الذي وقف من طرف السلطات الفرنسية في 28 جانفي 1957، ومات تحت التعذيب ولم نحصل إلى يومنا هذا على جثمانه، هو من مفقودي القصبة، وأنا لا أملك سوى تلك الذكرى الجميلة عنه لأنه كان يحبني كثيرا، أذكر عندما كان يأخذني معه في درجاته النارية، الأمر الذي كان يبهر الفرنسيين أنفسهم، بالفعل كان إنسانا أنيقا، بدلته، عطره، كل شيء فيه جميل، لا أزال أذكر في خيالي حتى عندما كان يلبس حذائه على أحد الكراسي المبطنة والتي تصنعها أمي خصيصا له.
وبحكم أن الوالد يطالع كثيرا، كنت شقية فادخل غرفة نوم والدي لأطلع على تلك الكتب لكن ليس بهدف قراءتها وإنما لرؤية الصور الموجودة بها ثم تقطيعها، وكان الأمر يعجبني ويجعلني جد مسرورة.
*كيف نشأت الأستاذة فاطمة الزهراء؟
نشأت في جو وطني مملوء بالحنان، تربينا على أساس أننا مسلمين، تعلمنا الصلاة في سن مبكرة، باعتبار أننا عرب ولا يجب أن نختلط بالفرنسيين خاصة في تلك الفترة التي كان رهانها قائما على ضرورة الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، فلسفتنا أساسها أن الجزائر بلدنا وبلد أجدادنا، كان الجميع يحكي لنا عن تاريخنا وانتمائنا، فنحن من سلالة الشيخ سالم بن براهم أول ملك للجزائر وكانت له مواقف شجاعة في تاريخ الجزائر وكان له حب كبير للشعب الجزائري، ومن هذا المنطلق نجد أن كلمة سليم وسلام وسلم دائما موجودة في التسميات التي نعطيها لأبنائنا في العائلة.
بعد وفاة والدي تأثرت أسرتي كثيرا بالواقعة، لكنها بقيت منسجمة لأن والدتي باشرت العمل وواصلت النضال، عمي الصغير صعد إلى الجبل ووالدتي بقيت في القصبة للعمل في الخفاء لتأمين الربط والاتصالات في جبهة التحرير الوطني.
وبعد ما اكتشف أمرها من طرف السلطات الفرنسية سنة 1958 منعت من التجول في العاصمة وجاء جدي "بابا سيدي" وأخذني إلى بيته في اسطاوالي لأعيش معه، هناك تواصلت تنشئتي القائمة على الدين الإسلامي أولا، حب الوطن ثانيا، التربية والأدب مع الناس ثالثا ، فنحن جزائريون.
جدي الذي يعد من أهم الشخصيات التي تأثرت بها في حياتي كان محترم من طرف الفرنسيين، وأذكر أنه في يوم من الأيام كاد الفرنسيين أن يدوسنا بسيارته فقال له جدي أين أنت فرد له الفرنسي أنا في بلدي فرد عليه جدي لا بل أنت في بلدنا لأنك عندما جئت إلى الجزائر لم يكن لديك حذاء في الرجل، وبالفعل كانوا يأتون إلى الجزائر وهم لا يملكون أحذية في الوقت الذي كان فيه الجزائريون جد متحضرون في تلك الفترة، هؤلاء الفرنسيون كانوا يأكلون "كرموس نصارى" بقشوره، جدي هو الذي وظفهم، كان رجلا قويا يصوم كل يوم الاثنين والخميس طوال العام، بالإضافة إلى ثلاثة أشهر كل سنة مع شهر رمضان.
*هل ذهبت بن براهم إلى الكتاب؟
كنت صغيرة شعري أشقر وطويل، وكنت جد شقية، قبل الاستقلال كانت هناك كنيسة والقس ينصر فيها الجزائريين، وبالمقابل كان هناك كتاب الشيخ الجلاخي الذي يعلمنا القرآن، له قصبة طويلة يضربنا الفلقة، لم أكن افهم ما يقول وفي يوم من الأيام كنت مع صديقتي باهية نردد نغمة التجويد في مؤخرة الصف وعندما علم بالأمر ضربنا حتى أن الحذاء لم يدخل في رجلي وعندما علم جدي بالأمر ذهب إليه في اليوم الموالي وضربه ومنذ ذلك اليوم لم أذهب إلى الكتاب. وجاءت مرحلة المدرسة
*هل صحيح أنك نجوت من الموت في فترة الاستعمار؟
كنت شقراء ولم يكونوا يفرقون بيني وبين الفرنسيات، وبالفعل نجوت من الموت لمدة 5 مرات بعدما حاول أعضاء من المنظمة الفرنسية الإرهابية السرية قتلي أنا ووالدتي، المرة الأولى كنت مع خالتي وكانوا سيقتلونني لولا أن نطقت امرأة فرنسية وقالت لهم هي ابنة كولون والمرأة التي معها ما هي إلا خادمة.
المرة الثانية كنا ننتظر في الحافلة وعاكسوا أمي وكان أحدهم سيقتلنا بعد أن شتمته أمي لولا أن الحافلة وصلت في الحين وصعدنا فيها، أما في المرة الثالثة فكنا بالقرب من ساحة الأمير عبد القادر أنا ووالدتي، كانوا سيقتلوننا ثم غيروا الوجهة وقتلوا ساعي بريد جزائري، أنا أتذكر تلك اللحظات لأننا نجونا بمعجزة.
*كيف عاشت الأستاذة بن براهم فرحة الاستقلال؟
أتذكر الاستقلال وفترة ما قبل الاستقلال وبالتحديد مرحلة 19 مارس التي أثرت في نفسي كثيرا، كنا نعرف أناسا حركى خانوا وطنهم ومعروفين عند العام والخاص، ومباشرة بعد تاريخ 19 مارس 1962 أصبحوا مجاهدين، ولحد الساعة لا ندري من قتل المجاهدين الحقيقيين في فترة وقف إطلاق النار، الأمر الذي أثر في نفسي كثيرا، أتذكر في تلك الفترة كذلك عندما قالوا لنا اصنعوا أسلحة من لوحة وحديد كنا نقطعه كالمحشوشة ونضيف له زنادا لنطلق بها طلقات للعب.
كان لنا منزل كبير في اسطاوالي وكان لدينا كلاب كثر يشبهون الذئاب، نروضهم للحراسة لحماية المنزل من العساكر، لأن الكلاب تخطرنا بقدوم كل غريب، وكان عندي كلب اسمه "بيكو" وفي يوم من الأيام استيقظت من النوم و"بيكو" لم يأت وعندما بحثت عنه وجدته ميتا بعد ان أطلقوا عليه النار، غضبت كثيرا وطلبت من جدي أن يدفنه تحت شجرة التين الموجودة في حديقتنا وبقيت دائما أزور المكان، هل رأيتهم فحتى الحيوان شارك في ثورة الجزائر.
أذكر كذلك أنه كان هناك مجاهد من الحي علمني أول نشيد وطني هو "جزائرنا" وكنا ننشده دائما فإنا أحب هذا النشيد على يومنا هذا، هي كلمات بسيطة وعميقة لها مدلول كبير.
سمعنا الحديث عن الاستقلال وأذكر أنه كان هناك بين سيدي فرج وموريتي كان هناك مخزن بارود سمعنا انفجاره ونحن في المدرسة، كنا جزائريون وفرنسيون، الحادثة أثارت في أنفسنا الهلع وللأسف لا نتحدث عليها، لكن الانطباع السائد في تلك الفترة هو عندها العلاقة بين الجزائر وفرنسا ليست بالسهلة.
الفرنسيون غادروا الجزائر، كانت هناك صديقات جاؤوا لتوديعي وقالوا لي يجب أن نرحل لأن الجزائر ليست بلدنا، يقولون لنا الحقيبة أو التابوت ونحن فضلنا الحقيبة، تأثرت لتلك المواقف لكنني تأثرت كثيرا أمام الزحف الذي تمثل في مغادرة الفرنسيين وقدوم جزائريين لم نكن نعرفهم سكنوا باسطاوالي.
كان في عمري 9 سنوات، لم نكن نعلم ماذا يحدث في تلك الأيام، كل النسوة جاءت إلى بيتنا، كانوا في السابق يخيطون الرايات ويخفونها لكن في ذلك اليوم بالعكس الجميع يحضر الرايات، كل الناس يحضر القماش وكان هناك مذياع كبير، الجميع يجلس أمامه يسمعون "الجزائر ستستقل" ونحن كأطفال كنا نفرح لأن هناك وليمة وفرصة للأكل، وجاء يوم الخروج، اليوم لا غدا..عبارات يرددها الجميع، ونحن نتساءل أين سيذهبون وفي النهاية صعدنا كلنا في الشاحنات للاحتفال بالاستقلال.
يوم الاستقلال اكتشفت الجزائر، تجولنا في كل مكان، ذهبنا إلى البليدة وجبنا كل الشوارع، الفرحة كانت مميزة، أما في القصبة التي عانت الكثير والتي فقدت عديد من أبنائها تزينت لاستقبال أجواء الفرحة بالاستقلال، العظيم هو أن أصدقاء والدي كانوا يحملونني كلهم ويعانقونني لأنهم جاؤوا يرون ابنة محمد الذي توفي تحت التعذيب.
رأيت عمي بعد سنوات من الفراق الذي أصبح رجلا بعد أن صعد إلى الجبل، أصدقاء والدي، العربي بيطاريس، جميلة بوبرشة التي تزوجت مع عمر كالي الذي كان صديقي وأخي الكبير وجاري والذي صعد إلى الجبل خفية عني لأني كنت أحبه وأقدره كثيرا، فرحتي كانت كبيرة عندما التقيت بكل هؤلاء.
للأسف بقيت أنتظر والدي لمدة سنوات، وكانوا كلما يقولون أن شخص جاء من الجبل أسأله عن والدي إلى أن قال لي صديقه إن والدك أوصانا بك خيرا ولقد مات من أجل هذا الوطن، الأمر لم يكن بالسهل في تصوري وإحساسي، وبما يمكنني أن أقول أنني لم أشيع جنازة هذا الرجل إلى يومنا هذا.
*بعد الاستقلال كيف كانت أجواء الدراسة، وكيف كان تكوين بن براهم ؟
أنهيت دراستي حتى المتوسط في اسطاوالي وعندما انتقلت إلى الثانوي سجلتني والدتي في ثانوية ديكارت ولكن ما حدث هو أنني انتفضت عندما وجدت الفرنسيين هناك وطرحت سؤال ماذا أفعل هنا؟ حينها التمست والدتي من السيد تيجاني هدام الذي كان وزير الصحة آنذاك لتحويلي إلى مدرسة أخرى وبالفعل طلب هو الآخر طلب من أحمد الإبراهيمي آنذاك ان يحقق لي رغبتي وانتقلت إلى ثانوية "الفتح" الداخلية بالبليدة للدراسة مع الفقراء.
تمدرست بهذه الثانوية على يد الكبار وتطور إيماني وتوسعت أفكاري، كان هناك الشيخ شنتير كمان مستشار وزير الشؤون الدينية وإمام وكان هناك كبار الأساتذة، في ثانوية البليدة فهمت أن الحياة ليست الرفاهية التي عشت فيها، اكتشفت أن الحياة ليست لباس وأناقة، بل هي كذلك فقر وعوز وحاجة، صراع أناس لا يملكون شيئا في الحياة، سعي معدمين من أجل قوتهم، أصبحت في مواجهة ثورة في المفاهيم والشعور، كل المقاييس تغيرت، كنت أرى فتيات يدرسن بالثانوية يأتون في بداية السنة ولا يذهبون حتى نهاية العام.
والدتي كانت تتوسط هؤلاء البنات وتحضرهم معي إلى المنزل في نهاية الأسبوع، يأكلون ويشربون ونتفسح جميعنا، ثم نعود بعدها إلى المدرسة، وأذكر إحدى الفتيات توفيت في حادث قطار يوم قررت الذهاب إلى المنزل، في النهاية الحياة ليست أعراس، كان هناك الجانب المأسوي، وأنا فخورة بصديقاتي اللواتي ألتقي بهن إلى يومنا هذا.
كانت أمي جد ذكية فعندما نخرج في نهاية الأسبوع تشتري لي ثلاثة كتب جيب وتطلب مني قراءتهم شريطة أن أقدم لها تقريرا عن ما قرأته فيما بعد وكان لي مصباح صغير أستعمله، في الحقيقة لم تكن تقرأهم والدتي وكنت مجبرة على مطالعتهم لإخبارها ومن ثم تطورت أفكاري وتواصلت العملية ثلاث سنوات لأكتشف في النهاية أن أمي لم تكن على دراية بمحتوى الكتب على عكس ما كانت تقوله لي.
في الامتحانات كانت لي أحسن النقط في الأدب والفلسفة، كنت فضولية وكنت تلميذة نجيبة لا تفوتني أدق التفاصيل
*يقولون أنك كنت تلميذة مشاغبة؟
ربما هذا صحيح فالجميع يذكر قصة الثعبان الذي أطلقت سراحه من مخبر العلوم وراح يزحف في القسم، هلع كبير وكل الفتيات يصرخن، هذه واقعة وأذكر واقعة أخرى في شهر رمضان عندما كنا نخرج للسحور، في المخبر هناك "أرتور" هيكل عظمي يحدث أصوات، قمت بتحريكه ورميه على الجميع فظنت الفتيات أنه شبح وخرجن يبكين بعد ان أصابهن هلع كبير، ولم يعرفوا أنني من فعلت ذلك إلا بعد انتقالي إلى الجامعة، لقد أكلنا ابن الوردان واللوبيا بالحجر، أتذكر آخر ملعقة من الشربة التي أخرت معها جرد ميت، بالفعل كانت مرحلة الثانوية جد مميزة في حياتي.
*لماذا الحقوق وكيف تبلور مفهوم العدالة في ذهن فاطمة الزهراء؟
قضيت ثلاثة سنوات هناك وتحصلت على شهادتين للبكالوريا إحداهما جزائرية والأخرى، لأول مرة وبتقدير جيد، عندها حاولت أمي أن توجهني نحو الطب لكنني اخترت الحقوق، لقد رفضت الطب وأردت المحاماة والقانون وكانت حجتي بسيطة هي الدفاع على بلدنا خاصة بعد الاستقلال، أحببت العدالة منذ طفولتي وتبلور مفهوم العدالة في ذهني عندما كنت أنصر الدجاجات في خمنا الكبير باسطاوالي بسبب الديك الذي كان يضربهن جميعهن.
حضرت ليسانس في العلوم السياسية وأخرى في القانون والثالثة في الإعلام، كما قمت بإعداد ماجستير في الجزائر وفي الخارج في التخصصات لتي كنت درستها في الجامعة كان لنا أساتذة كبار في الجامعة تتلمذت على يدهم واستفدت من خبرتهم، استفدت من المكتبات التي كانت موجودة واستقليت الحافلات الجامعية، استعملت الحافلة سنة واحدة ثم اشترت لي الوالدة سيارة في بداية السبعينات، لم أكن أنانية وكنت متواضعة فكلهن كن يرافقنني في السيارة.
*التحقت بالعمل في قطاع العدالة وأنت لا زالت طالبة في الجامعة؟
طلبت من عمي تيجاني الذي كان يشغل منصب وزير الصحة آنذاك أن يساعدني على ولوج سوق العمل وبالتحديد قطاع العدالة وكانوا آنذاك يوظفون قضاة متعاقدون، وبعد أن اتصل بوزير العدل بن حمودة وأنا لا زالت قاصرة في أول الأمر استغرب الوزير وقبل توظيفي بأجرة 1226 دج، وذلك بعد مرور السنة الأولى الجامعية وكان أن وضعني في قسم تنفيذ العقوبات.
أذكر في تلك الفترة أنه كان هناك رجلا يكتب لهم ويراسلهم دائما ويقول لهم أنا بريء وتكررت رسائله وفي إحدى المرات قال إنني اكتشفت من قتل المرأة التي عاقبتموني عليها، الرسالة أثرت في نفسي وذهبت إلى نائب المدير وعرضت عليه القضية فقال لي لا تقلقي إني أظنه مجنون وهو يكتب دائما، بحثت عن رسائله وقرأتها وفحصتها بدقة وتوصلت إلى حقائق عرضتها على وزير العدل، القضية أحدثت ضجة وحضرت تقرير حول الملف وفي الأخير فتحوا التحقيق انتهى باستفادة الشخص المعني من البراءة.
*بعد تجربتك في وزارة العدل، ماذا عن عالم المحاماة؟
بعد واقعة ذلك الرجل قدمت استقالتي لأنني رفضت الظلم، الوزير رفضها وقال لي إن ما قمت به لم يقم به القضاة أنفسهم، تمسكت بها فاقترح علي الخبرة القضائية التي قضيت فيها 17 سنة بعد ذلك، ومن ثم تطورت أكثر في مجال الاحترافية، حيث أصبحت المرأة الوحيدة في الجزائر المختصة في الخبرة القضائية، كنت أعين في كامل التراب الوطني وأقدم تقارير خبرة يعمل بها في الجامعات الأجنبية وأصبحت خبيرة دولية سنة 1987.
في نهاية هذه السنة أحسست بالتعب واتصلت بالوزير وقلت له أريد الذهاب إلى المحاماة، الوزير رفض وأصبحت رئيسة الخبراء وبعدها قبل أن يمنحني عطلة لمدة سنة ومن ثم انتقلت إلى المحاماة، اتصلوا زملائي المحامين بي وأنا في باريس، حضروا لي كل شيء للأداء اليمين يوم 11 جانفي 1988 وبالفعل تم ذلك، وبدأت مشواري في المحاماة كمهنة كنت أتوخى منها الراحة فقط، لكنني وبعد ثلاثة أشهر من الممارسة اكتشفت عالما جديدا سحرني وأبهرني لا زال على يومنا هذا أعشقه.
رافعت في قضايا جد مهمة في تلك الفترة من بينها قضية البنك الوطني الجزائري، الخبرة القضائية ساعدتني بقوة في التحكم في تلك القضية التي أثارت الرأي العام آنذاك، الجميع كان يتتبعها بانتباه، لقد تم تبني اقتراحاتي بحكم خبرتي.
*وماذا عن سنوات الدم التي عاشتها الجزائر والتي تعاملت فيها مع قضايا الإرهاب؟
ابتداء من سنة 1993 بدا الإرهاب يضرب بقوة وكنت أول محامية عالجت أول قضية إرهاب "الأمير لوح" فيها 87 متهم ومن ثم مئات القضايا التي لا أذكرها، كانت الصحافة الدولية موجودة والعمل كان وفق قانون جديد لمكافحة الإرهاب، في تلك الفترة تعاملنا مع قوانين جديدة والجميع يعترف بدور المحامين ولم نكن نتلقى أتعابا على القضايا وكنا نخدم مصلحة الوطن وحسب.
العشرية الدامية عشتها بصعوبة لأنني لم أتحمل يوما ان أرى أبناء بلادي يقتتلون، كنت أحلم أن أرى الجزائر بعد الاستعمار كزهرة تطرح عطرا زكيا، أين يعيش الجزائري حر بكرامة ونحب بعضنا البعض، لم أكن مهددة أبدا، أنا لست امرأة سياسية، أنا مناضلة من أجل حقوق الإنسان الصحيحة وسأبقى دائما مناضلة.
*كيف كانت مسيرتكم النضالية وما هي أسس فلسفتكم في الحياة؟
نظرة الحياة هي أن تكون عادلا مع الناس ومع نفسك أما بعد الحياة نعرف أن هذه الحياة هي ممر صغير جدا تمر فيه من نقطة إلى أخرى ثم ترجع في مرحلة دائمة أين لا تحتاج لا إلى سلطة ولا إلى مال ولا حتى إلى أولاد، كل المعايير تتغير وتعرف أنك بعد حياة طويلة من العمل لا تأخذ إلا الكفن، إذن لماذا نكسب الملايير، ماذا سنفعل بها؟ ماذا سيعطيك الشر؟ في الأخير لا شيء ستعذب نفسك وغيرك ليس أكثر.
لقد رافعنا على مستوى الهيئة الوطنية للمحافظة على الأسرة من أجل إبقاء الولي والعودة إلى أسس الأسرة الإسلامية وكسبنا الرهان بفضل رئيس الجمهورية، وبعد قانون 23 فيفري سنة 2005 أنشأن الهيئة الوطنية لتحرير العلاقة الجزائرية الفرنسية وكان معي السيد أحمد بن سعيد، وذلك بهدف الرد على قانون 23 فيفري، وما يجب أن نعلمه هو أن الاستعمار لم يمجد يوما عندنا وكل ما حاولنا فعله هو أن نكون سندا لرئيس الجمهورية بصفة غير مباشرة لأنه هو كذلك مشى في الطرح.
هيئتنا فيها مؤرخين وفكرنا أن هناك خطر كبير يتجاوز الاستعمار وهو الفكر الاستعماري الذي يحتوى أفكار الشباب ويجعلهم يمجدون الاستعمار وسيستعملون أبنائنا لنهب ثرواتنا عن طريق أبنائها ومن ثم قررنا تغيير التسمية وأصبحت الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري، بن سعيد رفض هذه التسمية وانسحب بعدها.
عدوي ليس الشعب الجزائري وإنما هو الاستعمار وليست فرنسا لأن بين الجزائر وفرنسا هناك علاقات دبلوماسية ولكن الاستعمار وجرائم هذا الاستعمار التي سنحاربها في إطار نضال متواصل، صوتنا اليوم مسموع دوليا وهناك عديد من القضايا المطروحة، نحن بحاجة إلى مساعدة الدولة التي يفترض أن توفر لنا الإمكانيات كعلميين وقانونيين وسنصل إلى محاكمة فرنسا على الفترة الاستعمارية في يوم من الأيام.
*هل أثر مشواركم النضالي على حياتكم الشخصية؟
النضال أخذ كل حياتي، منذ صغري فهمت أنه لا يمكن أن نعيش حياة خاصة ونناضل، ما أقوم به هو ليس مهنة، لأن مهنتي هي المحاماة فيما يبقى النضال بن براهم في الميدان، أنا ضد فكرة مناضل يقبض أجرة نهاية الشهر، عندما نناضل نكرس أموالنا، وقتنا وكل ما نملك لبلوغ الهدف، لم أندم على اختيار حياة العزوبية وهناك صديقاتي يقلن لي أنك أحسنت الخيار، أنا جد سعيدة، هو خيار أعطاني أكثر مما كنت أنتظره "دير الخير وأنساه ودير الشر واتفكروا" هكذا يقولون.
*كيف تتصور بن براهم حياتها اليوم بعد كل هذا المشوار الطويل؟
متعة هذه الحياة كبيرة وعظيمة وصلت إلى راحة البال، أنا امرأة جد سعيدة ووصلت إلى إشباع روحي لأنني أكافح من أجل حقوق الأطفال، لم ألد لكن كل أبناء الجزائر أبنائي، أنا أكفاح من أجل استقرار خلية الأسرة وكل المتزوجين إخواني وأخواتي، أكافح من أجل انسجام الأسرة، أكافح من أجل كل الجزائر ولا تهمني الجهوية ، كل حجر شجر كل حبة رمل في هذه الأرض أعشقها وحلمي هو أن أرى الجزائر موحدة أنا أحب الجزائر، وقعت في حب الجزائر، الله أعطاني هذه الفرص، لي قلب مثل الجميع لكنه مملوء بالحب، هو حب من أجل الجزائر كما منحني الله المنطق وملئ عقله به فجمعت بين هذين النعمتين ويا لها من نعمة.
هل تعلمون في نهاية المطاف لا يمكنني أن أتخلى عن بلدي، ديني أو أصلي أنا أحب الشجر والحجرة في الجزائر لأن كل شيء له معنى في هذه الأرض، حب الوطن يسكن بداخلنا لو أقول لوالدتي سأخذ الجنسية الفرنسية ستقتلني بالتأكيد.
*هل ضايقتك الصحافة؟
الصحافة لم تضايقني يوما وحتى إن أخطأ الصحفيون في حقي لا يمكنني أن أغضب عليهم باستثناء القذف أو المساس بشرفي فهنا أنا لا أتسامح.
*الحيوانات في حياة بن براهم؟
لقد علمتني الحيوانات دروسا قد يعجز عنها حتى البشر، أعطوني أكبر دروس في الإنسانية، أنا أحب القط والكلب، القط هو ملك في منزلي ولي قط اسمه "سيسان"، عندما أكون في حالة غضب أجد قطي الذي يراضيني، دخلت متأخرة في إحدى المرات وعندما نمت جاء الكلب ونام بجانبي من أجل مواساتي أليس هذا بعظيم؟
*أهم الحكم التي تطبقونها في حياتكم؟
"إلي ما هو ليك ما يشقيك"، "خوذ ما عطاك الله"، "أرض الله واسعة".
*أخر كتاب قرأتموه؟
هو كتاب حول رسالة صدرت في 1747 لألكسيس دوتوكفيل أنا بصدد قراءته.
*في الأخير، ما هي أمنيات فاطمة الزهراء بن براهم؟
هناك الكثير، سأذكر ثلاث منها على الأقل، أتمنى أن يطول عمر والدتي لأنها تنصحني دائما، كما أتمنى أن تعم الرحمة في وسط الشعب الجزائري ويزدادا تمسكا ببعضه البعض وأدعو الله أن يستر الشباب، وفي الأخير كما قلتم أدعو الله أن يحفظ لي جوهرة العقل حتى أبقى واقعية ولا أظلم ولعل ما يؤثر في المجتمع هو الظلم والطغيان كما أتمنى الصحة والعافية لمواصلة النضال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.